اقتصاد السوق الضرورة المغيبة

عباس الصباغ

2025-09-21 03:21

غاب او غيّب مفهوم اقتصاد السوق عن المشهد الاقتصادي العراقي طيلة عمر الدولة العراقية الحديثة بعهديها الملكي والجمهوري، كما غاب ذلك عن عقلية مهندسي الاقتصاد العراقي ابتداء من ساسون حزقيل والى الان، فلم تحظ فكرة اقتصاد السوق باي اهتمام سواء للمتصدرين للقرار السياسي او الاقتصادي.

 فالجميع استسلموا الى ضرورة استمرار الاقتصاد العراقي على ماهو عليه بصيغته الريعية مادام النفط موفورا وبكميات تجعل العراق يتربع على قائمة الدول في احتياطي النفط والدول المنتجة والمصدرة له، ولاشيء سوى النفط الذي يمد الموازنات المالية العامة بحصة الاسد من الايرادات التي كانت تغطي الميزانيات التشغيلية والاستثمارية بشكل شبه تقريبي، في حين يكون العجز المالي مسيطرا عليه بهامش مالي معقول، واستمر الامر على هذا المنوال عقودا طويلة من الزمن تمثل عمر الدولة العراقية الحديثة تقريبا. 

ولكن لطروء مستجدات مالية لم تكن بالحسبان كتذبذب اسعار النفط هبوطا وهي مسالة طبيعية في سوق النفط، وكان بأصحاب القرار الاقتصادي ان يحسبوا لها الف حساب، وناهيك عن ازدياد النفقات العامة المرافقة زيادة السكان وزيادة الخدمات المقدمة لهم، وثالثا وهو الاهم اي الترهل المليوني في الجهاز الوظيفي للدولة العراقية الذي يستهلك القسم الاكبر من الميزانية التشيغلية.

 فاستمرت الدولة العراقية الحديثة على هذا المنوال فهي تحتكر كل الثروات وكل وسائل الانتاج الصناعي والزراعي، وهي توزع عوائدها حسب مزاجها الاقتصادي التائه بين الرأسمالية والاشتراكية، وزادت الانظمة الديكتاتورية المتعاقبة الطين بلة من خلال احتكارها لكل شيء سياسيا واقتصاديا وحرية الراي والحريات العامة، فكان هذا الاحتكار سببا لعدم دخول العراق الى اقتصاد السوق الذي لو تم الدخول اليه لما وصل الحال اليه الان.

 في نهاية المطاف وبعد حوالي قرن من تأسيس الدولة العراقية الحديثة لم يكن هنالك محيص من رسم خارطة طريق لمعالجة الاختلالات المزمنة للاقتصاد العراقي ولمنع مسلسل العجز الترليوني من التكرار لما له من اثر سلبي على معيشة الناس ووضع السوق المحلي، فلا بد اذن من الدخول التدريجي الى اقتصاد السوق التحرر المبرمج من سطوة الدولة على الاقتصاد وفسح المجال للقطاع الخاص ليلعب الدور الفعال في قيادة الانشطة الاقتصادية منفردة او بالمشاركة مع القطاع العام، فضلا عن تعظيم الموارد الاخرى غير النفط لتكون رديفا معه وجلب الاستثمار ودعمه وتنشيط القطاع الخاص وتخفيف الضغوط الحكومية عنه هو مامطلوب في المرحلة الحالية.

ذات صلة

محورية الإنسان في البناء الحضاري عند الإمام الشيرازيهل قيدت او عطلت مدونة الاحكام الشرعية صلاحية محكمة التمييز الاتحادية؟التسويف الدراسي.. فهم الأسباب وسبل التغلب عليه‏إشكالية الديمقراطية في العراق.. التحديات والمرتكزاترمزية الحياة والموت في أدب تشيخوف