الدليل إلى تحرير فوائد التجارة

بروجيكت سنديكيت

2024-11-04 04:34

جنيف/واشنطن، العاصمة- تشكل سلاسل التوريد عمود التجارة الدولية الـفِقْـري، حيث تمثل أكثر من نصف قيمة التجارة السلعية العالمية. كما أنها تخلق أعدادا كبيرة من الوظائف وتذلل العقبات التي تحول دون مشاركة البلدان والشركات في الاقتصاد العالمي. لكن التمويل الذي يدعم سلاسل التوريد غير كاف، وهذا يجعل عددا كبيرا للغاية من الشركات الصغيرة في الاقتصادات الناشئة والنامية معزولة عن فوائد التجارة العالمية.

تجمع شبكات سلاسل التوريد بين المواد الخام، والأجزاء، والخدمات، وغيرها من المدخلات من بلدان متعددة، حيث تَـعـبُـر السلع غالبا الحدود عدة مرات للمعالجة قبل اكتمال تصنيعها وتوزيعها وتسويقها. تعتمد الشركات داخل هذه الشبكات على تمويل سلاسل التوريد القصيرة الأجل لتجنب الانضغاط بين المدفوعات المقدمة لمورديها والمدفوعات المتأخرة من قبل المشترين. ويتيح هذا التمويل حصة كبيرة من التجارة العالمية، وهو يشكل ضرورة أساسية للشركات الصغيرة في البلدان النامية.

كان تمويل سلاسل التوريد شريان حياة لكثير من الناس أثناء جائحة كوفيد-19، التي عطلت التجارة والأسواق على مستوى العالم. ومع تحول المستهلكين في مختلف أنحاء العالم من الإنفاق على الترفيه والسفر إلى السلع، واجهت الشركات العاملة في صناعات تشكل أهمية حيوية للدول النامية قيودا على التدفقات النقدية، بسبب ارتفاع الطلب والإنتاج. على سبيل المثال، كان منتجو الملابس في احتياج إلى التمويل لزيادة مشترياتهم من المدخلات، برغم أن المدفوعات من المشترين لن تأتي إلا في وقت لاحق. وقد أتاح تمويل سلاسل التوريد إمكانية الوصول إلى الأموال الفورية، فساعدها هذا على إدارة رأس المال العامل، وتثبيت استقرار العمليات، والمساهمة في تخفيف اختناقات الإمدادات العالمية.

على المستوى العالمي، يُـعَـد تمويل سلاسل التوريد أحد أسرع قطاعات تمويل التجارة نموا، حيث يُـقَدِّر تقرير تمويل سلاسل التوريد العالمية لعام 2024 الصادر عن BCR قيمته بنحو 2.3 تريليون دولار. لكن بعض الناس فقط يستفيدون من هذا التوسع. ففي حين نجحت الشركات المتعددة الجنسيات الكبرى والاقتصادات المتقدمة في دمج تمويل سلاسل التوريد بسلاسة في شبكات مشترياتها، تظل معظم الشركات في البلدان النامية على الهامش.

من منظور هذه الشركات ــ وأغلبها من الشركات المتناهية الصِـغَر والصغيرة والمتوسطة الحجم ــ يشكل تأمين تمويل سلاسل التوريد من البنوك المحلية تحديا كبيرا، نظرا للأطر القانونية الضعيفة، والبنية الأساسية التكنولوجية غير الكافية، والتكاليف الباهظة. وهذا يحد من قدرة كثير من الشركات على النمو والازدهار، ولا تستطيع بلدانها جني كامل فوائد التجارة العالمية.

توضح البيانات المستمدة من دراسات مسح التمويل التجاري المشتركة التي أجرتها مؤسسة التمويل الدولية ومنظمة التجارة العالمية حجم المشكلة. فحتى في بلدان مثل فيتنام وكمبوديا ــ حيث تمكنت شركات صغيرة عديدة من الاستفادة من سلاسل التوريد في قطاعات مثل المنسوجات والإلكترونيات الاستهلاكية، على الرغم من عملها في المقام الأول على أساس نقدي ــ فإن نقص تمويل سلاسل التوريد يتسبب في إحداث أضرار اقتصادية.

ورغم أن 50% من تجارة هذه البلدان مرتبطة بسلاسل التوريد، فإن 0.5% فقط من تجارتها مدعومة بتمويل سلاسل التوريد من مؤسسات مالية محلية. ونتيجة لهذا، لا تواجه الشركات المحلية ضغوطا مالية مستمرة ومعدلات خروج أعلى فحسب؛ بل إنها تعجز أيضا عن توليد موارد الاستثمار الشديدة الأهمية للصعود على سلسلة القيمة.

الواقع أن الفوائد التي قد تترتب على زيادة تمويل سلاسل التوريد في الاقتصادات النامية كبيرة حقا. وتُظهِر أبحاث منظمة التجارة العالمية أن زيادة بنسبة 10% في استخدام بيع الديون على المستوى الدولي (النوع الرئيسي من تمويل سلاسل التوريد، الذي تستخدمه في المقام الأول الشركات المتناهية الصِـغَر والصغيرة والمتوسطة الحجم لتأمين الأموال النقدية الفورية مقابل فواتيرها المستحقة غير المدفوعة) من الممكن أن تعزز تجارة البلدان بنسبة 1%.

من الممكن أيضا أن يعمل توسيع نطاق الوصول إلى أدوات تمويل سلاسل التوريد على زيادة المشاركة في التجارة بدرجة كبيرة، وخاصة من جانب الشركات المتناهية الصِـغَر والصغيرة والمتوسطة الحجم في البلدان النامية. وهذا بدوره من شأنه أن يساعد في زيادة الدخول، والحد من الفقر، وتعزيز الشمول المالي.

من جانبها، تستطيع بنوك التنمية المتعددة الأطراف أن تبذل قدرا أعظم كثيرا من الجهد لتحفيز تمويل سلاسل التوريد في البلدان النامية. ونحن نقترح أن يلتزم المقرضون من جهات متعددة بتنسيق جهودهم مع الحكومات، وجمعيات الصناعة، والمؤسسات المالية المحلية والدولية.

ومن الممكن أن يعمل هذا التعاون على تعزيز أهداف متعددة. فأولا، من الممكن أن يعزز الأطر القانونية لتمويل سلاسل التوريد حيثما كانت ضعيفة أو غير موجودة، فضلا عن بناء قدرات أعظم بين الجهات التنظيمية وصناع السياسات.

ثانيا، من خلال تدريب المشاركين في السوق والجهات التنظيمية على أفضل الممارسات العالمية، يصبح بوسع المنظمات الدولية أن تساعد في توحيد معايير الإبلاغ عن بيانات الائتمان، وقواعد الملاءة المالية، وآليات التنفيذ. ثالثا، يمكنها تعزيز التحول الرقمي من خلال دعم تطوير البنية التكنولوجية الأساسية. ورابعا، يمكنها توفير التمويل والمساعدة الفنية للبنوك وغيرها من مقدمي تمويل سلاسل التوريد في الأسواق الناشئة، وهو ما من شأنه أن يزيد من توافر المنتجات.

من خلال العمل معا، يصبح بوسع المنظمات المتعددة الأطراف والحكومات والمؤسسات المالية إطلاق العنان لكامل إمكانات تمويل سلاسل التوريد، وبالتالي تعزيز التجارة والشمول المالي في أكثر مناطق العالم حرمانا من الخدمات. وعندما يتعلق الأمر بدفع التنمية، فإن زيادة تمويل سلاسل التوريد تُـعَـد إحدى الثمار الدانية. ونظرا لإمكاناتها الضخمة في تحقيق المكاسب في تشغيل العمالة، والتجارة، والنمو، فإن قطافها من شأنه أن يعزز مجموعة واسعة من أهداف التنمية العالمية.

* بقلم: نجوزي أوكونجو إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية.

مختار ديوب، وزير الاقتصاد والمالية الأسبق في السنغال، وهو المدير الإداري لمؤسسة التمويل الدولية.

https://www.project-syndicate.org/

ذات صلة

حصر الاستعانة بالله لا ينافي التوسل بالأسباب الطبيعية أو الغيبيةالانتخابات الامريكية والسنجابصناعة المثقف الشعبيالهجوم الإسرائيلي على إيران.. ماذا بعد؟ماذا يدور في الجلسات الخاصة؟!