سر نجاح البنية التحتية؟
الأطر القوية للشراكة بين القطاعين العام والخاص
البنك الدولي
2024-10-06 05:05
بقلم: غوانغز تشين
ما الذي يمكن أن تنجزه البلدان النامية في بنيتها التحتية إذا حصلت على مبلغ إضافي قدره 500 مليون دولار سنوياً؟ إن هذا المبلغ من المال يمكن استخدامه في تمويل نحو 83 كيلومتراً من خدمة النقل السريع بالحافلات، مما يؤدي إلى تخفيف الازدحام وتحسين مستوى النقل العام. ويمكن استخدامه في 570 ميغاواط من الطاقة الشمسية المركبة، مما يضاعف قدرات التوليد في بعض أكبر محطات الطاقة الشمسية في أفريقيا. أو يمكن استخدامه في تمويل إضافة 500 كيلومتر من الطرق المكونة من أربعة مسارات، مما يعزز شبكة الطرق ويدفع عجلة النمو الاقتصادي.
ولك أن تتخيل احتمالات النتائج التي يتيحها استثمار هذا المبلغ للبلدان النامية: أساطيل من الحافلات الكهربائية، وانتشار واسع النطاق لمزارع الطاقة الشمسية، وشبكة طرق سريعة ومترابطة، وغير ذلك من المشاريع العملاقة البارزة التي تحدث فرقاً حقيقياً في حياة الناس من خلال ربطهم بالوظائف والخدمات.
ولكن هل هذا النوع من الاستثمار ممكن حقاً؟ وهل تستطيع البلدان تحقيق مثل هذا التحول؟ إن أحدث الدراسات البحثية التي أجريناها تبعث على التفاؤل، حيث تظهر بعض البلدان بدأت تشق طريقها بالفعل. والمثير للدهشة على الرغم من ذلك أن سر النجاح لا يكمن في التكنولوجيا المتقدمة أو العمال ذوي المهارات العالية أو المعدات الحديثة، لأنه شيء لا يمكن لمسه أو رؤيته، بل إنه يكمن في الأطر التنظيمية القوية. يشير تقرير جديد للبنك الدولي بعنوان "قياس تطور البنية التحتية" إلى وجود ارتباط كبير بين الإصلاحات التنظيمية المتعلقة بالشراكات بين القطاعين العام والخاص والاستثمارات في البنية التحتية للشراكة بين القطاعين العام والخاص.
قبل وقت طويل من بدء مشروعات البناء، هناك قدر كبير من العمل والإجراءات غير المرئية. فيجب أن تكون الأسواق المالية المحلية مستعدة، ويجب أن تكون اللوائح التنظيمية واضحة ومستقرة، ويجب على مديري المشروعات التأكد من توافر المهارات اللازمة لإدارة المشتريات والمناقصات والتعاقدات لدى فرق العمل التابع لهم.
ويجب على الحكومات أيضا إرساء ممارسات للنجاح في تنفيذ الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وهي وسيلة مهمة لتمويل مشاريع البنية التحتية وإنجازها. وتشير الشواهد المستقاة من تقريرنا إلى أن هذه الإصلاحات التنظيمية "غير المرئية" لا تقل أهمية عن الرافعات والجرافات التي تبني جسورنا وطرقنا. ويظهر التقرير أن البلدان التي عززت أطر الشراكة بين القطاعين العام والخاص بين عامي 1990 و2022 شهدت زيادة قدرها 488 مليون دولار في المتوسط في استثمارات البنية التحتية كل عام.
لماذا تعتبر هذه الإجراءات غير المرئية مهمة للغاية؟ إن القواعد الواضحة والراسخة تسهل على مستثمري القطاع الخاص المُشارَكةَ في مشاريع البنية التحتية والتقليل من المخاطر المرتبطة بها. وتصبح البلدان التي تتمتع بأطر تنظيمية قوية في وضع أفضل يتيح لها تأمين التمويل لمشروعات البنية التحتية الأساسية، وتحرير الموارد الحيوية التي يمكن استخدامها لتلبية الاحتياجات الملحة الأخرى في مجالات الصحة والتعليم والبيئة وغيرها.
ولا شك أن الإصلاحات التنظيمية لا تمثل إلا جزءاً بسيطاً من العمل المطلوب. وأن كل بلد يتخذ مساراً يختلف عن الآخرين. مسار كل بلد فريد من نوعه، ولا يوجد حل واحد يناسب الجميع. ومن الأمثلة على ذلك، بدأت كينيا والفلبين بمشروعات الطاقة المتجددة ثم انتقل البلدان تدريجياً نحو تنفيذ مبادرات أكبر وأكثر تعقيداً. كانت كولومبيا من بين البلدان القليلة التي أسست للشراكات بين القطاعين العام والخاص في قطاع النقل في وقت مبكر. ونفذت أستراليا بنجاح الشراكات بين القطاعين العام والخاص دون وجود قانون مستقل بشأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص. مفتاحه تنوع هذه النُهُج يتمثل في وجود إطار تنظيمي يشجع الاستثمار ويتكيف مع الظروف المحلية لكل بلد.
وعلى الرغم هذا التنوع، فإن المزيد من البلدان تتبنى قوانين خاصة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. فاعتباراً من يونيو/حزيران عام 2023، توافر لدى 109 اقتصاداً من أصل 140 اقتصاداً (تمثل 78%) في تقرير إطار تنظيمي خاص بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، كما قام 79 اقتصاداً (تمثل 56%) بسن قوانين تتعلق بالشراكة بين القطاعين العام والخاص. ومن عام 2019 إلى عام 2022، أدخلت سبعة اقتصادات -أرمينيا وجمهورية الدومينيكان وغانا والجبل الأسود وقطر والمملكة العربية السعودية والسودان- أول قوانينها بشأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص ، وأجرت 60 دولة تغييرات على لوائحها التنظيمية في هذه الفترة.
وعلى الرغم من إحراز بعض التقدم، لا تزال هناك فجوات كبيرة، لا سيما في إعداد المشروعات - وهو مجال حيوي لا يزال بحاجة إلى تحسين. فعلى سبيل المثال، تحتاج 5% فقط من الاقتصادات التي شملتها الدراسة إلى جس نبض الأسواق فيما يتعلق بالتكنولوجيا والابتكارات، ويعمل ثلثها فقط على توحيد وثائق معاملات الشراكة بين القطاعين العام والخاص أو نشر التقييمات عبر الإنترنت. ولم تشهد هذه المجالات إحراز أي تقدم منذ عام 2019.
وتشكل هذه الفجوات أحد الأسباب الحيوية التي تقف وراء تعاون البنك الدولي مع البلدان المتعاملة معه بشأن تطبيق أفضل الممارسات في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتطوير البنية التحتية. وتحقيقاً لهذه الغاية، يستضيف قطاع البنية التحتية في البنك الدولي ثلاث شراكات تمولها الجهات المانحة على النحو التالي: يقوم برنامج التسهيلات الاستشارية للشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال البنية التحتية بتدعيم السياسات واللوائح التنظيمية والمؤسسات التي تمكن القطاع الخاص من المشاركة في مشروعات البنية التحتية؛ ويساعد الصندوق العالمي للبنية التحتية البلدان المتعاملة معه على إعداد مشروعات مستدامة وعالية الجودة للبنية التحتية؛ وتقدم الشراكة المعنية بالاستثمار في البنية التحتية الجيدة المساندة لدمج مبادئ الجودة وتكاملها لبناء الأساس اللازم لتأسيس بنية تحتية مستدامة وشاملة للجميع وقادرة على الصمود. وتساعد هذه الشراكات الثلاثة مجتمعة البلدانَ على إجراء تغييرات فعالة في كل مرحلة من مراحل مشروع البنية التحتية، الأمر الذي يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً.
ولمواصلة مسيرة التقدم، تحتاج البلدان إلى صقل إستراتيجياتها والاستفادة الكاملة من الموارد مثل تقرير البنك الدولي عن وضع المعايير المرجعية لتطوير البنية التحتية، الذي يوفر آلاف النقاط البيانية حول اللوائح المُنظِمة للشراكة بين القطاعين العام والخاص على مستوى العالم، ويوضح كيف يتطور كل بلدٍ على حدة مع الوقت. سواء كنت مواطنا عاديا أو ممارسا أو مسؤولا حكوميا، فنحن نشجعك على لاستكشاف البيانات، وتقييم التقدم الذي أحرزته بلادكم، والضغط من أجل إجراء المزيد من الإصلاحات.
وباعتبارنا أصحاب مصلحة في مستقبلنا الجماعي، فإن الأمر متروك لنا للدفاع عن التغييرات اللازمة لجذب المزيد من الاستثمارات وبناء البنية التحتية التي تدفع عجلة النمو وترتقي بمستوى الحياة.