ماسك يحول تسلا إلى سهم ميمي

بروجيكت سنديكيت

2024-05-08 08:56

بقلم: برادفورد ديلونغ

بيركلي- من وجهة نظر أميركا والعالم، تُعَد شركة تسلا مؤسسة تاريخية هامة في مجال توليد التكنولوجيا، فهي الشركة الرائدة في عملية الانتقال من المركبات التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي. ومن وجهة نظر المساهمين طويلي الأمد، فإن لديها القدرة على أن تكون شركة ربحية مستدامة. ويعتبرها مُوَرِّدُوها وموظفوها وعملاؤها مصدرا للدخل والإنتاج. وفيما يتعلق بالمضاربين في "وول ستريت"، فهي تشبه كرة ترتد على عجلة لعبة «الروليت"، أي أنها رهان محفوف بالمخاطر في مجال التكنولوجيا.

في أوائل عام 2018، وافق مجلس إدارة شركة "تسلا" والمساهمون فيها على تقديم حزمة من التعويضات للرئيس التنفيذي إيلون ماسك. وتضم الحزمة 12 شريحة من خيارات الأسهم، تعادل كل منها ما يناهز 1 في المئة من إجمالي حقوق ملكية الشركة، والتي تقدر قيمتها بالكامل بنحو 55 مليار دولار. وستكون الشريحة الأولى متاحة إذا تجاوزت القيمة السوقية لشركة "تسلا" 100 مليار دولار، وستكون كل شريحة متتالية متاحة عندما ترتفع بقيمة إضافية تبلغ 50 مليار دولار (شريطة أن تحقق الشركة أيضا العديد من الأهداف فيما يتعلق بالإيرادات والتدفقات النقدية).

إن حزمة التعويضات هذه تخضع الآن لمراجعة المحاكم، حيث اكتشفت محكمة ولاية ديلاوير أن العملية التي تمت الموافقة عليها لم تفِ بمعيار الاستقلالية المطلوب من المدير التنفيذي، الذي هو أيضًا مساهم يتمتع بسيطرة فعالة على الشركة. ومع ذلك، من المحتمل أن يفوز " ماسك " بمجرد استكماله لجميع الإجراءات القانونية. وعلى أي حال، مجلس الإدارة مطيع، ومعظم أسهم "تيسلا" يملكها مشجعو ماسك المتعصبين.

ونتيجة لذلك، يملك ماسك 22 في المئة تقريبا من شركة "تيسلا"، بدلاً من حصة الـ 10 في المئة التي كان يملكها قبل حزمة التعويضات. وواحدة فقط من ممتلكاته تبشر بخير كثير وهي شركة SpaceX سبيس إكس، ولن يتفاجأ أحد إذا أصبحت قيمة شركة X (تويتر سابقًا) وThe Boring Company ذا بورينغ كامباني، وشركات أخرى تساوي صفر. وقد تبلغ قيمة ثروة ماسك على الوثائق 160 مليار دولار، لكن حصته البالغة 120 مليار دولار في "تيسلا" هي العنصر الوحيد في ثروته الذي لا يعتمد على ظهور مشترٍ مميز يدفع القيمة المناسبة في الوقت المناسب.

وقبل حصول ماسك على حزمة التعويضات، كان واحدا من الأثرياء العاديين المستثمرين في منطقة وادي السيليكون، مع أنه ربما كان أكثرهم تأثيرا. وواضح أنه جامع تبرعات فعال، وقائد مشجع، ويتولى أحيانا تدريب المهندسين العاملين في تكنولوجيا البطاريات، والمركبات الكهربائية، وعلم الصواريخ. ولولاه، لما ارتقت هذه التكنولوجيا إلى هذا المستوى.

ومع أن "ماسك" معروف بتقديمه لوعود مبالغ فيها، إلا أنه تخطى التوقعات في الوعود التي قدمها في هذه الحالات. وعندما يُكتب تاريخ الجهود التي بذلتها البشرية لمعالجة تغير المناخ، سيكون "ماسك" أحد أكبر الأبطال بفضل ما بذله من جهود خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بالتأكيد.

وخلال ذلك العقد، "لم تتعدى" قيمة ثروة "ماسك" ما يقرب من 9 مليارات دولار. وارتفعت إلى 20 مليار دولار أو نحو ذلك ابتداء من منتصف عام 2019، ثم بلغت ذروتها في نوفمبر 2021 حيث ارتفعت إلى 340 مليار دولار، قبل أن تتراجع إلى 170 مليار دولار. وفي الوقت نفسه، ارتفعت القيمة السوقية لشركة "تسلا" من 25 مليار دولار في منتصف عام 2010 إلى 40 مليار دولار في منتصف عام 2019 إلى أكثر من 1.1 تريليون دولار في أواخر عام 2021، قبل أن تتراجع حاليا إلى 550 مليار دولار.

إن هذا الارتفاع في القيمة أفرج عن شرائح تعويضاته بأكملها، وسمحت له بتحويل تركيزه إلى أمور أخرى. فقد انتقل من القطارات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، وشبكات الشحن، والبطاريات إلى وسائل التواصل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي، والقيادة الذاتية الكاملة، والروبوتات البشرية من طراز تورينغ، وسيارات الأجرة الروبوتية، وركز في الآونة الأخيرة على استخدام جميع الرقائق الموجودة في مركبات "تسلا" التي لم تعد تستعمل لخلق نظام حوسبة موزَّع يعمل بالذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، في حين استمر ماسك في المبالغة في وعوده، فهو لم يستمر في الوفاء بها. وأصبح جامع التبرعات، والمشجع، والمدرب للفرق التي تعمل على تطوير أدوات تكنولوجية حقيقية، مجرد شخص يروج للأسهم بأسلوب حماسي.

ومن المؤكد أن هذا الترويج قد يكون عملا مربحًا أيضًا. ولكنه مختلف تمامًا عن بناء مشروع مربح من شأنه أن يجذب المساهمين طويلي الأمد. وفي وصفه للحقبة الحالية لأسواق الأسهم، يذكرنا "مات ليفين" من بلومبرغ أنه "لا يوجد مبدأ كوني ينص على أن يساوي سعر السهم القيمة الحالية لتدفقاته النقدية المستقبلية، أو حتى أن يساوي قيمة السوق التي قُدرت بإجماع. فهذه مجرد فكرة متوارثة... إذ يمكن للأسهم أن تصبح مرة أخرى أدوات مضاربة محضة في لعبة مقامرة تحكمها عوامل نفسية.

لذا، هذا ما سمعناه من ماسك في أحدث مكالمة له بخصوص أرباح شركة "تيسلا":

"يجب أن يُنظر إلينا كشركة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي أو الروبوتات. يجب عليك أن تفعل ذلك، إذا كنت تعتبر شركة "تيسلا" شركة سيارات فقط. إن هذه الفكرة خاطئة، … بل يجب أن نقيم "تيسلا" من حيث قدرتها على خلق تكنولوجيا القيادة الذاتية وعلى دمجها في نظم تشغيل أسطول ضخم من المركبات. وأعتقد أنه عندما يأتي اليوم الذي تصبح فيه قادرا على القيادة الذاتية الكاملة دون إشراف، فسيخلق ذلك أكبر قيمة للأصول على مر التاريخ.

ولكن "إيرادات السيارات" شكلت أكثر من 80 في المئة من مبيعات "تسلا" في الربع الأول. ومع أن تصنيع السيارات يتمتع بوفورات حجم كبيرة، فإن القيمة المقترحة لا تقترب من مستوى تكنولوجيا المعلومات، حيث يمكنك أن " تبتكر شيئا مرة واحدة وأن تستخدمه في جميع المنصات" بتكلفة هامشية قيمتها صفر. وفضلا على ذلك، تبلغ نسبة السعر إلى الأرباح لشركة "تسلا" بالفعل 46.8، مقارنة بنحو 12.5 فقط لشركة فورد موتور، التي كانت شركة تصنيع سيارات مربحة خلال معظم القرن الماضي.

ويرى جميع المساهمين الحاليين في شركة "تيسلا" الذين يخططون للتخلص من أسهمهم في العامين المقبلين، أن كل شيء يتوقف على نجاح الشركة كسهم ميمي، ويعمل "ماسك" بجد لتحقيق هذا الهدف. ونظرًا لعدم وجود مساهمين طويلي الأمد في "تيسلا"، فإن السوق لا تولي اهتماما خاصا لافتقار الشركة إلى رئيس تنفيذي يحاول تحويلها إلى مؤسسة ربحية دائمة.

ولكن موظفو "تيسلا" ومُوَردوها وعملاؤها، يرون أن نجاح الشركة كمؤسسة منتجة أمر مهم للغاية. ومن مصلحة أمريكا والعالم أن تظل شركة "تيسلا" شركة تكنولوجيا رائدة في مجال الانتقال إلى صافي صفر من الانبعاثات.

هل هناك من يعتقد حقا أن ماسك اليوم هو الرئيس التنفيذي المناسب لإدارة شركة "تسلا" التي نحتاجها؟ أنا لم أعد أعتقد ذلك. ولكنني لا أتوقع من مؤسسات الرأسمالية الحديثة أن تتوصل إلى نفس النتيجة وأن تستجيب وفقًا لذلك.

* جيه. برادفورد ديلونغ، أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وباحث مشارك لدى المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، ومؤلف كتاب التراخي نحو المدينة الفاضلة: تاريخ اقتصادي للقرن العشرين

https://www.project-syndicate.org

 

ذات صلة

في ذكرى مولد عالم آل محمد: ثمرة من أرقى المواصفاتالكتل السياسية وبورصة انتخاب الرئيس الجديد لمجلس النوابحديث النفس والخاطر المحمودالاغفال التشريعي يخرق ضمانات الموظّفالسوسيولوجيا العربية وأزمة التنظير