البطالة المقنعة وعلاجها في العراق

حامد عبد الحسين الجبوري

2024-03-24 08:23

يعاني العراق من تفاقم البطالة بشكل عام والبطالة المقنعة بشكل خاص، وذلك لأسباب عديدة وأهمها عدم وجود نظام اقتصادي سليم.

ان وجود نظام اقتصادي سليم يضمن سير اداء الاقتصاد بشكل سلس، بحكم ان معالم الطريق واضحة لجميع اللاعبون، وفي مختلف القطاعات الاقتصادية؛ مما يعني تحركهم تلقائياً حسب تلك المعالم دون قيود وكُلف.

بمعنى ان البطالة بشكل عام والمقنعة بشكل خاص ترتبط بعلاقة عكسية مع النظام الاقتصادي السليم، أي حينما يتوفر نظام اقتصادي سليم ينخفض حجم البطالة بشكل عام والمقنعة بشكل خاص والعكس صحيح.

كما ويمكن القول، ان البطالة تُعد مؤشرا جيدا على مدى سلامة الاقتصاد بشكل عام، والبطالة المقنعة مؤشر جيد على مدى كفاءة الدولة والقطاع العام بشكل خاص، لأنه في الغالب القطاع الخاص لا يقبل بالبطالة المقنعة.

أي عندما ترتفع البطالة بشكل عام يعني ان اداء الاقتصاد ليس جيداً، وعندما ترتفع البطالة المقنعة تعني ان الدولة والقطاع العام لم يتصفا بالكفاءة في استثمار الايدي العاملة وفق المنطق الاقتصادي.

لان البطالة تتحقق عندما يكون الفرد قادراً وراغباً وباحثاً عن العمل ولم يجده، بينما تتحقق البطالة المقنعة عندما يحصل الفرد على فرصة عمل ومع ذلك يبقى عاطلاً عن العمل او ان انتاجيته منخفضة.

البطالة في العراق

ومن خلال بيانات البنك الدولي، نلاحظ ان البطالة آخذة بالتصاعد حتى شكلت ما نسبته 15.30% من اجمالي القوى العاملة عام 2022، هذه النسبة تدلل على عدم قدرة الاقتصاد العراقي على توليد فرص العمل واستيعاب الايدي العامة.

وهذا نتيجة طبيعة، نظراً لاعتماد الاقتصاد العراقي على النفط بشكل كبير، حيث يشكل ما نسبته 57% (بناءً على بيانات تقديرية فصليّة للبنك المركزي العراقي) من الناتج المحلي الاجمالي، وأكثر من 80% من الإيرادات العامة، وأكثر من 99% من الصادرات السلعية عام 2022.

حيث يتصف النفط بأنه صناعة كثيفة رأس المال وليس كثيفة العمل، أي أنه يحتاج لرأس المال بشكل كبير جداً ويحتاج لقليل من الايدي العاملة، كما يحتاج لإدارة شفافة تضمن سيره بالاتجاه الذي يخدم الاقتصاد، وبسبب ارتفاع الفساد في العراق أصبح يذهب بعيداً عن خدمة الاقتصاد وبالنتيجة ارتفاع البطالة.

بمعنى عدم وجود نظام اقتصادي واضح المعالم، فضلاً عن ضعف البنية التحتية وصعوبة بيئة الاعمال.

البطالة المقنعة

 وفيما يخص نسبة البطالة المقنعة فلا توجد بيانات بهذا الخصوص ولكن يمكن استنتاجها من أمرين هما:

1- الملاحظة، عند مراجعة أي دائرة عامة سواء وزارة او قطاع عام (انتاجي او خدمي) سنلاحظ أعداد الموظفين كبيرة جداً في أغلب مفاصل -إن لم تكُن كل- مفاصل الدولة، بحيث عدد المقاعد لا تكفي لأعدادهم وعلى أقل تقدير ان لكل وظيفة عامة موظفين اثنين.

2- التجربة، حين تم التوجيه بأن يكون الدوام للعاملين في مؤسسات الدولة 50% اثناء انتشار جائحة كورونا عام 2020/2021، بمعنى ان اداء الاعمال يمكن أن يؤديها نصف أعداد الموظفين والباقي يمثلون بطالة مقنعة، وهذا ما يؤكد النقطة الاولى.

هذا يعني ان البطالة المقنعة (في مؤسسات الدولة) أكبر من البطالة في الاقتصاد، مما يعني هناك استنزاف كبير وسريع للموارد بشكل عام والنفطية بشكل خاص، وهذه مشكلة كبيرة.

وذلك لان البطالة المقنعة، كما ذكرنا آنفاً، حصول الافراد على وظيفة في مؤسسات الدولة دون أن يكون لهم تأثير على مستوى الانتاج، بمعنى لا جدوى اقتصادية من توظيفهم والنتيجة استمرار استنزاف الموارد النفطية التي يُفترض أن يتم إدارتها بشكل احترافي اقتصادياً.

استثمار الوقت والطاقات

على الرغم من امتلاك العراق لموارد كبيرة، إلا إنه لازال يعاني التخلف؛ والتخلف حتى في استثمار الوقت، والايدي العاملة وجعلها تصبح بطالة مقنعة فضلاً عن استنزاف الموارد.

العراق بحاجة لاستثمار الوقت والطاقات البشرية أيما استثمار، لمعالجة استنزاف الموارد ومغادرة التخلف وتحسين الاقتصاد والرفاه الاجتماعي.

يُمكن القول، هناك أمران يمكن أن تعمل عليهما الدولة، خصوصاً في الوقت الراهن نظراً لتخلف الاقتصاد العراقي وهو بأمس الحاجة لاختصار الوقت وحشد الجهود لمغادرة هذا التخلف؛ وهما نقل الموظفين واستمرار الدوام.

اولاً: نقل الموظفين، نظراً لعدم وجود توازن في توزيع الايدي العاملة بين مؤسسات الدولة، أصبح هناك عجز في بعضها وفائض في البعض الآخر، أي بطالة مقنعة في الاولى وانخفاض الانجاز والانتاجية في الاخرى. 

 ولأجل زيادة الانجاز والانتاجية ومعالجة البطالة المقنعة، يستلزم العمل على تحقيق التوازن والذي يُفترض أن يتم العمل على نقل الموظفين من دوائر الفائض إلى دوائر العجز.

ثانياً: استمرار الدوام، حالياً أغلب مؤسسات الدولة تعمل من الساعة الثامنة صباحاً ولغاية الثانية مساءً، مما يعني ان جميع الموظفين يتواجدون خلال هذه الساعات، وبما ان 50% فائضين عن الحاجة، لذلك ستكون انتاجيتهم صفر.

ولأجل استثمارهم ورفع انتاجيتهم وتخفيف الزخم وتسريع وتيرة انجاز المعاملات، يُفترض أن يتم العمل على استثمار الوقت من خلال توزيع الايدي العاملة على قسمين القسم الاول يعمل صباحاً والقسم الثاني يعمل مساءً، وبنفس الصلاحيات والمهام.

جدير بالذكر، ان هذا العلاج ليس دائمياً، بقدر ما هو اجرائي لمعالجة البطالة المقنعة الراهنة، المرافقة لمؤسسات الدولة والقطاع العام، والتي ظهرت بسبب عدم وجود نظام اقتصادي سليم راسخ.

الخلاصة

ان البطالة بشكل عام تحتاج لإعادة النظر بمعالم النظام الاقتصادي العراقي، التي لاتزال غامضة وغير واضحة؛ وذلك من خلال تحديد دور وحدود الدولة والقطاع الخاص في الاقتصاد بشكل واضح وراسخ.

وعلى مستوى البطالة المقنعة فإن نقل الموظفين وتحقيق التوزان في توزيع الايدي العاملة بين مؤسسات الدولة من جانب، واستمرار الدوام في مؤسسات الدولة من جانب آخر، كفيل بزيادة فاعليتهم وانجازهم والنتيجة زيادة انتاجيتهم وهنا نتلافى البطالة المقنعة لحين العمل على تحسين النظام الاقتصادي ومعالجة البطالة المقنعة بشكل جذري.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2024

www.fcdrs.com

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا