كيف يمكن للاقتصادات تجاوز مفاضلات سوق العمل في أوقات الركود؟
البنك الدولي
2024-01-21 06:22
تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سلسلة رهيبة من الصدمات منذ عام 2020، وخاصةً جائحة كورونا، والغزو الروسي لأوكرانيا، وارتفاع الدين العام وأسعار الفائدة، والكوارث الطبيعية. وعلى الرغم من أن هذه الصدمات كانت مؤقتة أو من المتوقع أن تظل مؤقتة، فهل يمكن أن تحدث آثارًا سلبية دائمة على شعوب المنطقة والتي تعد أغلى ما تملك المنطقة؟
ومع استمرار التقلبات الشديدة في المشهد العالمي، صدر أحدث تقرير للبنك الدولي عن أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 5 أكتوبر/تشرين الأول بعنوان "تحقيق التوازن: الوظائف والأجور عند وقوع الأزمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، ويطرح هذا التقرير رؤى ثاقبة على الجانب الإنساني في سياق اضطرابات الاقتصاد الكلي، من خلال دراسة إدخال تعديلات على سوق العمل في المنطقة في أثناء الركود الاقتصادي.
وعند مقارنة تعديلات أسواق العمل في المنطقة بتلك الموجودة في اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية الأخرى على مدى الثلاثين عاما الماضية، يوثق هذا التقرير بوجه عام حقيقة مفادها أن أسواق العمل في المنطقة وغيرها من اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، تستجيب للصدمات بطرق مماثلة. وخلال فترات الركود الاقتصادي، تنخفض المشاركة في القوى العاملة في بلدان المنطقة، وبلدان اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، وفي الوقت نفسه تزداد معدلات البطالة والعمالة غير الرسمية. وتتراجع الأجور في بلدان المنطقة وبلدان هذه الاقتصادات، ويستمر اتجاه هذا التراجع على المدى الطويل في أثناء فترات الانكماش الاقتصادي. وهذه الأدلة والشواهد تدحض الفكرة السائدة بأن أسواق العمل في المنطقة تختلف اختلافا جوهريا عن المشهد العالمي.
وعلى الرغم من وجود أوجه تشابه في تعديلات سوق العمل، يظهر تفاوتا خلال فترات الركود الاقتصادي، وذلك لأن استجابة البطالة في المنطقة في أثناء فترات الانكماش تبلغ ضعف استجابتها في اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. وتشير التقديرات إلى أن الصدمات العالمية التي ضربت المنطقة خلال السنوات 2020-2022 مجتمعة، أدت إلى بطالة أكثر من 5 ملايين شخص، زيادة على معدلات البطالة المرتفعة بالفعل التي اتسمت بها المنطقة حتى قبل تفشي جائحة كورونا.
وبتحليل وتفكيك هذه الديناميكيات على نحو أكثر عمقا، نجد أنه عند وقوع الصدمات الاقتصادية دون أن تؤدي إلى حدوث التضخم، تتصدر البطالة المشهد بوصفها الهامش الرئيسي في التعديلات التي يتم إدخالها على سوق العمل في المنطقة. وتبرز تداعيات جائحة كورونا والصدمات السلبية على معدلات التبادل التجاري إمكانية زيادة العاطلين عن العمل في المنطقة. وتكشف الرؤى والآراء المأخوذة من مسوح رصد جائحة كورونا في المنطقة، التي أجراها منتدى البحوث الاقتصادية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أن 29% من أصحاب الأجور في المغرب وتونس أفادوا بأنهم تعرضوا للتسريح الدائم أو المؤقت، وأفاد 15% فقط بخفض الأجور. وتشير الأدلة والشواهد من إيران أيضا إلى أنه في أعقاب التراجع العالمي في أسعار النفط في 2014-2015، الذي أدى إلى انخفاض الطلب الكلي ووجود ضغوط خافضة للأسعار، ارتفعت معدلات البطالة بنحو 5% في الفترة ربع السنوية التي أعقبت الصدمة، وزادت إلى 15% على مدى 9 شهور بعد ذلك.
وفي المقابل، عندما تؤدي الصدمات الاقتصادية إلى التضخم، قد تكون البطالة أقل استجابة، لكن الدخل الحقيقي ينخفض. وتعد تجربة مصر بعد خفض قيمة الجنيه (التعويم) في عام 2016 مثالا قويا وواضحا. فقد ارتفع معدل التضخم إلى 30% في 2017، لكن معدلات البطالة تراجعت من 11% في الربع الأخير من 2016، إلى 9% في الربع الأول من 2017. ومن ناحية أخرى، على مدى الأشهر الستة التالية، انخفضت الأجور الحقيقية بنسبة 10%. وبعد 15شهرا من التعويم، تراجعت الأجور الحقيقية بنسبة كبيرة بلغت 20%.
ويتضمن "تحقيق التوازن" تجاوز مفاضلات سوق العمل عندما يواجه الاقتصاد صدمات اقتصادية تؤدي إلى تراجع الطلب على العمالة. وتتلخص إحدى المفاضلات بالغة الأهمية في خفض معدلات التشغيل أو خفض الأجور الحقيقية في حالات التضخم، وكلاهما غير محبذ.
ويمكن أن يؤدي فقدان الوظائف المؤقت، إلى تداعيات وآثار سلبية طويلة الأجل على العمالة، وهي ظاهرة يشار إليها في الدراسات الأكاديمية باسم "الندوب في سوق العمل". فعلى سبيل المثال، نجد من فقدوا وظائفهم في مصر، بسبب إغلاق شركة أو التسريح من العمل، قد يظلون عاطلين عن العمل، أو يعملون في القطاع غير الرسمي لمدة قد تصل إلى 10 سنوات بعد ذلك. ويثير تآكل الدخول الحقيقية مخاوف مختلفة لما له من آثار وعواقب وخيمة على معايير عدم المساواة في مستويات المعيشة، وفي الدخل.
وفي مواجهة هذه التحديات، يناقش التقرير الخيارات على مستوى السياسات، ويشير إلى أهمية الحفاظ على مرونة الأجور الحقيقية خلال فترات الصدمات الاقتصادية. وتهدف هذه التوصيات إلى التخفيف من فقدان الوظائف، وفي الوقت نفسه حماية الشرائح السكانية الأكثر احتياجا والأولى بالرعاية من خلال برامج التحويلات النقدية جيدة الاستهداف.