القطاع الخاص والمنتجات النفطية في العراق

حامد عبد الحسين الجبوري

2024-01-15 05:09

على الرغم من امتلاك العراق احتياطي نفطي كبير إلا إنه لايزال يستورد المنتجات البيضاء من الخارج لتلبية الطلب المحلي!

حيث يمتلك العراق أكثر من 145 مليار برميل كاحتياطي نفطي مؤكد عام 2022 جعله يحتل المرتبة الرابعة عالمياً بعد كل من فنزويلا (303 مليار برميل) والسعودية (267 مليار برميل) وإيران (208 مليار برميل) عام 2022 حسب بيانات أوبك.

انعكس هذا الاحتياطي على حجم الانتاج النفطي (4.4) ليحتل المرتبة الرابعة ايضاً بعد كل من امريكا (11.8 م/ب/ي) والسعودية (10.5 م/ب/ي) وروسيا (9.7 م/ب/ي) للعام ذاته.

كذلك انعكس على التصدير النفطي (3.7 م/ب/ي) الذي جعل العراق يحتل المرتبة الثالثة عالمياً بعد كل من السعودية (7.3 م/ب/ي) وروسيا (4.7 م/ب/ي) للعام ذاته ايضاً.

تناقض صارخ

لكنه لم ينعكس على المنتجات البيضاء (البنزين وزيت الغاز والنفط الابيض) لسد الطلب المحلي على اقل تقدير، بل العكس هو الذي حصل، حيث لجأ العراق لاستيرادها بأكثر من 5 مليار دولار عام 2022[i] لتلبية الطلب عليها حسب بيانات وزارة النفط.

ان امتلاك العراق احتياطي نفطي كبير وانعكاسه على الانتاج والتصدير النفطي بشكله الخام من جانب وعدم تصدير بل استيراد المنتجات البيضاء، لتلبية الطلب عليها؛ من جانب آخر، يُعد تناقضاً صارخاً له تبعات سلبية عديدة.

أبرز هذه التبعات هو حرمان الاقتصاد العراقي من الايرادات الدولارية، بل وخروج العملة الصعبة وانخفاض الاحتياطي الاجنبي، وظهور السوق السوداء وتهريب المنتجات النفطية، وتبعية الاقتصاد العراقي للعالم الخارجي بحكم اعتماده عليه في تلبية الطلب المحلي وغيرها.

ان انتاج وتصدير النفط بشكله الخام من جانب وعدم تصدير بل استيراد المنتجات البيضاء من جانب آخر، يكشف عن ضعف قطاع المصافي عن استلام النفط الخام وتحويله الى منتجات بيضاء بالكمية الكافية والنوعية الجيدة.

سببان موضوعي وذاتي

ان ضعف قطاع المصافي يعود لسببين مترابطين بشكل وآخر، الاول موضوعي والاخر ذاتي، يتعلق الاول بالوضع العام للبلد، حيث يفتقد للاستقرار ويعيش في اضطراب مستمر نظراً لعدم وجود مؤسسات قوية لها كلمتها في تحقيق مهامها بشكل مهني بعيداً عن التأثيرات السياسية، هذا الوضع يلقي بضلاله، بلا شك؛ على قطاع المصافي سواء من حيث الخطط او التمويل او التنفيذ.

والثاني يتعلق بقطاع المصافي بحد ذاته، حيث يعاني من ضعف الجانب الاداري وضعف التخصيصات المالية اللازمة لإنشاء المصافي، فضلاً عن تقادم المصافي القائمة وضعف العمل على تحديثها وتطويرها باستمرار بالشكل المناسب والمواكب تكنولوجياً وسكانياً واقتصادياً.

إذ ان تسارع التطور التكنولوجي من جانب، واستمرار الزيادة السكانية بشكل كبير من جانب ثاني، واستمرار استيراد المنتجات البيضاء، كما اتضح أعلاه؛ وخروج العملة الصعبة من جانب ثالث وحرمان الاقتصاد العراقي العملة الصعبة من جانب رابع، يحتم ايلاء قطاع المصافي الاولوية القصوى لأجل جعله قطاعاً مواكباً.

كيف؟

هنا يأتي دور القطاع الخاص ليأخذ دوره في جعل قطاع المصافي مواكب تكنولوجياً وسكانياً واقتصادياً، من خلال فتح باب قطاع المصافي امام القطاع الخاص ليوجّه استثماراته نحوه بالتزامن مع حرص الدولة على تحقيق الشرط الموضوعي المتمثل في تحسين بيئة الوضع العام للبلد التي يعمل بها القطاع الخاص وكذلك رسم قواعد لعبة سليمة يسير وفقها القطاع الخاص في قطاع المصافي.

إذ إن فتح الباب امام القطاع الخاص في قطاع المصافي وفق قواعد لعبة سليمة سيسهم في تحقيق الاهداف المطلوبة، إشباع الطلب المحلي وتصدير المنتجات النفطية؛ كون القطاع الخاص يعمل بشكل تقني وفق معيار الكلفة مقابل العائد، بعيداً عن المزاج والتأثيرات الجانبية التي يتعرض لها القطاع العام، وإن أي تأخير في الانجاز أو رداءة في الانجاز، سيبتعد عن كفاءة المعيار أعلاه وهذا ما يبتعد عنه أي مستثمر خاص.

أسرع، وأثر ايجابي

فهو بطبيعته يسعى إلى كل ما من شأنه تدنية التكاليف مقابل رفع العائدات بالتزامن مع الحفاظ على حصته السوقية، مما يعني إنه أسرع على جلب التكنولوجيا، وأكثر احترافية في الادارة وسرعة الانجاز، ويُوفر الاموال اللازمة لأنشاء المصافي بدلاً من تخصيص الانفاق الاستثماري العام الذي يتصف بالتذبذب بحكم اعتماده ومسايرته للإيرادات النفطية بشكل كبير[ii].

ان فتح الباب واشباع الطلب المحلي لمنع خروج الدولار لأجل استيراد المنتجات النفطية، بل وزيادة التصدير منها بدلاً من تصدير النفط الخام وزيادة الايرادات الدولارية، سيكون له أثر ايجابي على حجم الايرادات المالية والسياسة النقدية والاقتصادية.

قواعد اللعبة

بإيجاز، يقتصر دور الدولة على رسم قواعد اللعبة بشكل واضح في قطاع المصافي ليأخذ اللاعبون (المستثمرون) دورهم في اللعب (في الاستثمار والانتاج) في ضوء تلك القواعد وتراقب الدولة مدى التزام اللاعبين بقواعد اللعبة لضمان نجاح اللعبة بامتياز.

ان أحد قواعد اللعبة المهمة هو وجود تشريع قانوني يسمح للقطاع الخاص بالاستثمار في قطاع المصافي، والقاعدة الثانية تتمثل في منع الاحتكار وتشجيع المنافسة، لان هذه القاعدة ستسهم في زيادة نوعية المنتجات وتحفيض الاسعار من جانب آخر.

وعلى الرغم من وجود تشريع قانوني، قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل، وقانون الاستثمار الخاص في تصفية النفط الخام 64 لسنة 2007، وكذلك قانون المنافسة ومنع الاحتكار رقم 14 لسنة 2010؛ إلا ان الاستثمار الخاص في قطاع المصافي لم يرى النور لغاية الآن.

والسبب الرئيس في ذلك، هو السبب الموضوعي الذي تمت الاشارة اليه آنفاً، وكذلك السبب الذاتي ولكن بدرجة أخف.

وتجب الاشارة إلى ان وزارة النفط أعلنت مؤخراً في الشهر الثالث من العام الجاري عن 7 فرص استثمارية في قطاع التصفية والصناعات التكريرية على أمل الاعلان عن فرص استثمارية اخرى في وقت لاحق.

ان هذا الاعلان هو بداية الطريق للقطاع الخاص في قطاع المصافي، وان نجاحه مرتبط بمدى التزامه بتطبيق قواعد اللعبة ومدى التزام الجهة المسؤولة (الدولة) عن اللعبة بالقواعد التي وضعتها لتنظيم اللعبة.

ان نجاح الدولة والقطاع الخاص في احترام قواعد اللعبة سيسهم في زيادة دور القطاع الخاص في قطاع المصافي وزيادة انتاج المنتجات البيضاء كمياً ونوعياً وزيادة التصدير وتحقيق الاثار المالية والنقدية والاقتصادية.

ولأجل ان تجد هذه الفرص والفرص الاخرى طريقها الى الواقع، بشكل حقيقي؛ يتطلب العمل على تهيئة البيئة المناسبة المُشجعة والباعثة على الاستقرار، بشكل عام؛ وإيلاء قطاع المصافي مزيد من الاهتمام والرعاية ادارةً وتخطيطاً وتنفيذاً بشكل خاص.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2024
www. fcdrs. com

....................................
مصادر تم الاعتماد عليها:
[i] - شركة سومو. متاح على الرابط ادناه:
https://www.somooil.gov.iq/annual-summary-imports
[ii]- حامد عبد الحسين خضير، النفقات الاستثمارية أسيرة الايرادات النفطية في العراق، مقال متاح على موقع مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي