خلق فرص العمل هو الخيار الوحيد المتاح
بروجيكت سنديكيت
2020-11-18 07:47
بقلم: جوردون براون/روبرت سكيدلسكي
أدنبرة/لندن ــ في أعقاب جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)، بدأ الاقتصاد الأميركي والاقتصادات الأوروبية تعد العدة لخلق فرص العمل على نطاق واسع. فقد تعهد الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن باستثمار 700 مليار دولار في التصنيع والابتكار، بالإضافة إلى تريليوني دولار في إطار "صفقة بايدن الخضراء" لمكافحة تغير المناخ وتشجيع الطاقة النظيفة. من ناحية أخرى، تخلت ألمانيا عن سنوات من التقتير من خلال دعم صندوق تعافي الاتحاد الأوروبي الذي تبلغ قيمته 750 مليار يورو (887 مليار دولار أميركي)، ومثلها كمثل فرنسا، تعتزم ألمانيا الإبقاء على برنامجها الوطني لاستعادة وخلق الوظائف طوال عام 2021.
على النقيض من هذا، في المملكة المتحدة تخلف وزير المالية البريطاني ريشي سوناك عن المنحنى. في شهر مارس/آذار، توقع كثيرون أن تشهد بريطانيا تعافيا سريعا (على شكل حرف V). ومع تلاشي هذا الاحتمال، بات من الواضح أن عملية الإنقاذ التي أقرها سوناك يجب أن تكون متطابقة مع خطة تعافي قابلة للتطبيق.
يتلخص الرأي المجمع عليه في أن كلا من المملكة المتحدة والاقتصاد العالمي سيكونان في عام 2021 أصغر مما كانا عليه في عام 2019. يتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون الاقتصاد العالمي أصغر بنحو 6.5% مما كان عليه قبل أزمة كوفيد-19، مع إرث البطالة الذي يعادل ضعف المستوى الذي كان عليه قبل الجائحة على الأقل.
أثارت هذه التوقعات الأكثر كآبة دعوات دولية لإعادة السياسة المالية النشطة إلى حالها الأصلية، حيث حث صندوق النقد الدولي حكومات البلدان الغنية على بدء برامج استثمارات عامة ضخمة. في أحدث تقارير المراقبة المالية الصادر عنه يقول الصندوق إن زيادة الاستثمار العام بنسبة 1% من الناتج المحلي الإجمالي من الممكن أن يعزز الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2.7%، والاستثمار الخاص بنحو 10%، وتشغيل العمالة بنحو 1.2%.
تُـعَـد دعوة صندوق النقد الدولي إلى العمل مهمة بشكل خاص، لأن الصندوق كان مناصرا لخفض النفقات المالية خلال الأزمة المالية العالمية في الفترة 2008-2009، على الرغم من الاحتياج الأوضح إلى التحفيز. كان نموذجه في التعامل مع الاقتصاد الكلي، مثله في ذلك كمثل معظم أهل الاقتصاد وصناع السياسات في ذلك الوقت، قائما على نظرية خاطئة مفادها أن اقتصادات السوق تُـظـهِـر ميلا طبيعيا إلى الوصول إلى التشغيل الكامل للعمالة. وهذا يتجاهل الحقيقية، التي فصلها وأوضحها جون ماينارد كينز بأكبر قدر من الإقناع، والتي تفيد أن الاقتصادات، في غياب التحفيز الحكومي، قد تظل عالقة بشكل طبيعي في الركود لفترة طويلة.
كما غير بنك إنجلترا لهجته أيضا. إذ يستعد بنك إنجلترا لضخ 150 مليار جنيه إسترليني (198 مليار دولار أميركي) إضافية إلى اقتصاد المملكة المتحدة، بالإضافة إلى أكثر من 200 مليار جنيه إسترليني ضخها البنك بالفعل في عام 2020، ويدرك البنك الآن أنه لا يستطيع أن يقوم بكل المهام الصعبة. ولن تقبل الشركات على الاستثمار، مهما كانت تكلفة رأس المال منخفضة، إلى أن ترى سوقا ملائمة. لهذا السبب، انضم بنك إنجلترا الآن إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في الدعوة إلى التحفيز المالي.
قبل جائحة كوفيد-19، كانت السياسة النقدية تبدو الخيار الوحيد المتاح. والآن، إذا كان لنا أن نتجنب البطالة الجماعية وما يترتب عليها من خسارة الطلب في الاقتصاد، فيجب أن يصبح خلق فرص العمل الأولوية القصوى بعد الإغلاق.
ما يُـحـسَـب لحكومة المملكة المتحدة أنها دفعت بثماني مليارات جنية إسترليني في الإنفاق على البنية الأساسية في صيف هذا العام. لكن هذا مجرد جزء بسيط من المطلوب. الآن تعجل الحكومة بخطة الاستثمار الخمسية بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني لكي تكتمل في غضون عامين ونصف العام، وتعطي الأولوية للمشاريع البيئية الضخمة والإسكان الاجتماعي. ومن الممكن أن يساعد تعديل المساكن والمرافق المحلية على خلق العديد من الوظائف بسرعة، مع تأثيرات مضاعفة فورية.
تشكل خطط الوظائف والتدريب الإقليمية والمحلية ضرورة أساسية للمهمة الأطول أمدا المتمثلة في إعادة تخصيص العمل والمهارات نحو سوق العمل في المستقبل. يتمثل الدرس المستفاد من الصفقة الجديدة للشباب عام 1998 وصندوق وظائف المستقبل لعام 2009 في المملكة المتحدة في أن مثل هذه البرامج لا ينبغي لها أن تكتفي بتقديم التدريب والخبرة العملية بل وأيضا المساعدة في البحث عن الوظائف وتقديم الحوافز لأصحاب العمل لحملهم على توظيف الناس على أساس دائم.
وفقا لتقديراتنا، لا يمارس مليون بريطاني شاب تحت سن 25 عاما أي عمل ولا يتدربون أو يتعلمون. لكن خطة Kickstart التي أقرتها الحكومة لخلق الوظائف، والتي أُطـلِـقَـت متأخرة في وقت سابق من هذا الشهر، عرضت إيجاد وظائف للشباب لفترات لا تزيد عن ستة أشهر.
توقعت الحكومة أن هذه الخطة من شأنها أن توفر الوظائف لنحو 300 ألف شاب، ولكن ربما لن يتجاوز عدد المسجلين في الخطة بحلول نهاية عام 2020 نحو 100 ألف. افترض الوزراء أن 5% من أصحاب العمل في المملكة المتحدة سيقبلون على توظيف الشباب، ولكن خارج قطاعات التجزئة والخدمات اللوجستية، تخطط آلاف الشركات بدلا من ذلك لتنظيم الزيادة عن الحاجة، ويكاد يكون من المؤكد أنها لن تقدم فرص عمل على النطاق المأمول في الأشهر المقبلة.
إذا كنا راغبين في مساعدة بقية المليون (900 ألف) تحت سن الخامسة والعشرين الذين يحتاجون إلى المساعدة وإنشاء ما يقدر بنحو 1.5 مليون وظيفة للشباب والتي ستكون مطلوبة على مدار العام القادم، يتعين على القطاع العام أن يضطلع بدور صاحب العمل كملاذ أخير للتوظيف. وعلى هذا، فبدلا من الاستجابة السلبية لارتفاع البطالة، ينبغي للسياسة المالية أن تستهدف الاستعاضة عن "الجيش الاحتياطي من العاطلين عن العمل" الذي أخبرنا به كارل ماركس بمخزون احتياطي من الوظائف المدعومة من الدولة وخطط التدريب التي تتوسع أو تنكمش وفقا لدورة الأعمال.
ما نحتاج إليه قبل أي شيء آخر من صناع السياسات في المملكة المتحدة هو الالتزام المتجدد بالتشغيل الكامل للعمالة بروح جون ماينارد كينز والرئيس الأميركي فرانكلين ديلانو روزفلت. يتمثل شرط أساسي لتحقيق هذه الغاية في التنسيق بين السياستين النقدية والمالية. ويتعين على بنك إنجلترا أن يحتفظ بتفويضه في مكافحة التضخم، ولكن ينبغي لصناع السياسات أن يمتنعوا عن استخدام هذا لقطع الحوافز المالية الضرورية.
في وقت سابق من هذا الشهر، ردد بنك إنجلترا صدى تعهد رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي الشهير في عام 2012 بإنقاذ اليورو من خلال التصريح بأنه "على استعداد لاتخاذ أي إجراء إضافي ضروري" لدعم الاقتصاد. لتعزيز مصداقية مثل هذا التوجيه المسبق، من الممكن أن تمنح الحكومة بنك إنجلترا تفويضا مزدوجا بمكافحة كل من التضخم والبطالة، في حين يستطيع البنك أن يعلن أنه لن يشدد السياسة النقدية قبل أن تنخفض البطالة إلى ما دون مستوى ما قبل الأزمة الذي كان نحو 4%.
إن إطلاق لقاح كوفيد-19 الجديد الذي ستطلقه شركة فايزر (وربما لقاحات أخرى) بنجاح قد يعيد الحياة إلى ما يشبه الوضع الطبيعي بحلول الربيع المقبل. ولكن حتى لو انحسرت الأزمة الصحية، فستظل أزمة البطالة قائمة. ويتعين على صناع السياسات في المملكة المتحدة أن يتحركوا الآن لتجنب عقد ضائع ــ إن لم يكن جيل ضائع ــ من النمو.