في العراق أزمة إدارة أم أزمة موارد؟

حامد عبد الحسين الجبوري

2020-10-03 07:23

يحظى العراق بموارد هائلة، طبيعية وبشرية؛ وإدارة اقتصادية سيئة جعلت منه اقتصاداً فاشلاً ريعياً تابعاً ومتذبذباً وفاقداً للقوة والمتانة في مواجهة الأزمات.

موارد طبيعية

يتمتع العراق بالموقع الجغرافي الرابط بين الشرق والغرب، ويتميز بكبر مساحته وتنوع إشكال الأرض وجودتها التي تتيح تنوع النشاطات المختلفة، ويجري فيه نهران رئيسان دجلة والفرات يلتقيان في محافظة البصرة ويكونان شط العرب الذي يصب في الخليج العربي، ويمتلك الكثير من الموارد الطبيعية المعدنية، كالنفط والفوسفات(10 بليون طن ثاني أكبر في احتياطي بعد المغرب) والكبريت (600 مليون طن صاحب الاحتياطي الأول عالمياً)[1] وغيرها، وتحده الكثير من الدول، تركيا من الشمال والسعودية والكويت والخليج العربي من الجنوب وإيران من الشرق وسوريا والأردن من الغرب.

موارد بشرية

كما يعد العراق غني بالموارد البشرية، حيث بلغ عدد سكان العراق أكثر من 38 مليون نسمة عام 2018، وتشكل فئة الشباب نسبة كبيرة منه، مما يعني إن العراق يتمتع بقوة عاملة جيدة تمثل حجر الأساس في البناء والتقدم لو تم استثمارها وتوظيفها بالاتجاه الصحيح. ان المجتمع الذي يتمتع بعمر متوسط أقل من 20 سنة يُعد مجتمعاً "يافعاً" فيما يُعد المجتمع "متوسطاً" إذا كان متوسط العمر يقع بين 20-29 سنة، وإذا بلغ المتوسط 30 سنة فأكثر يعتبر مجتمعاً "كهلاً".

وبهذا الصدد تشير التقديرات المتاحة إن متوسط العمر يجعل المجتمع العراقي مجتمعاً "يافعاً" ليصبح في السنوات القادمة مجتمعاً ذو عمر "متوسط" نتيجة زيادة نسبة السكان في عمر الشباب وبالتالي فإن العراق غني بالموارد البشرية على نحو استثنائي فالسكان اغلبهم في سن العمل مما يجعله يملك قوة بشرية هائلة[2].

الفساد نتيجة وأصبح سببا

هذه الموارد خلقت فرص استثمارية كبيرة وعديدة في مختلف القطاعات، تسهم وبشكل فاعل في تحقيق التقدم الاقتصادي وخلال مدة وجيزة لو تم استثمارها وفق الأسس الصحيحة كالكفاءة والنزاهة وتكافؤ الفرص بعيداً عن الفساد، ولكن واقع الحال، خصوصاً بعد 2003، يشير لفشل الاقتصاد وعدم استثمار تلك الفرص نتيجة لشيوع الفساد وانتشاره في مفاصل الدولة.

وتجب الإشارة إلى إن الفساد كان نتيجة في بداية الأمر نتيجة للحرمان ولغياب الإدارة السليمة للشأن العام بشكل عام والشأن الاقتصادي بشكل خاص لكنه أصبح فيما بعد سبباً لمشاكل أخرى ومنها عدم استثمار تلك الفرص وفق الأسس الصحيحة، وهذا ما يعني إن العراق لم يعاني من أزمة موارد وإنما يعاني من أزمة إدارة البلد بشكل عام والاقتصاد بشكل خاص. كيف؟

أزمة إدارة لا موارد

قبل 2003 كان العراق يتبنى نظام الحزب الواحد سياسياً حيث كان البلد يسير وفق رؤية الحزب وقائده، بحيث كان هو السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، ولا يمكن لأحد من الشعب ونخبه أن يبدي رأيه للمساهمة في صناعة القرارات ذات الشأن العام، أي ما على الشعب ونخبه إلا الطاعة وتنفيذ الأوامر وما كان يحصل من انتخابات واستفتاءات ما هي إلا مظاهر شكلية ليس إلا.

أما اقتصادياً، فقد كان النظام المُتبع هو النظام الاشتراكي الذي يفوض الدولة بإدارة الاقتصاد وتكون هي المحرك الرئيس بدلاً من القطاع الخاص، بمعنى إن الدولة هي التي تملك وسائل الإنتاج وهي من ينتج ويستهلك ويصدر ويستورد وتوظف الأيدي العاملة وترسم الصورة العامة للاقتصاد.

لكن بعد عام 2003 تخلى العراق عن نظام الحزب الواحد سياسياً والنظام الاشتراكي اقتصادياً بشكل مفاجئ وتبنى الديمقراطية واقتصاد السوق بشكل مفاجئ وفي دفعة واحدة، إن عمليتي التخلي والتبني وبشكل مفاجئ يوضح مدى سوء إدارة البلد بشكل عام والملف الاقتصادي بشكل خاص.

وما زاد الطين بله، والإدارة سوءاً، هو تصلب ثقافة المجتمع وعدم مرونتها في التعاطي مع سرعة الأحداث، وخصوصاً تلك التي تكون على ارتباط وثيق به، بل وتقوم عليه بالأساس، كالديمقراطية والسوق.

إن استمرار سوء إدارة البلد بشكل عام والملف الاقتصادي بشكل خاص بالتزامن مع تصلب ثقافة المجتمع، يعني إن العراق يعاني من أزمة إدارة وليس أزمة موارد لان الأخيرة متوفرة في العراق وبشكل هائل كما اتضح أعلاه.

نتائج أزمة الإدارة

أبرز نتائج أزمة الإدارة، أصبح الاقتصاد ريعياً يعتمد على الريع النفطي بالدرجة الأولى في إنتاجه وتجارته وماليته، وهذا ما جعله اقتصاداً تابعاً للعالم الخارجي بحكم غياب التنوع الاقتصادي، ومتذبذباً بحكم عدم استقرار الريع النفطي نتيجة لارتباطه بالأسواق الدولية ولا يمكن التحكم به محلياً، وأصبح بيئة خصبة لاستقبال الأزمات دون مقاومتها.

وبناءاً على ما سبق، يكون من الأهمية تسليط الأضواء على إدارة البلد بشكل عام والاقتصاد بشكل خاص، وبما يؤدي لاحتواء الجميع دون إقصاء وتهميش، لان هذا الأخير سيعيدنا للمربع الأول المتمثل في ظهور الفساد نتيجة للحرمان الناجم عن الإقصاء والتهميش.

تلافي أزمة الإدارة

ويمكن القول، إن الطريقة المُثلى لتلافي أزمة الإدارة واستثمار الموارد والفرص الاستثمارية لتحسين الأداء الاقتصادي هو تخلي الدولة عن الاقتصاد ليتم تقليص حجم الإقصاء والتهميش لان اغلب الإقصاء والتهميش كان بسبب الامتيازات التي يحصلون عليها بفعل هيمنة الدولة على الاقتصاد هذا من جانب.

ومن جانب ثانٍ إن فتح الباب أمام اقتصاد السوق سيحصد الجميع الآثار الايجابية المتمثلة في انخفاض الأسعار وارتفاع جودة الإنتاج من جانب ثانٍ، لان اقتصاد السوق قائم على المنافسة ومنع الاحتكار، ويقوم بتوزيع الأدوار والمكافآت بناءاً على الكفاءة والجدارة لا المحسوبية والمنسوبية.

خلاصة القول، اتضح إن العراق لم يعاني من أزمة موارد بل هو غني بالموارد الطبيعية والبشرية ولكنه يعاني من أزمة إدارة انعكست بشكل سلبي على البلد بشكل عام والاقتصاد بشكل خاص، مما يتطلب العمل إلى إعادة النظر في الإدارتين وبما يسهم في احتواء الجميع دون إقصاء وتهميش وبما يحقق التقدم الاقتصادي.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2020
www.fcdrs.com

........................................
[1] - رحيق حكمت ناصر، فرص وتحديات تنويع الاقتصاد العراقي"دراسة تحليلية"، رسالة ماجستير، ص113.
[2] - الهيئة الوطنية للاستثمار، الخارطة الاستثمارية للعراق 2019، ص45.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا