أداء المولدات الأهلية في العراق
قراءة اقتصادية
حامد عبد الحسين الجبوري
2020-07-18 04:50
تشكل المولدات الأهلية أهمية كبيرة في العراق كونها أسهمت في تجهيز المواطن بالطاقة الكهربائية خصوصاً في فصل الصيف ولكنها لا تخلو من مشاكل اقتصادية في آلية عملها.
السبب، هيمنة الدولة
فالعراق ومازال يعاني من أزمة في قطاع الكهرباء والتي أسهمت في إفراز العديد من الآثار السلبية كارتفاع معاناة المواطن بسبب نقص التجهيز، تعطيل المشاريع الاستثمارية، هدر الأموال بسبب الفساد والاستيراد، التي تؤثر بشكل سلبي على أداء الاقتصاد العراقي.
إن سبب الأزمة الكهربائية والآثار السلبية الناجمة عنها، هو هيمنة الدولة على قطاع الكهرباء، بمجمل عملياته الاقتصادية، من إنتاج ونقل وتوزيع؛ وما هذه الهيمنة إلا استمرار للنهج السابق المتمثل في إدارة الدولة لمختلف القطاعات الاقتصادية بصرف النظر عن نوعية وأسعار مخرجات هذه القطاعات.
تدخل الدولة في عمل المولدات
وبالتأكيد، إن الكتابة عن المولدات الأهلية لا يعفي الدولة من التقصير في أداء مهمتها في إدارة قطاع الكهرباء بشكل احترافي، بل هي دليل وتأكيد على سوء تدخل الدولة في أي مفصل من مفاصل الاقتصاد بشكل مباشر بعيدا مهمة الأشراف التي تضمن عدم انحراف القطاع الخاص عن أداء مهمته بالشكل المطلوب وفقاً لمبادئ اقتصاد السوق.
إن النهج السابق امتد في ظل تبني الدولة لاقتصاد السوق؛ ليشمل المولدات الأهلية ليؤثر على أداءها سلباً ويرتفع صوت المواطن في الشكوى منها بعد إن كان يعلو من الشبكة الوطنية، وذلك بسبب تدخلها في تحديد آلية العمل بين الطرفين (المولدات الأهلية، المواطنين) بعيداً عن مبادئ اقتصاد السوق.
وفق المبادئ الاقتصادية وخصوصاً في ظل اقتصاد السوق، لا يمكن الحصول على أي سلعة أو خدمة دون مقابل وبأسعار معقولة ونوعية جيدة، وإذا ما كان هذا المقابل متحقق تلقائياً بحكم تحديده من قبل الدولة أو سوق الاحتكار بعيداً عن عامل المنافسة بين مقدمِ السلع والخدمات، سينعكس ذلك، التحديد التلقائي للمقابل؛ بشكل سلبي على نوعية وأسعار تلك الخدمات التي سيحصل عليها المستهلكين، وما عمل المولدات الأهلية في العراق إلا نموذجاً للمقابل التلقائي، مما جعل أداؤها سيئاً ليس كما مطلوب في ظل اقتصاد السوق.
تدخل الدولة شوّه عمل المولدات
وبسبب هيمنة الدولة على قطاع الكهرباء وعجزها عن إدارتها بشكل احترافي وفقاً لمبادئ اقتصاد السوق وبالخصوص مبدأ المنافسة، وبما يسهم في تغذية الطلب المحلي من الكهرباء، لجأت الدولة لفتح الباب أمام المولدات الأهلية لتسهم في تغطية قصورها في إدارة قطاع الكهرباء، وبالفعل أسهمت المولدات الأهلية في تغطية نسبة كبيرة من مدة الانقطاع في التيار الكهربائي لكن بعيداً عن منطق اقتصاد السوق بسبب تدخل الدولة أيضاً، فكان أداؤها مشوه اقتصادياً.
حيث تدخلت الدولة في تحديد العلاقة بين الطرفين، حيث يقوم الطرف الأول (المولدات الأهلية) بتجهيز الطرف الثاني (المواطنين) بعدد ساعات معينة ومحددة مقابل أجور محددة يدفعها الطرف الثاني للطرف الأول، وتقوم الدولة بتزويد الطرف الأول بكمية محددة من الوقود اللازمة لتشغيل المولدات وفقاً لعدد الامبيرات. وبهذا التحديد، أصبحت المسألة قانونية أكثر مما هي اقتصادية، إذ إن من يخالف تعليمات الدولة بخصوص عمل المولدات سيتحمل التبعات القانونية، والنتيجة هي حرمان الطرفين من اكتساب الفوائد الاقتصادية، وكثيراً ما يشعر الطرفان بالإجحاف والظلم.
الجدل بين الطرفين والطرف الأكثر تضرراً
حيث نلاحظ هناك جدلاً واسعاً، من هذا التحديد وتبعاته، ففي الوقت الذي يشكو الطرف الأول الإجحاف نتيجة لنقص أو عدم وجود الوقود المدعوم بالتزامن مع مدة انقطاع الخط الوطني الطويلة خصوصاً في فصل الصيف، ويضطر لرفع هذا الإجحاف إعلان إيقاف التشغيل أو خرق تعليمات الدولة بخصوص التشغيل مجرد إن تتاح له الفرصة، كأن يرفع سعر الأمبير أو يتلاعب بنوعية التجهيز أو يؤخر عملية التشغيل عند انطفاء الخط الوطني.
يشكو الطرف الثاني من الظلم نتيجة تأخر التشغيل عند انطفاء الخط الوطني، أو ارتفاع أجور الامبيرات في بعض المناطق البعيدة عن أنظار الدولة أو كونه مجبر على دفع أجور الامبيرات خارج فصل الصيف ولا يستطيع تخفيض عدد الامبيرات خوفاً من حرمانه منها في فصل الصيف القادم كعقوبة من قبل الطرف الأول أو بحكم عدم إتاحتها بحكم زيادة الطلب عليها بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة.
الطرف الأكثر تضرراً في هذا الموضوع هو الطرف الثاني، المواطنين، كونهم يدفعون أموالاً دون مقابل أو بالأحرى يحصلون على مقابل اقل من استحقاقهم، إذ يدفع المواطنون أجوراً في الفصول الأخرى غير الصيف أقل عند مقارنتها بأجور فصل الصيف، وإن الأخيرة ترتفع أوقات الأزمات وباستمرار في بعض المناطق؛ للمولدات الأهلية في فصل الشتاء دون أن يكافئ هذه الأجور ساعات تجهيز كافية، فأصبح المواطنون يشعرون بالظلم.
مشكلة أزلية
ونتيجة لعدم اعتماد مبادئ اقتصاد السوق في قطاع الكهرباء بشكل عام وملف المولدات الأهلية بشكل خاص، يمكن القول إن المشكلة بين الطرفين أصبحت مشكلة أزلية، وكل منهما يشعر بالإجحاف والظلم وسيظل بعضهما يشكو من البعض الآخر خصوصاً عند إقبال فصل الصيف من كل عام. وما سبب هذه المشكلة الأزلية إلا الدولة كونها تخضع قطاع الكهرباء بمختلف عملياته الاقتصادية لهيمنتها من جانب والتدخل في عمل المولدات الأهلية من جانب آخر.
حل المشكلة اقتصادياً
ومن أجل معالجة هذا المشكلة الأزلية التي حصلت بسبب هيمنة وتدخل الدولة، لابُد من انسحاب الدولة واعتماد مبادئ اقتصاد السوق في عمل المولدات ولو بشكل مخفف، وجعل العلاقة اقتصادية بين المنتجين والمستهلكين أكثر مما هي علاقة قانونية بين الطرف الأول والطرف الثاني، وعند اعتماد العلاقة الاقتصادية سيتمتع الجميع، منتجين ومستهلكين، بالفوائد الاقتصادية وذلك بحكم عنصر المنافسة الذي يُعد جوهر اقتصاد السوق، والربط بين الأجور وساعات التجهيز بعيداً عن تحديد الساعات من قبل الدولة.
عنصر المنافسة
إذ إن العمل على وضع عنصر المنافسة موضع التطبيق على أرض الواقع بين المنتجين، أصحاب المولدات، سيعمل كل واحد منهم على تزويد المستهلكين، بأكبر عدد من ساعات التجهيز دون التلاعب بنوعية ذلك التجهيز، بالتزامن مع تخفيض أجور الساعة الواحدة بل وسرعة التشغيل أيضاً وذلك من اجل إنتاج أكبر عدد من الساعات، وهذا ما ينعكس بشكل إيجابي المنتجين.
كذلك تؤدي المنافسة بين المولدات الأهلية إلى زيادة رفاه المستهلكين من الكهرباء لأنهم سيحصلون على أكبر عدد من ساعات التجهيز وبأسرع الأوقات وبأسعار معقولة وبنوعية جيدة وفي الأوقات التي يحتاجونها دون إجبارهم على دفع أجور في أوقات هم لا يحتاجون إليها، كما في فصل الربيع والشتاء والخريف.
ربط الأجور بساعات التجهيز
كما يؤدي ربط الأجور بعدد ساعات التجهيز إلى مغادرة مسألة الإجحاف والظلم وتحقيق الاطمئنان والاستقرار لدى المنتجين والمستهلكين، وذلك بحكم الوضوح واليقين والشفافية والبساطة، فكلما يرتفع عدد ساعات التجهيز خصوصاً في فصل الصيف ترتفع حصيلة الإيرادات من خلال ضرب سعر الساعة الواحدة في عدد ساعات التجهيز التي يتم تحديدها بواسطة عدادات خاصة كما هو الحال في عدادات الكهرباء في الشبكة الوطنية، ففي الوقت الذي يحصل المنتجون على أكبر قدر من الأموال مقابل إنتاجهم يحصل المستهلكون على أكبر قدر من الرفاه الكهربائي.
إن اعتماد مبادئ اقتصاد السوق في عمل المولدات ولو بشكل مخفف أي من خلال تحديد أجور الساعة الواحدة فقط، لا عدد الساعات وكمية الوقود وعدد الامبيرات وأجور الأمبير الواحد؛ سيحفز المنتجين على الإسراع في تشغيل مولداتهم، وهذا ما يبحث عنه المستهلكون؛ بمجرد انطفاء الخط الوطني وذلك لحصد المزيد من الساعات لترتفع حصتهم المالية.
خلاصة القول، إن الابتعاد عن تدخل الدولة في عمل المولدات الأهلية واعتماد مبادئ اقتصاد السوق ولو بشكل مخفف، وبالخصوص عنصر المنافسة وربط الأجور بساعات التجهيز؛ سيؤدي لتحسن أداءها وتحقيق التوازن بين مصالح المنتجين والمستهلكين وتنتهي المشكلة الأزلية التي تم ذكرها آنفاً.