السندات الدولارية اداة للسيولة المالية
احمد هذال
2020-03-23 11:44
تم استخدام السندات الدولارية على النطاق الدولي، وهي سندات تشبه الى حد ما سندات الدين العام وتسديدها يتم بالدولار، وقد طرحت مصر هذه السندات عام (2018) بقيمة (4) مليار دولار في الاسواق الدولية لمدد مختلفة (5-10-30) سنة، واسعار فائدتها مقاربة لأسعار فائدة الاقتراض الخارجي المطروحة من قبل المؤسسات المالية الدولية (5%-8%) والذي من المتوقع ان يأخذ اتجاها تصاعديا انذاك، واكد الباحثون الاقتصاديون في مصر ان هذه السندات تلقت ترحيباً وطلباً متزايداً من قبل المستثمرين، ان اقبال المستثمرين جاء بالنظر الى ان سعر السند المصري اعلى من سعر السند على الدولار الامريكي والذي من المتوقع ان يرتفع في تلك الفترة، لكن مصر استطاعت ان تطرح سنداتها قبل ارتفاع سعر السندات على الدولار الامريكي واستفادت من التوقيت.
عموماً الوضع في العراق مختلف تماماً، لان العراق له مصادر مالية من العملة الاجنبية متمثلة بالدولار مقابل الريع، وهذا ما لا تمتلكه مصر، وان وزارة المالية هي مالكة الدولار عند بيع اي برميل نفطي سيحول في حسابها، ولديها التزامات (مشتريات الحكومة) تخصم بالدولار، والباقي منه يباع الى البنك المركزي العراقي لكي يقوم بدوره تسديد المالية بالدينار، اذ بلغت مبيعات وزارة المالية الى البنك المركزي عام (2018) حوالي (52) مليا دولار.
وزارة المالية تستطيع ان تستخدم جزء مصادر الايرادات النفطية الدولارية والاستفادة من السيولة المحلية في الوقت الحاضر مقابل بيع جزء من الدولار الى الافراد والمؤسسات بدلاً من بيعه الى البنك المركزي في السنة القادمة، والاختلاف بين عملية البيع سيكون بمدة التسديد بالدولار وهي سنة واحدة وتشبه اذونات الخزينة من حيث المدة، وهذه العملية لا تحمل المالية العامة عبء الدين العام واثاره ولا تؤثر على الاسعار والتضخم في الوقت الحاضر ولربما تؤدي بالمستقبل الى رفع قيمة الدينار، لان الاموال التي تحصل عليها المالية سبق وان خلقها الجهاز المصرفي وهي ضمن هيكل عرض النقد، وبهذا سيكون التأثير فقط بالهيكل.
اذ يتم طرح سندات داخلية دولارية بقيمة (20) مليار دولار بسعر بيع (1150 دينار لكل دولار) للأفراد والمؤسسات الداخلية وتسدد من قبل وزارة المالية بالدولار، وتكون سندات مدتها (سنة واحدة)، والسبب في ذلك ان عرض النقد M1 (بمفهومه الضيق) = (77).
منه لدى الجمهور = (40) ترليون دينار.
ومنه الودائع جارية = (37) ترليون دينار.
اذاً لدينا (40) ترليون خارج الجهاز المصرفي، ويتم طرح هذه السندات الى المواطنين والمؤسسات لتقليل الاكتناز، وبسبب عدم وجود احصائيات دقيقة لتحديد ما هو مكتنز ومتداول لدى الجمهور، لذلك يعتقد بعض الاقتصاديين ان هناك اكثر من (75%) من عرض النقد بمفهومه الواسع (M2) والذي يبلغ (92) ترليون هو خارج الجهاز المصرفي، وبالتالي لنفترض ان العملة لدى الجمهور في مفهوم عرض النقد (M1) مقسمة الى جزئين:
الجزء الاول: الاكتناز =(20) ترليون.
الجزء الثاني: التداول= (20) ترليون.
التركيز يكون على الجزء الاول المكتنز، تقوم وزارة المالية بطرح سندات متنوعة والتي تبدأ بقيمة (50) مليون (السند الدولاري) ويتم من خلال المصارف الحكومية، والتسديد بالدولار بعد (سنة واحدة) بسعر اقل من سعر الصرف الموازي (1200) ويبلغ (1150) دينار لكل دولار.
ولنفترض الان ان لدى احد الافراد (50) مليون دينار (مكتنزة)، وعرضت عليه احد المصارف الحكومية عرض السند الدولاري بـ (115000) الف دينار لكل (100$)، ولنفترض ان هذا الفرد قبل بهذا العرض وسيشتري السند بقيمته الحالية بعد (سنة واحدة) (مقابل مبلغه الكلي الذي دفعه للمصرف 50 مليون)= (43,478) الف دولار.
هذا المبلغ سيحصل عليه بعد (سنة) بالدولار بسعر (1150) من قبل احد مصارف وزارة المالية مقابل (50) مليون دينار التي سبق وان اشترى بها السند الدولاري.
ما فائدة الموازنة ومشتري السندات؟
الفائدة ستكون كالآتي:
1- تمويل سريع لعجز الموازنة (بعد ضغط الانفاق) بقيمة (20) ترليون دينار عبر سندات دولارية تسدد من قبل وزارة المالية بسعر تفضيلي (1150).
2- سنتجاوز الشروط الدولية وورقتها السياسية لأداة الدين الخارجي والعبء الناتج عنه.
3- عملية نقل الاموال من الاكتناز لن يؤثر على عرض النقود الا بعد سنة وسيكون ايجابي على قيمة العملة الوطنية، برفع قيمتها لوجود عرض دولار اكبر من الطلب.
4- وزارة المالية ستخسر بعض الدنانير مقابل كل دولار يسدد بعد سنة، وستسدد الافراد بسعر (1150) ولنفترض انها كانت تبيع الدولار الى المركزي بسعر (1170) فسيكون العبء على وزارة المالية (20) دينار لكل دولار واحد، وهو مبلغ ضئيل جداً ستدفعه المالية العامة.
5- الفرد سيربح سعر الدولار التفضيلي من خلال الفرق بين سعر الشراء وسعر البيع، فمثلاً في مثالنا السابق، احد الافراد اشترى (43,478$) الف دولار مقابل (50) مليون دينار، ولنفترض ان السعر الموازي للدولار بعد سنة هو (1200) دينار لكل دولار، هذا الفرد سيربح ما قيمته (2,150,000) (مليونين ومائة وخمسون الف دينار)، وهو بمثابة سعر فائدة تبلغ تقريبا (4%) من وجهة نظر مشتري الدولار، ويقترب من سعر السياسة النقدية.
6- اثر هذه العملية سيكون على البنك المركزي، من خلال خفض مبيعات الدولار اليه من قبل وزارة المالية في السنة القادمة والتي تستحق لحاملي السندات الدولارية، لكن اليوم نحن نمر بأزمة حقيقية لا تحتمل التوجه نحو الدين الخارجي، وانما تتطلب ان نبحث عن ادوات تحقق الكفاءة وباقل التكاليف، ويستطيع البنك المركزي تعزيز الاحتياطيات من خلال عمليات الاستثمار المالي والنقدي التي يجريها في الداخل والخارج والتي تبلغ اكثر من 85% من هذا الاحتياطي.