كورونا والاقتصاد العالمي والعراقي
تحليل اقتصادي
حامد عبد الحسين الجبوري
2020-03-14 04:55
أصبحت الأزمات التي تحصل في العالم تنتقل هي أو أثارها بشكل تلقائي من المركز إلى الأطراف، وذلك بحكم العولمة التي حصلت كنتيجة لترابط العالم بشكل متزايد عبر تحرير التجارة وإذابة الحدود بين الدول وثورة المعلومات والاتصالات.
ولكن حتى في ظل العولمة إن انتقال الأزمات من المركز للأطراف يكون بنسب مختلفة وفقاً لطبيعة اقتصادات هذه الأطراف ومدى اندماجها في الاقتصاد الدولي واتجاه هذا الاندماج.
بمعنى إن الاقتصادات الهشة ذات الطبيعة الأحادية وخصوصاً الريعية تكون أكثر عرضة للحرج من الاقتصادات القوية المرنة ذات القدرة والقابلية على التكيّف مع الأزمات المحلية أو الدولية في حين لم يكُن الأمر كذلك بالنسبة للاقتصادات الهشة التي لا تمتلك المرونة للتكيّف مع الأزمات المحلية فكيف سيكون الأمر مع الأزمات الدولية؟
كما ويتوقف حجم تأثُر اقتصادات الأطراف بالأزمات التي تضرب الاقتصاد الدولي على اندماجها فيه، فكلما تكون هذه الاقتصادات أكثر اندماجاً في الاقتصاد الدولي تكون أكثر تأثراً بالأزمات التي تصيبه عند مقارنتها بالاقتصادات التي تكون أقل اندماجاً فيه.
والمقصود بإتجاه الاندماج، إن اقتصادات الأطراف تعتمد على الاقتصاد الدولي أم أن هذا الأخير يعتمد عليها بشكل أكبر؟ لأنه في الحالة الأولى ستكون اقتصادات الأطراف أكثر تأثراً به من تأثيرها فيه، لأن الاقتصاد الدولي يشكل وزناً أكبر في هذه الاقتصادات وتصبح مكشوفة للاقتصاد الدولي والعكس صحيح.
فيروس كورونا
ظهر فيروس كورونا في الصين وأصاب المئات بل الآلاف في إيران وايطاليا وغيرها من الدول، ورُبما يصبح مصدر الأزمة إذا ما تفاقم بشكل أكبر على مستوى العالم ودون إيجاد العلاج اللازم للحد من انتشاره على أقل تقدير. وحتى الآن، أصيب بالفيروس قرابة 105 آلاف شخص في 100 دولة وإقليم حول العالم حسب موقع الجزيرة.
تُعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعني إنها تحتل وزناً كبيراً في الاقتصاد العالمي، بحكم العولمة والترابط الاقتصادي، فأي ما يحصل في الصين سيؤثر على متغيرات الاقتصاد الدولي بشكل واضح وتتأثر اقتصادات الأطراف بهذا الاقتصاد (الدولي). وبالتأكيد، إن هذا التأثر يكون مرهون بثلاثة أمور تم إيضاحُها آنفاً.
كورونا والاقتصاد العالمي
وكما أسلفنا أعلاه، تُعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم والنمو الاقتصادي العالمي مدفوع بنمو الاقتصاد الصيني، فأي أزمة تصيب الاقتصاد الصيني ستنعكس ارتدادات هذه الأزمة على الاقتصاد العالمي من خلال عدّة قنوات أبرزها التجارة والنفط.
وبهذا الصدد، أعرب الكثير عن مخاوفه من ارتدادات فايروس كورونا على مستقبل الاقتصاد العالمي، حيث يقول سيمون جونسون "وبينما نراقب الوضع وهو ينكشف، أصبحت ثلاثة أكبر مخاطر على الاقتصاد العالمي أكثر وضوحاً هي الافتقار للشفافية في الصين والذي تسبب بالخوف بل وزرع موجه من الذعر في جميع أنحاء العالم، انعدام القيادة الأمريكية في التعاطي مع هذا الفيروس في البلدان الأخرى كحلفائنا وأصدقاؤنا، والخطر الثالث يكمُن في الأسواق الناشئة والبلدان النامية، إذ إن البلدان الفقيرة غير مجهزة للتعامل مع مرض من هذا النوع" [i]
وأوضحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إن النمو كان ضعيفًا ولكنه استقر حتى اندلع الفيروس الذي أدى لفرض القيود على حركة الأشخاص والسلع والخدمات وتدابير الاحتواء مثل إغلاق المصانع وإلى خفض الطلب الصناعي والطلب المحلي بشدة في الصين ثم تزايد التأثير على بقية العالم من خلال سفر الأعمال والسياحة وسلاسل التوريد والسلع الأساسية وانخفاض الثقة[ii].
ولذا صرح صندوق النقد الدولي في بيان صحفي حول فيروس كورونا وقال "أحدثت هذه الأزمة تأثيرا اقتصاديا وماليا ملموسا حول العالم، مما خلق أجواء من عدم اليقين وأضر بالتوقعات على المدى القريب"[iii] وبمجرد كتابة خسائر الاقتصاد العالمي بسبب كورونا في محرك البحث ستنهال عليك الأرقام من كل حدبٍ وصوب لتدلل لك كم كان تأثيره ملموساً.
أخذت الآثار تتجلى بشكل أكثر وضوحاً، حينما انخفضت أسعار النفط إلى ما يُقارب 45 دولار ثم إلى 32 دولار للبرميل الواحد خلال الأيام القليلة الماضية، ورُبما ينخفض أكثر إذا ما استمر هذا الفيروس بالانتشار وأكثر فتكاً بالبشرية ودون وجود أي بوادر أمل لانفراج الأزمة والذي يعني استمرار التوقعات السلبية تجاه النمو الاقتصادي مستقبلاً.
كورونا والاقتصاد العراقي
يؤثر كورونا على الاقتصاد العراقي من خلال ثلاثة نقاط تتمثل بانخفاض أسعار النفط الدولية، انخفاض الطلب الصيني على النفط العراقي، شل النشاط الاقتصادي.
انخفاض أسعار النفط الدولية
معروف إن الاقتصاد العراقي يعتمد على النفط بشكل جداً، مالياً واقتصادية وتجارياً، حيث تشكل الإيرادات النفطية ما نسبه 90% من الإيرادات العامة، ويشكل القطاع النفطي أكثر من 45% من الناتج المحلي الإجمالي، وأكثر من 99% من الصادرات السلعية.
فانخفاض أسعار النفط الدولية كنتيجة لانخفاض الطلب العالمي على النفط بسبب فيروس كورونا الذي أصاب الصين، صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وانتقل لأكثر من 100 دولة، أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية ثم تفاقم موازنة 2020 التي تعاني بالأساس من عجز يُقارب ال 50 تريليون دينار، فكيف سيصبح المشهد بعد انخفاض أسعار النفط إلى 45 وإلى 32 دولار للبرميل الواحد بعد فيروس كورونا؟!
انخفاض الطلب الصيني على النفط العراقي
نظراً لكون الصين هي مصدر هذا الفيروس وعدم شفافيتها بخصوص المصدر الدقيق للمرض كما يقول سيمون جونسون، كلا الأمرين سيتركان سلبياً على أداء الاقتصاد الصيني وانخفاض الطلب على النفط بشكل عام في المستقبل القريب.
وبما إن الصين تُشكل ثاني مستورد للنفط العراقي بعد الهند، فإصابتها بفيروس كورنا وانعكاسه سلباً على اقتصادها سيؤدي لانخفاض طلب الصين على النفط العراقي ثم تدهور الإيرادات المالية بشكل خاص وانحسار الاقتصاد العراقي بشكل عام.
شل النشاط الاقتصادي
إن من سمات هذا الفيروس هو سريع الانتقال للآخرين وتصل آثاره للموت إذا ما كان الشخص ضعيف المناعة، ونتيجة إصابة وموت الآلاف بسببه وبسرعة كبيرة زرع الخوف وانتشر الذعر لدى الجميع، وبسبب عدم إيجاد العلاج المناسب عالمياً وضعف كفاءة الجهاز الصحي في العراق مما دفع به لاتخاذ خطوات احترازية لتجنب خطر هذا الفيروس والحفاظ على حياة المواطنين.
حيث عمل (العراق) على تعطيل المدارس والجامعات وجعل الدوام الرسمي 50% في دوائر الدولة باستثناء الأمن والصحة، وإيقاف السفر من وإلى العديد من الدول المتأثرة بهذا الفيروس، وقيام بعض المحافظات بغلق حدودها أمام الوافدين إليها من المحافظات الأخرى، وغيرها من الإجراءات الأخرى، التي أسهمت في شل النشاط الاقتصادي.
وإن ضعف العالم الافتراضي (الالكتروني) على المستوى الرسمي وغير الرسمي جعل العراق غير قادر على نقل النشاطات الإدارية والاقتصادية والخدمية من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي من أجل التعويض أو على أقل تقدير التخفيف من حِدّة ذلك الشلل الذي أصاب الحياة. والدليل إن العراق يحتل المرتبة 155 من أصل 197 عام 2018 في مؤشر تنمية الحكومة الالكترونية[iv].
الخلاصة
ونظراً، لطبيعة الاقتصاد العراقي الهشة وغير المرنة بحكم اعتماده على النفط بشكل كبير، واندماجه في الاقتصاد الدولي بشكل كبير ايضاً، اذ يعتمد الاقتصاد العراقي على الاقتصاد الدولي بشكل متنوع في الوقت الذي الثاني على الأول بشكل أحادي، مما يعني إن الاقتصاد العراقي متأثر بالاقتصاد الدولي أكثر مما يؤثر فيه.
وعليه، لا بُد من العمل على تقوية الاقتصاد العراقي لمغادرة الهشاشة باتجاه القوة والمرونة في التكيّف مع الأزمات التي تضرب الاقتصاد العالمي وليكون مؤثراً أكثراً مما يكون متأثراً حتى لو كان مندمجاً في الاقتصاد الدولي.