ما تحتاج أميركا إلى فهمه حول الرأسمالية

بروجيكت سنديكيت

2019-07-16 04:25

بقلم: كلير براون/سيمون سولستروم،

بيركلي ــ يقترح المرشحون في سباق الرئاسة الأميركية لعام 2020 مجموعة من السياسات الاقتصادية التي كثيرا ما توصف بأنها إما سياسات "السوق الحرة" أو سياسات "اشتراكية". وغالبا، يربك هذان الوصفان عامة الناس في أميركا. من المفهوم على نطاق واسع وعلى نحو خاص ــ وخاطئ ــ أن الرأسمالية مرادفة للأسواق الحرة. بيد أنها في حقيقة الأمر تشمل جميع الأنظمة الاقتصادية التي تسمح بالملكية الخاصة، من الأسواق الحرة إلى الديمقراطية الاجتماعية.

تتطلب هذه الأشكال المختلفة من الرأسمالية قواعد أساسية تحكم عمل الأسواق، مثل حماية الملكية وسيادة القانون. كما تطبق أغلب المجتمعات الرأسمالية برامج اجتماعية لحماية الفئات الأكثر ضعفا. ولهذا، تواجه الحكومات في الاقتصادات الرأسمالية اختيارين أساسيين. فأولا، يمكنها إما أن تضع قواعد السوق لتحقيق الصالح العام، أو تفوض هذه المهمة لشركات كبرى تحت ستار "الأسواق الحرة". ثانيا، يمكنها أن تعمل على تصميم برامج اجتماعية شاملة بهدف تضييق فجوة التفاوت وحماية البيئة، أو يمكنها تقليص حجم هذه البرامج من أجل تقليل الإنفاق الحكومي في هذه المجالات.

تؤثر الاختيارات التي تتخذها الحكومة بقوة على مستويات التفاوت بين الناس، والانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي، ورفاهة البشر في الإجمال. وعلى هذا، يتعين علينا إذا كنا راغبين في تقييم السياسات الاقتصادية التي يتبناها المرشحون الديمقراطيون على النحو الصحيح أن نفهم مقترحاتهم في ما يتصل بهيكلة الأسواق وإنشاء أو توسيع البرامج الاجتماعية.

دأب الرئيس الأميركي دونالد ترمب على ذم مثل هذه التدابير بوصفها "اشتراكية"، وهو يشيد بالأسواق الحرة دون الاعتراف بأن الأسواق تحتاج إلى قواعد تحكم أداءها لوظيفتها. وبدلا من الاعتماد على الحكومة في وضع القواعد، يفضل ترمب السماح للشركات المتعددة الجنسيات باتخاذ القرار بشأن الكيفية التي تدير بها أسواقها. ولكن في قطاع شركات التكنولوجيا الضخمة والعديد من القطاعات الأخرى المركزة على نحو متزايد، لا تؤدي إزالة الضوابط التنظيمية إلى زيادة المنافسة؛ بل إنها على العكس من ذلك، تسمح للشركات الكبرى بالتلاعب بكل شيء لصالحها.

لنتأمل قطاع الطاقة، حيث ذهب ترمب إلى جعل شركات الفحم والنفط والغاز الكبرى مسؤولة عن وضع سياسات المناخ في الولايات المتحدة. فالآن بات بوسع رؤساء الشركات تحديد إلى أي مدى يمكنهم إحداث التلوث وبأي سرعة يتعين عليهم أن يعملوا على تنمية قدرات الطاقة المتجددة، في حين تظل الولايات المتحدة مدمنة على الوقود الأحفوري. وفي قطاع الرعاية الصحية، تتمتع شركات الأدوية الكبرى بحرية تحديد أسعار الأدوية، كما تجني شركات التأمين الكبرى ربع إيرادات القطاع. ويحكم مجمع الصناعات العسكرية وزارة الدفاع، وتسيطر البنوك الاستثمارية على وال ستريت، وتتحكم التكتلات الزراعية الكبرى في الأراضي الزراعية في أميركا.

يسمح تركز الأسواق لقِلة من الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات بالتحكم في أي صناعة، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار والأجور التنفيذية المفرطة. وتسحق الشركات الكبرى القائمة القادمين الجدد من أجل الحفاظ على قوتها السوقية، ثم تستخدم الأرباح الزائدة للمساعدة في انتخاب مشرعين ودودين وممارسة الضغوط من أجل الحصول على سياسات تدعم استمرار هيمنتها ــ ويعمل هذا غالبا على تقويض قوة الحركات الديمقراطية الشعبية.

وقد أبرز العديد من المرشحين للرئاسة من الحزب الديمقراطي هذه المشاكل. على سبيل المثال، تلوم إليزابيث وارين الشركات الكبرى على اتساع فجوة التفاوت وأزمة المناخ، وتقويض الديمقراطية الأميركية. كما دعا بيرني ساندرز إلى ثورة سياسية على مستوى القاعدة لخلق الديمقراطية الاجتماعية في الولايات المتحدة.

على الرغم من الاختلاف بين وارين وساندرز في ما يتعلق بالتفاصيل، فإن كلا منهما يريد أن يعيد إلى الحكومة المسؤولية عن هيكلة الأسواق من أجل الصالح العام ــ بما في ذلك فرض ضرائب أعلى على الأثرياء والشركات الضخمة، إلى جانب تطبيق أكثر صرامة لقوانين مكافحة الاحتكار والبيئة. كما يدعو كل من المرشحين إلى إنشاء برامج اجتماعية حكومية تهدف إلى تزويد الجميع بالرعاية الصحية، ورعاية الأطفال، والتعليم العالي، والسكن المناسب، والوظائف اللائقة، إلى جانب شبكة أمان اجتماعي لدعمهم في الأوقات العصيبة.

كما دعا مرشحون ديمقراطيون آخرون إلى بعض هذه التدابير، لكن عددا أكبر من المرشحين الوسطيين يقولون إن مثل هذه البرامج ستكون باهظة التكاليف أو إنها ربما تعمل حتى على تقويض الحرية، وهم بالتالي يرددون انتقادات اليمين النمطية. على سبيل المثال، قال نائب الرئيس السابق جو بايدن للمانحين الأثرياء مؤخرا: "لا شيء قد يتغير جوهريا"، إذا أصبح رئيسا بطبيعة الحال. ومع ذلك، يحتاج النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة إلى إصلاح كبير في سبيل التصدي لأزمة المناخ ومستويات التفاوت المرتفعة إلى درجة غير مقبولة. وقد أظهرت الدول الأوروبية كيف تسير البرامج الحكومية الواسعة، والاقتصادات المزدهرة، والحرية، جنبا إلى جنب.

يعكف بعض الخبراء على رسم خريطة الطريق إلى الأمام. فيقول رجل الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيجليتز إن الرأسمالية التقدمية من الممكن أن تساعد بشكل كبير في الحد من استلاب الثروات، وخلق اقتصاد أكثر استدامة وعدالة. وتدعو الميزانية الأخلاقية للفقراء إلى إنشاء براج اجتماعية تقدمية تمول عن طريق الضرائب وإعادة توجيه الإنفاق الفيدرالي القائم.

أنشأ فريقنا البحثي في جامعة كاليفورنيا في بيركلي مؤشر سياسة الرخاء المشترك المستدام لقياس السياسات التي تدعم حياة ذات مغزى في ظل عالم مستدام. يصنف المؤشر 50 دولة استنادا إلى ثلاثة معايير عريضة: السياسات المعنية بتنظيم الأسواق بما يتفق مع القواعد والضرائب؛ وتدابير حماية البيئة؛ والبرامج الحكومية التي تدعم شعبا موفور الصحة ومتعلم جنبا إلى جنب مع البنية الأساسية لحقوق الإنسان التي تعمل على إنشاء مجتمع يؤدي وظيفته على النحو الصحيح. ومن خلال جمع البيانات حول 50 مؤشرا للسياسات، يوفر مؤشر سياسة الرخاء المشترك المستدام خريطة طريق عملية نحو إنشاء اقتصاد يهتم بالناس والبيئة.

ينبغي لجميع المرشحين للرئاسة الأميركية أن يقدموا خططهم للاقتصاد حتى يتسنى للناخبين تقييم الكيفية التي قد تؤثر بها البدائل المختلفة على جودة حياتهم. ويحتاج الناس إلى معرفة ما إذا كانوا سيحصلون على الرعاية الصحية، والتعليم العالي، ورعاية الطفل، إلى جانب وظيفة آمنة تدفع أجرا لائقا وتتيح الوقت لحياة متوازنة مع الأسرة، والأصدقاء، والمجتمع.

من المؤكد أن هذه التوقعات والمطالبات ليست كثيرة على مواطني دولة غنية. فأميركا تتمتع بالموارد اللازمة لخلق اقتصاد رأسمالي أفضل، ونحن نعرف أي السياسات يمكنها تحسين الرفاهة اليوم ومن أجل أجيال المستقبل. والآن تحتاج الولايات المتحدة إلى انتخاب رئيس وكونجرس يمكنهما بناء هذا النظام الجديد.

* كلير براون، أستاذ علوم الاقتصاد ومدير مركز العمل والتكنولوجيا والمجتمع بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، ومؤلف كتاب الاقتصاد البوذي: مقاربة مستنيرة للعلوم القاسية/سيمون سولستروم، منسق البحوث لمؤشر سياسة الازدهار المشترك المستدام (SSPI) بجامعة كاليفورنيا، بيركلي.
https://www.project-syndicate.org

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا