ماذا لو أصبح سعر فائدة صفر شيئا طبيعيا؟
بروجيكت سنديكيت
2019-04-09 07:21
آدير تيرنر
طوكيو- منذ ان خفضت معظم البنوك المركزية سعر الفائدة ليصبح قريبا من الصفر في خريف سنة 2008 واشترت لاحقا لذلك كميات ضخمة من السندات كجزء من عملياتها للتخفيف الكمي، كان هناك جدل بين الاقتصاديين عن مدى سرعة "الخروج" من تلك السياسات المالية غير التقليدية.
لكن بعد عقد من الزمان منذ ذلك الوقت فإن اسعار الفائدة في الدول المتقدمة ما تزال اقل بكثير من مستوياتها لفترة ما قبل الازمة ومن المرجح ان تبقى كذلك. ان العائد على السندات الالمانية لعشر سنوات والذي يصل الى 0،02% (من مارس 23) يعكس توقعات السوق بإن البنك المركزي الاوروبي سيحافظ على سياسة اسعار صفرية ليس فقط حتى 2020 (السياسة المستقبلية الرسمية للبنك المركزي الاوروبي) بل حتى 2030. ان عائد السندات اليابانية يوحي بسعر فائدة صفري او سلبي لفترة اطول وبينما عائد العشر سنوات في الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة هو اعلى بقليل من 1% و2،4% على التوالي، فإن كلاهما يوحي بزيادة بسيطة للغاية او عدم وجود زيادة في سياسة الاسعار لعقد اخر.
ربما ان الازمة المالية لسنة 2008 قد دشنت ربع قرن من اسعار فائدة اقل بشكل دراماتيكي وفي هذا الوضع الطبيعي الجديد فإن المزيد من السياسات غير التقليدية –بما في ذلك اشكالا من التمويل النقدي- قد تكون ضرورية في بعض البلدان من اجل المحافظة على نمو منطقي.
لقد حصلت الازمة المالية سنة 2008 لإن القواعد التنظيمية الضعيفة سمحت بتفاقم مخاطر كبيرة ضمن النظام المالي نفسه ولكن عمق الركود اللاحق والفترة الطويلة من النمو البطيء التي تلت ذلك كان نتيجة ليس لهشاشة النظام المالي، بل بسبب الاقتراض الزائد عن الحد ضمن الاقتصاد الحقيقي والذي تطور خلال النصف القرن السابق. لقد ازداد دين القطاع الخاص في الاقتصادات المتقدمة (الاسر والشركات) بين 1950 و2007 من 50% الى 170% من الناتج المحلي الاجمالي وكان يبدو انه لا يمكن تحقيق نمو كاف الا في حالة نمو الدين بشكل أسرع بكثير من الناتج المحلي الاجمالي الاسمي.
بعد الازمة، تحول نمو القروض الى السالب واستمر بالانخفاض لسنوات عديدة ليس بسبب ان النظام المالي المعيب كان يفتقر لرؤوس الاموال من اجل منح الائتمان، بل بسبب ان الاسر والشركات شديدة المديونية كانت مصممة ان تسدد الديون بشكل تدريجي حتى لو كانت اسعار الفائدة صفر. لقد تم ملاحظة النمط نفسه في اليابان في التسعينات.
في هذه الظروف فإن التحفيز المالي على نطاق واسع كان الطريقة الوحيدة لتحقيق حتى نمو محدود. لقد زاد عجز المالية العامة الى 10،1% من الناتج المحلي الاجمالي سنة 2009 وزاد العجز الامريكي بشكل كبير ليصل الى 12،17% وحتى ان العجز في منطقة اليورو زاد الى 6،3% ولكن هذا الزيادة المحتومة في الدين العام جعلت العديد من الحكومات تخلص لنتيجة مفادها انه يجب الحد قريبا من تلك العجوزات الكبيرة. ان التقشف المالي مع الاستمرار في تخفيض الديون لدى القطاع الخاص ادى الى بقاء اسعار التضخم تحت الرقم المستهدف ونمو مخيب للآمال حسب الاجور الحقيقية وردة فعل شعبوية سياسية.
يبدو أنه بحلول سنة 2016 كانت الحكومات والبنوك المركزية "قد نفذت منها الذخيرة" سواء كانت نقدية أو مالية وكان هناك جدل بين الاقتصاديين حول ما اذا كانت السياسات قادرة على تجنب الركود المزمن عندما تكون اسعار الفائدة صفر بالفعل ومستويات الدين العام مرتفعة بالفعل. ان البعض بما فيهم انا قمنا بكسر احد المحرمات المطلقة في السياسات واقترحنا اننا ربما بحاجة الى النظر في التمويل النقدي للعجوزات المالية المتزايدة. لقد جادل الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي بين بيرناكي انه طالما كانت كمية ذلك التمويل محددة من قبل البنوك المركزية المستقلة فإنه يمكن تحقيق التحفيز المفيد بدون التضخم الزائد عن الحد.
فقط بعد عامين من ذلك الوضع اليائس جدا سنة 2016 يبدو ان الوضع قد أصبح اكثر وضوحا بشكل دراماتيكي فبحلول سنة 2018 فإن التنبؤات الخاصة بالنمو العالمي والتضخم ارتفعت بشكل كبير وبدأت البنوك المركزية والاسواق تركز مجددا على التخلي المتوقع منذ فترة طويلة عن السياسات غير التقليدية. ان من المهم جدا ان نفهم ما الذي كان وراء هذا التحسن المفاجىء.
إن السبب بسيط: التوسع المالي الضخم والذي تم تمويله جزئيا او كليا في اقتصادين كبيرين من قبل اموال البنك المركزي. لقد ارتفع العجز المالي الامريكي من 3،9% من الناتج المحلي الاجمالي سنة 2015 الى 4،7% سنة 2018 والنسبة المتوقعة هي 5% في 2019. لقد ارتفع العجز المالي الصيني من اقل من 1% سنة 2014 الى اكثر من 4% وبقي العجز المالي الياباني بحدود 4% مع التخلي عن خطط سابقة لتخفيض النسبة الى الصفر بحلول سنة 2020 وبينما تم تمويل التوسع المالي الامريكي من قبل مبيعات السندات للقطاع الخاص، قام البنك المركزي في الصين بشكل غير مباشر بتمويل مشتريات كبيرة من السندات من قبل البنوك التجارية. أما في اليابان فلقد تم تمويل كامل صافي الزيادة في الدين العام من مشتريات البنك المركزي من السندات الحكومية. لقد استعاد الاقتصاد العالمي عافيته لإن الاقتصادات الثلاثة الاكبر في العالم رفضت فكرة ان اعباء الدين العام المرتفعة قد جعلت المزيد من التوسع المالي مستحيلا.
لكن تأثير ذلك التحفيز قد تلاشى فالنمو الامريكي يتباطىء مع انتهاء مفعول التأثير لمرة واحدة لتخفيضات الضرائب التي اعلنها دونالد ترامب والصين تعاني من اجل كبح جماح الاقتراض المفرط وادارة تأثير الرسوم الجمركية لترامب على الصادرات والثقة وفي اكتوبر ستقوم اليابان بتنفيذ زيادة مخطط لها منذ أمد بعيد لضريبة المبيعات مما يهدد بإبطاء النمو الاستهلاكي كما ان النمو في منطقة اليورو يتباطأ ايضا بسبب تراجع الطلب العالمي.
اذن نحن عدنا لمواجهة نفس السؤال كما كان عليه الحال سنة 2016: ماذا نفعل لو أصبح الركود مصدر تهديد عندما تكون اسعار الفائدة قريبة من الصفر بالفعل؟ ان من الاجوبة المقترحة اشكال مختلفة من التمويل النقدي. ان أنصار "النظرية النقدية الحديثة" يجادلون ان النفقات المالية التي تمولها الاموال يجب ان تكون الآلية الطبيعية لإدارة الطلب الاسمي علما ان "الصفقة الخضراء الجديدة" تشير الى التمويل النقدي كأحد الخيارات من اجل تمويل استثمارات مقبولة اجتماعيا وبيئيا.
ان النظرة الصائبة وراء تلك المقترحات -ان الحكومات والبنوك المركزية معا يمكن دائما ان تخلق الطلب الاسمي– قد تم توضيحها من قبل ملتون فريدمان في مقال مهم سنة 1948 ولكن من المهم جدا ان نفهم ان التمويل النقدي المفرط مضر جدا وإن من الخطر ان ننظر اليه كطريقة غير مكلفة بالمرة من اجل حل التحديات طويلة المدى عوضا عن كونه مجرد اداة لإدارة الطلب يتم استخدامها في الظروف الاستثنائية.