ثقافة الهدر لدى المواطن العراقي
إيهاب علي النواب
2018-06-12 05:36
يعدّ الهدر باختلاف أنواعه من الآفات التي تهدد الاقتصادات النامية، وتمنع من تطورها، وتؤثر على مستوى حصول الأفراد على الخدمات المقدمة من الحكومة، وتسعى المنظمات الأممية والحكومات إلى مواجهة مستويات الهدر لتحقق كفاءة أعلى لمختلف الصناعات والخدمات، مثل مجالات الطاقة والمياه والعقارات والصناعات التحويلية وغيرها.
ولاشك في أن طبيعة أي مرحلة، والتحديات التي يمر بها البلد على الصعيد الاقتصادي، تتطلب التعامل الذكي الحكيم مع المتطلبات (الاحتياجات)، ومع الموجودات (المصادر أو الموارد والموجودات)، ومع الأولويات (الأهم أولاً، فالمهم، فالأقل أهمية)، وضمن هذا سيكون لزامًا علينا جميعا أن نتخلص من أشكال الهدر كافة، فإن تقليل الهدر يعادل رقميًّا زيادة الإنتاج والموارد والإمكانيات بالأرقام نفسها التي تمثل الهدر الذي نستطيع التخلص منه في هدر الوقت، هدر الطعام، هدر الطاقة، هدر المواد الخام.. في العمليات الإنتاجية المختلفة، خاصة في القطاعات الصناعية التحويلية والصناعات الأخرى.. الهدر في المأكل والمشرب والملبس والكهرباء والمياه والمفروشات.. هدر الآلات والماكينات، وكذلك الهدر في الطاقات البشرية.. ولعل هذا أشد وأسوأ أنواع الهدر على الإطلاق، سواء كان ذلك بسبب وضع الأشخاص الخطأ أو غير المؤهلين وغير الأكفاء في مراكز المسؤولية.. وما ينجم عن ذلك من ضعف الإنتاجية وقلة الكفاءة، وتدني النوعية، وارتفاع الكلف الإنتاجية، وانخفاض التنافسية، وتدني المبيعات والأرباح.
وبصراحة يُعد الهدر في العراق ثقافة اجتماعية باتت تترسخ بشكل مستمر، مع العلم إن الهدر يمثل أحد أوجه الفساد الذي يمثل العقبة الأهم في تطور أي بلد، وبالتالي نحن كمجتمع نتشارك المسؤولية في تفاقم الفساد، فالفساد والهدر في الموارد لايتعلق بالحمومة وحسب، بل هو بالأساس ظاهرة اجتماعية قبل أن تكون سياسية متجذرة في داخلنا، ولك أن تتخيل حجم الأسراف والبذخ والافراط في الاستهلاك في المجتمع العراقي سيما فيما يتعلق بأبسط شيء وهو موائد الطعام الهائلة مروراً بهدر المال في الانفاق الترفي والكمالي وهدر استخدام المياه وبشكل سيء وفي ظل أزمة المياع في البلد، فضلاً عن الأهم وهو هدر الوقت الي يمثل السبب الرئيس في أن أصبحت الدول الناشئة فيما هي عليه.
وقد يُطرح تساؤل مهم، وهو لماذا هذا الهدر في ظل بلد يُعد صاحب أقدم وأعظم حضارة، وفي ظل بلد يغلب على مجتمعه الطابع الديني والذي دائماً ماأشار الدين وفي مواقع كثيرة الى الاعتدال وعدم الهدر والاسراف؟ وإجابة على هذا السؤال والذي يمثل فيما الحل لهذه المشكلة، هو في انتشار روح القبلية والعشائرية في المجتمع، فالكثير من قيم وسلوكيات القبيلة هي سلبية وإن كان القصد منها الكرم والضيافة، بل وبعضها يتمثل التمرد والتظاهر بالعّز والانفاق والصرف وهو من شيم النُبل والايثار والمكانة المرموقة في المجتمع، فهذه النزعة القائمة على الاسراف والصرف غير المنظم وغير الرشيد قد توراثتها الأجيال وباتت ظاهرة عامة، فالأنسان وفقاً لذلك يُقيم على أساس مايملك ومايقوم بإنفاقه من ولائم من أجل جذب الناس حوله، وكذلك الأهتمام بالمظهر من خلال ارتداء أفخر الملابس وركوب أفضل السيارات ..الخ.
وقد تبدو هذه الصورة بسيطة للغاية، الا أنها بصراحة أصبحت تمثل حالة تتجذر في نفس المواطن العراقي، بل وأصبح التنافس قائم على هذه القضايا الاجتماعية المظهرية أكثر من التنافس العلمي أو التنافس المعرفي وماشابه، ومثال أخر على ذلك هو الأنجاب المستمر ودون وعي وتخطيط وباعتباره عند البعض أحد صور الفخر والقوة في المجتمع ما هو الا نزعة قبلية أمتدت لتصيب جميع أنحاء البلد، ليس هذا وحسب بل وأن الخطر الأكبر يتمثل في انسلال هذه القيم والسلوكيات وانعكاسها على باقي السلوكيات مما أضرت بها بشكل كبير، فمثلاً أصبحت هذه السلوكيات مرافقة للفرد حتى في العمل والانتاج والتعليم مما انعكس سلباً على واقع الاقتصاد والانتاج المحلي للبلد، حتى أصبحت لا سلوكيات اجتماعية وحسب وانما سلوكيات عمل داخل المنظومات والمؤسسات الانتاجية والخدمية وفي شتى المجالات.
وبالتالي علينا أن نعيّ إن مصطلح الثقافة أيّ كانت استخداماته فأن لأبد وأن تكون اجتماعية، ومعالجاته هي الأخرى لأبد وأن تكون إجتماعية، وبالتالي ولحل أو حلحلة النزعة في الهدر والاسراف في ثقافة المواطن، تسترعي وتتطلب السيطرة على النزعة القبلية في المجتعمية، أو تحجيم القيم السلبية في سلوكيات القبيلة، وأصرارنا على هكذا موضوع، هو نابع بأن لا تنمية و لا تطور ولا ارتقاء وازدهار، ما لم يكن المجتمع بصورة صحيحة للبناء، وثقافة الهدر في هذا المجتمع لأبد أن تضمحل والا فأنه من المستحيل لهذا البلد أن يكون دولة مدنية يتصف مجتمعها بأبسط صور الرشادة والعقلانية التي تمثل جوهر التطور الاقتصادي لأي بلد.