الرأسمالية: أنواعها، جوهرها، نظرياتها
ندى علي
2017-11-20 05:28
تعد المفاهيم الاقتصادية أساس رئيسي لمعرفة الاقتصاد ونظرياته وتأثيراتها ومن ضمن اهم هذه المفاهيم هو رأس المال الذي يعد كل قيمة يمكن المحافظة عليها بشكل ما، ويمكن أن تستخدم في خلق قيم أخرى. ويقاس رأس المال بالأسهم، في حين يولد توظيفه تدفقات مالية. ويوجد نوعان منه:
1- رأس المال الثابت:
- سلع رأس المال (رأس المال المادي) التي تشمل على العمل، خاصة النوعي منه، والمداخلات التي تستخدم من أجل إنتاج سلعة رأسمالية. إن المكائن والمعدات والبنية التحتية الأخرى (المحطات الكهربائية، مؤسسات الإتصالات، الطرق، الجسور، الموانىء...الخ) تعد سلعا إستثمارية.
- السلع الإنتاجية الأخرى، وكذلك مخزون السلع الإستهلاكية المعمرة والسلع الأخرى.
- تقنيات وتكنولوجيات ومعرفة متراكمة.
2- رأس المال المالي- السندات:
-النقود أو وسائل الدفع: المعادن الثمينة، الورق النقدي، الصكوك، الوسائل الإلكترونية.
- السندات الأخرى.
إن رأس المال الثابت يساعد على إنتاج السلع والخدمات، ويمكن لهذه السلع أن تباع نظير الحصول على عملة نقدية أو سند مالي آخر، وإن تأجير السلعة يعتبر خدمة وإن سعرها يمكن أن يدفع بعملة نقدية أو بسند مالي. ويوجد هناك أيضا تفاعل بين الجانبين المادي والمالي للإقتصاد. غير إن هناك نوعا من عدم التفاعل بينهما، عندما يجري توظيف الأموال لأغراض جني الفوائد والإيرادات الأخرى.
أن رأس المال المالي ينجم عن رأس المال الثابت. فالسندات المالية، على سبيل المثال، تنشأ بالأساس نتيجة لكمية الإنتاج التي تعرض للبيع. ومثال على ذلك، يقوم المنتج بإصدار كمبيالة تساعد في تمويل الإنتاج نفسه وأو تصريفه إذا ما خصمت في أحد المصارف قبل أن تسلم البضاعة إلى المشتري.
ولذلك يمكن للنقد أن ينمو مع إصدار القرض (القروض والسندات المخصومة...الخ). وفي حالة التوازن المثالي، لابد من وجود كتلة نقدية وأصول مالية أخرى من أجل أن تستخدم القدرة الإنتاجية الحقيقية بالكامل وتزداد بشكل تدريجي.
ومن يأتي تبرير الفائدة، إذا تجري مكافأة النقود المقرضة للغير لغرض تنشيط الإنتاج الذي سيعطي أرباحا (تعد الفائدة أحد عناصر الكلف). لقد جرى تفسير المكافآت حسب نوعها، فالتي تعطى على رأس المال الثابت تسمى (ربحا) والتي تعطى على راس المال المالي تسمى (فائدة)وعلى رؤوس الأموال الأخرى تسمى (إيجارات)، ولم يبق سوى تفسير المكافأة التقليدية التي تعطى على التجارة، إذ تسمى بالمراجحة (*1) من الناحية التقنية arbitrage.
فإذا دفع للريال(*2) في بوينس آيرس سعر أعلى مما دفع له في سان باولو، فإن الذي يبيعه في بوينس آيرس، بشرائه عملة صعبة (س)، يكسب له مراجحة، إذا ما باع هذه العملة في سان باولو بسعر ما، بعملة الريال، أعلى من التكاليف التي أنفقت في العملية الأولى.أن سوق تبادل العملة هو سوق مالي، ولكن المراجحة ماتزال تعد من الأمور التقليدية التي تخص التجارة وبورصات السلع.
إن الرأسمال الثابت ينشأ من مزج:
1) العمل 2) الموارد الطبيعية.
فالطاقة، التي تعد العامل المشتق والجوهري للإنتاج، يمكن الحصول عليها من الطبيعة، وكذلك عن طريق الوسائل التقنية، أي العمل المؤهل، وتكون التكنلوجيا ايضا مشتقة من عوامل أساسية، وهي التي تنظم الإنتاج. ذلك لأن رأس المال ينتج من إندماج التكنلوجيا وعوامل الإنتاج، بحيث إن رأس المال المذكور أعلاه والموارد الطبيعية والعمل المؤهل= الأمور المعرفية المطبقة على الإنتاج.
إن ريكاردو وماركس يعتبران إن قيمة السلع تساوي قيمة العمل المتراكم فيها مقاسا بالساعات. لقد كان هذا التبسيط مفهوما قبل الثروات الصناعية، لكن التعقيد الناجم عن تراكم التكنولوجيا يقتضي أن لا يتم التعامل مع العمل على إنه عامل متجانس، لأن هناك أنواعا مختلفة من الكفاءة والتجربة والمهارة..الخ. فالسلع المنتجة كان أصحابها يمتلكون العمل المتضمن، بنوعياته المتعددة، في إنتاجها.وكان الذين يؤجرون جهودهم وإختراعاتهم..الخ مقابل رواتب، يتسلمون أجورا غير كافية تقريبا، قياسا بمساهمتهم في القيمة المخصصة لهذه السلع. وإن هذا الإستغلال لقوة العمل عبارة عن تراكم ناجم من فائض القيمة حسب مفهوم ماركس. فهذا الفائض لا ينتزع فقط، وبشكل أساسي، من العمال الأقل مهارة، الذين كان يسميهم بالبروليتاريا.
أصول ومعنى الرأسمالية
إن نظرية ماركس تفتقر إلى الإقناع في قولها بأن الرأسمالية قد نتجت من تناقضات المجتمع الإقطاعي. ولقد رأينا بأن النبلاء الذين كانوا يكونون جزءا من الرأسمالية، لم يقوموا بالأعمال التي كان يقوم بها أسلافهم الإقطاعيون. وعندما ظهرت، في نهاية القرون الوسطى، المراكز الرأسمالية مثل فلورنسا، ومن ثم جنوة وفينيسيا، كان التوجه بحريا، ماليا ونحو التجارة الخارجية، وهو مشابه لتوجه الفينيقيين وتوجه أثينا، وعليه لا يوجد ما يبرر نشوء الرأسمالية من الإقطاعية، لأن الإقطاعية لم تكن واضحة في تلك المدن ولم تكن موجودة في العصر القديم. لقد كان هيكل هذه المراكز رأسمالية، بما فيها تلك التي كانت تستخدم عمل العبيد. وكانت الرأسمالية القديمة بالنسبة إلى العبودية مثلما كانت فترة العصور الوسطى وبداية العصر الحديث بالنسبة إلى الإقطاعية. لقد كانت الرأسمالية تتداخل في عملها مع الإقطاعية من ناحية المتاجرة، في المدن الصغيرة، بالفائض مما ينتج في المناطق الإقطاعية، ومن حيث قيمها بتمويل النبلاء..الخ بينما كانت رأسمالية العصر القديم تتاجر مع الأفراد المسيطرين في الأوساط الريفية. وليس من قبل المصادفة، أن تنشأ الدول القومية، التي قلصت سلطة النبلاء الإقطاعيين، بقيادة الملوك وبتمويل من البرجوازيين الذين كانوا يعيشون خارج الإقطاعات.
أنواع الرأسمالية
يوجد، في الأقل، أربعة أنواع من الرأسمالية. فالنوع الأول هو الرأسمالية التقليدية التي تحكمت بالتجارة والموارد المالية منذ بداية العصر الحديث في القرن السادس عشر وما سبقه. وقد كان على رأس هذا النوع من الرأسمالية الأوليغاركيون البرجوازيون، ومن ضمنهم النبلاء المنفذون في الرأسمالية قادة الحرب وأمراء الدول القومية الحديثة، مثل الأمراء الذين أطلقوا حملة الاكتشافات البحرية، والاستغلال الاحتكاري للمناطق المحتلة.
والنوع الثاني هو رأسمالية الشركات الصناعية أو المالية الكبيرة، التي تكونت ابتدءا من نهاية القرن الثامن عشر اثر قيام الثروات الصناعية التي ما تزال مستمرة حتى اليوم. ويشتمل هذا النوع على:
1- كبار الصناعيين، ممثلي التركز الإقتصادي الموصوف في تاريخ المراكز.
2- كبار المصرفيين المساهمين في الشركات الصناعية التي يقودونها في أحيان كثيرة، والمتحكمين كذلك بالموارد المالية العامة، وخاصة أموال الحروب بصورة كبيرة، ابتداءا من الحروب النابوليونية.
أما النوع الثالث فهو رأسمالية التجارة المحرمة وشبه المحرمة، التي تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ- رأسمالية المافيات المتورطة بشكل مباشر في النشاطات المحرمة، مثل تجارة المخدرات والأسلحة والعمليات الإرهابية..الخ.
ب- رأسمالية الأنشطة شبه المقبولة للمافيات،مثل الألعاب والدعارة.
ج- الرأسمالية المساندة لما ورد في القسمين(أ و ب)، حيث تهتم بالنشاطات التي تعتبر شبه شرعية، وتشمل المصارف والمؤسسات المالية التي تغسل الأموال الناشئة عن نشاطات محرمة، والموظفة في نشاطات شرعية، إقتصادية، دينية، خيرية، إنسانية، منظمات غير حكومية..الخ. والمؤسسة(في كلا الإتجاهين)من قبل رأسماليين من جميع الأنواع.
والنوع الرابع هو رأسمالية المضاربة أما بالأصول المادية أو المضاربة المالية بالأسهم والسندات الأخرى.وإن هذا النوع، الذي لم تكن حدوده واضحة، خاصة مع النوع الثالث| ج، يعد من الأنواع الثنائية، المرتبطة بعقلية النادي المالي وبعمليات النهب، بعد أن يجري التلاعب بالأسواق التي ينشط فيها هذا النوع من الرأسمالية، بحيث تكون اللعبة فيها عبارة عن لعبة قمار محددة سلفا.
جوهر الرأسمالية
تشترك أنواع الرأسمالية بعوامل مشتركة كثيرة عدا تلك العوامل التي تتعلق بكل نوع على حدة. وربما يمكن إرجاع جميع هذه الأنواع إلى عامل مشترك واحد إلا وهو الجهد المستمر لغرض الحصول على الملكية التي تمثل القوة. ويمكن فهم الاقتصاد الرأسمالية حدود أمام المجموعة الواحدة، الشركة، أو حتى الأفراد، تعيق حصولهم على الملكية، فان الجميع يتنافسون من اجل إن يصبحوا مقتنين لها لا بائعين لها ومجردين منها. ومن لا يتصرف على هذا النحو في النظام الرأسمالي يصبح فريسة بدلا من أن يكون صيادا.
تعود الاختلافات بين الأنواع الرأسمالية إلى إختلاف الوسائل والطرق اللازمة لبلوغ الهدف، وليس إلى الهدف بحد ذاته.أما الطرق الأساسية فهي: 1- العنف، 2- الحيلة، 3- المقدرة الستراتيجية والتقنية وكفاءة المنظمة.
وتعد الإيضاحات التي وضعها سومبارت Sombart (2..) عن العقلانية الاقتصادية rationalism، المتمثلة بالتخطيط والموضوعية (التي تستلزم أن يكون الهدف حاضرا في العقل على الدوام).
نظريات حول الرأسمالية
إن مساهمات راوديل وسومبارت ساعدت على فهم الموضوع. وكانت لماركس آراء قيمة جدا حوله، لكن تدابيره لم تكن كما هي على الدوام. أما النظريات الجدلية لشومبتر، كينز، وويبر، فقد ساهمت في توضيح هذا الموضوع.
يرى براوديل ثلاثة أبعاد في المجال الإقتصادي حسب الترتيب التصاعدي لقوة كل واحد منها:
1) الحضارة المادية، التي تشمل على أشكال المعيشة التي لاتخضع لنظام المبادلات في السوق، على الرغم من إمكانية تفاعلها مع هذا النظام.
2) إقتصاد السوق الذي ينمو فيه نظام المبادلات بوساطة مساهمة العديد من عناصر كلا الجانبين، الطلب والعرض.
3) الرأسمالية، التي تمثل، وفقا لمصطلحات القوة، الغطاء العلوي الذي ينشأ عن التركز.بحيث يحتل هذا الغطاء مجال الأغطية الأخرى ويجعلها تابعة له. أما أشكال كينونة الرأسمالية فهي الإحتكار، إحتكار القلة وما يسمى بالمنافسة الإحتكارية. وإن الرأسمالية هي هيكل يقتات على الهيكل الذي يوجد تحتة، وهو إقتصاد السوق. فهذا الإقتصاد هو الذي كون الرأسمالية، التي أخذت تستند عليه أكثر من إستنادها على تناقضات الإقطاعية.