ملامح السياسة المالية وفاعليتها في الدول النامية
إيهاب علي النواب
2017-08-19 05:20
تتميز الدول النامية عامة بمجموعة من الخصائص المشتركة، فعلى سبيل المثال على صعيد الانتاج، نجد ارتفاع نسبة السكان الى رأس المال، وكذلك الارتفاع النسبي في الاعتماد على نوع معين من الانتاج الأولي، بالاضافة الى عنصر كبير نسبياً من اقتصاد الكفاف في تلك المنتجات الأولية. وقد تختلف تفاصيل تنظيم الانتاج كثيراً بين تلك الدول غير أن الخصائص العامة تبقى مع ذلك صحيحة، وعلى جانب الاستهلاك، فأن الخصيصة المميزة هي انخفاض مستوى الدخول والرفاهية في معظم الدول باستثناء بعض الدول النفطية ذات الحجم السكاني المنخفض.
كما يعاني الكثير من هذه الدول من التقلبات الدورية في الدخل والناتج، كما تعاني من مشكلة التضخم على مستوى السكان، وبينما تقل نسبة المواليد في الدول الصناعية عن الـ 15 في الألف، فقد تصل في الدول النامية أحياناً الى مايقارب من 45 في الألف، وفي المتوسط تصل الى 37 في الألف، ورغم ارتفاع معدل الوفيات فيها، فأن نتيجتها الصافية هي معدلات نمو سكان تصل الى 2.5% أو أكثر، وليست هناك حقيقة عامة فيما يتعلق بمعدل التغير في نصيب الفرد من الدخل، وصحيح ان بعض الدول استطاعت أن تحقق نمواً جيداً في مستوى الدخول كبعض دول شرق آسيا والدول النفطية، الا أن هناك دول مازالت تكافح بشدة من أجل عدم تدعور أوضاعها، وبالتالي فأن ثمة هناك فروق كبيرة بين تلك الدول فيما يتعلق بهذا المؤشر الهام.
خصائص السياسة المالية في الدول النامية
اذ فيما يتعلق بجانب الانفاق، لاسيما الضغط على جانب الانفاق، نجد إن بيانات الانفاق أو الايراد بالنسبة الى الناتج القومي الاجمالي دائماً في تصاعد، والاسباب التي تقف وراء هذه الضغوط تتمثل في نمو السكان وظهور الرأي المحلي والدولي القوي. اذ ان المعدل السريع لنمو ستكون له آثاره الواضحة من خلال الحاجة للطرق والمساكن العامة والصرف الصحي وتوفير المياه وفرص العمل والصحة والتعليم ...الخ، وبالتالي فأن معدل نمو الانفاق الحكومي سيكون أسرع من معدل نمو السكان.
الا انه حتى في ظل نمو سكاني بمقدار 2.5% سنوياً، فأن هذا السبب لايفسر لوحده زيادة الانفاق الحكومي، وهنا يبرز أثر السبب الثاني وهو ظهور الرأي المحلي القوي، فوجود الطلب العالمي لتحسين مستويات المعيشة، ومن ذلك من خلال زيادة الطلب على الخدمات الاجتماعية كالسكن والعمل والضمان الاجتماعي والمدارس والجامعات والدفاع ...الخ. والانفاق على هذه الخدمات من قبل الحكومات لايدر عائداً او دخلاً، كما هو الحال في الانفاق على باقي المشاريع الانتاجية، فضلا ًعن ان التكاليف ستكون أكبر في ظل مجتمعات تتسم بتعددية القومية واللغة، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فأن طبيعة الحكم في هذه الدول غالباً مايكون ذو نزعة اشتراكية او توجه مركزي شديد، ومثل هكذا نظام نجده يعول كثيراً على القطاع العام أكثر من الخاص في توفير السلع والخدمات للمجتمع، ومن جهة أخرى وحتى يمكن له من بسط نفوذه وسيطرته، نجده يسرف في مستوى الانفاق على أجهزة الأمن والشرطة والسجون والدفاع، وبالتالي ارتفاع حجم الانفاق العام، وبسبب خشية هكذا انظمة من الانفتاح للخارج، نجده يحاول في أغلب الاحيان توفير السلع والخدمات سواء من الاستيراد المقنن او بالتصنيع المحلي لها، وبما أن القطاع العام هو المسيطر فأن نسبة التشغيل الكبرى تقع على رواتبه وهذا يعني أن رواتب وأجور العاملين كلها ستتحملها الدولة.
أما بخصوص الضرائب في هذه الدول، فأن وبسبب الطبيعة المركزية لهذه الدول، نجد أن مستوى التنظيم فيها دائماً مايكون معقد بالاضافة الى تعقيد الاجراءات الروتينية والادارية، فضلاً عن تخلف الجهاز الضريبي فيما يتعلق بتحديد الطاقة الضريبية والجهد الضريبي وحصول حالات من الازدواج الضريبي وعدم العدالة في تحديد من يقع عليهم العبء الضريبي القانوني والحقيقي مما يدفع الى التهرب الضريبي، هذا اذا مااخذنا بالاعتبار ضعف القطاع الخاص، اي غياب الجهاز الانتاجي الفاعل في المجتمع وعدم مرونته في حال وجوده وبالتالي فأن المشمول بالضريبة سيكونون في الغالب من هم يعملون ضمن القطاع العام، أي ان الوعاء الضريبي سيكون محدود الحجم فضلاً عن عدم تنوعه وشموله للجميع، بعبارة أخرى فأن الحصيلة الضريبية كايرادات لن تتناسب وحجم الانفاق العام المتزايد.
إن فاعلية السياسة الضريبة دائماً ما تكون قاصرة في ظل عدم وجود انفتاح على الخارج، ومثال على ذلك فأنن في ظل دولة تتحفظ على مسألة الاستثمار الاجنبي، فأن الضريبة ستكون ادأة مشلولة من ناحية جذب الاستثمارات من الخارج، وحتى في حال الاستثمارات المحلية، فأن الضريبة لن تكون ناجعة بالصورة المطلوبة اذا لم تغير الدولة من نهجها في ايجاد بيئة استثمارية ايجابية، لأن لأبد من يكون هناك قصور من ناحية الاستثمارات المحلية في ايجاد جميع السلع والخدمات، فضلاً عن محدودية حجم هذه الاستثمارات بسبب ضعف وصغم حجم رأس المال المكون لهذه الاستثمارات.
وعليه نفهم مما تقدم أن الدول النامية ذات النزعة المركزية الشديدة دائماً ما تعول كثيراً على السياسة المالية بأعتبارها المؤثرة في المجتمع من خلال الضرائب والقروض والاعانات والمنح الممنوحة من الدولة لشرائح المجتمع المختلفة، وعليه تحاول الدولة هنا أن تبسط نفوذها من خلال السياسة المالية وعبر آليتي الانفاق والايراد العام بيدها، وبالتالي نجد الأمر مختلف في الدول ذات التوجه الحر في القيادة او الرأسمالية او ذات النزعة اللامركزية، فسياسياً من غير المحبذ أن تسيطر الدولة على كافة أوجة الانفاق حتى لاتكون السياسة المالية لعبة سياسية تستخدمها الدولة في الانتخابات او من أجل الضغط لتحقيق مصالح خاصة، واقتصادياً من خلال أن حصر الانفاق بيد الدولة سيثقل كاهلها وبالتالي يجعلها قاصرة في توفير السلع والخدمات العامة بالكم والنوع المطلوب، وبالتالي فأنها تعول على السياسة النقدية بأعتبارها أكثر تأثيراً في النشاط الاقتصادية بسبب احتوائها على الاسواق المالية والاستثمارات والتي يكون مستوى تأثرها بالسياسة النقدية أكثر من تأثرها بالسياسة المالية، وهذا لا يعني أنه لا دور للسياسة المالية في ذلك، اذ تمارس دوراً هاماً من خلال الضرائب والاعانات، الا أن مستوى التأثر يكون فاعل بشكل أكثر بالسياسة النقدية.
وهذا ما يجعلنا أمام جدل هام وهو أن السياسة المالية لن تكون ناجحة وفاعلة الا في ظل سياسة نقدية مرنة، ما يعني تغير نهج الدولة التحفظي نحو اتجاه أكثر مرونه نحو الداخل والخارج، اتجاه لامركزي يفعل أدوات السياسة المالية عبر آلية الحرية الاقتصادية المقننة والمنسجمة مع طبيعة الهيكل الاقتصادي والانتاجي للدولة، وعليه لأبد أن يكون دور الدولة التدخلي في الاقتصاد عبر السياسة المالية وادواتها يكون مقصوراً في حدوده الدنيا وفي ما يساهم في دعم عجلة التنمية الاقتصادية، ومن أجل ضمان فاعلية السياسة المالية بالشكل الذي يجب أن تكون عليه.