التقية من دين اللّه

السيد جعفر الشيرازي

2024-10-26 04:18

قال اللّه تعالى: (لَّا يَتَّخِذِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۖ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ فَلَيۡسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيۡءٍ إِلَّآ أَن تَتَّقُواْ مِنۡهُمۡ تُقَىٰةٗۗ)(1).

العناوين الأوّلية والثانوية

هناك أحكام بالعناوين الأوّلية وهناك أحكام بالعناوين الثانوية، مثلاً: يجب على المكلّف الصيام، وهذا عنوان أوّلي، لكن إذا كان المكلّف مريضاً بحيث يضرّه الصوم فلا يجب عليه، وهذا عنوان ثانوي، فالضرر رفع التكليف بوجوب الصوم، كما قال اللّه تعالى: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٖ فَعِدَّةٞ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَۚ)(2).

ومن العناوين الثانوية التقية، كما لو ثبت عند العامّة هلال شهر شوال ولم يثبت عندنا، بل ثبت عندنا عدم وجود الهلال أصلاً، فحينئذٍ إذا كان الإنسان في تقية يجوز له أن يفطر، بل قد يجب عليه الإفطار، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «دخلت على أبي العباس بالحيرة(3)، فقال: يا أبا عبد اللّه، ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا وإن أفطر أفطرنا، فقال: يا غلام، عليَّ بالمائدة، فأكلت معه وأنا أعلم واللّه إنه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوماً وقضاؤه أيسر علي من أن يضرب عنقي ولا يعبد اللّه»(4).

صحيح أن هذا هو اليوم الأخير من شهر رمضان والصوم فيه واجب بالعنوان الأوّلي، لكن عنوان التقية بدّل الوجوب إلى الحرمة، بمعنى أنه يحرم الصوم في هذا اليوم إذا أدّى إلى أن يُقتل الإنسان.

حكومة الأحكام الثانوية

ثم إن التكاليف في الحالة الطبيعية هي تكاليف بالعنوان الأوّلي، وأمّا الحالات الطارئة فهي عناوين ثانوية، والأحكام الثانوية حاكمة على العناوين الأوّلية.

مثلاً: عندنا قانون الإلزام: وهو قانون يرتبط بإلزام الكفار والمخالفين في الأحكام التي يعتقدون بها حتى لو كانت خلاف الدين والمذهب الحق، ففي الحديث: «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم»(5)، مثلاً إذا أراد شخص أن يطلّق زوجته، فللطلاق شروط، فإذا ترك شرطاً من هذه الشروط كان طلاقه باطلاً، ومن جملة الشروط أن تكون زوجته في طهر غير المواقعة، ومنها: أن يكون هناك شاهدان عادلان، لقوله تعالى: (وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ)(6)، وأن يكون قاصداً، وهكذا باقي الشروط، أمّا أبناء العامة فلا يشترطون في الطلاق هذه الشروط، وحتى القصد لا يشترط عندهم، فإذا قال الرجل لزوجته: أنت طالق، هازلاً وقع الطلاق عندهم. فإذا كان المطلِّق من أبناء العامة وطلَّق زوجته بدون الشروط الشرعية المعتبرة عندنا، يتمّ إلزامه بقانون مذهبهم فيعتبر الطلاق صحيحاً واقعاً.

والحاصل: قانون الإلزام حكم ثانوي، فما دام المخالف يعتقد بصحة هذا الطلاق في مذهبه، فهذا الطلاق يقع طلاقاً واقعياً وصحيحاً بالعنوان الثانوي؛ لأن العنوان الثانوي حاكم على العناوين الأوّلية.

ومادام هذا الطلاق صحيحاً فعلى المرأة أن تعتد، وبعد العدّة تصبح خليّة من الأزواج فيجوز لها أن تتزوّج ولو من الشيعي، مع أن الشيعي يعلم أن زوجها طلّقها دون شهود وقصد وطهر وغير ذلك.

الولاية والبراءة

إن تولي أهل البيت (عليهم السلام) والبراءة من أعدائهم من أصول الدين، قال اللّه تعالى: (لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ)(7). قال الإمام الباقر (عليه السلام): «وهل الدين إلّا الحب»(8)، فيجب على الإنسان أن يتولى أولياء اللّه ويعتقد بهم، ويبغض أعداء اللّه ويتبرأ منهم، وهذا الحكم واجب على كل إنسان.

قد يقول البعض: إنه يلزم على الإنسان أن لا يبغض أعداء اللّه وأعداء رسوله وأعداء أهل البيت (عليهم السلام).

لكن هذا كلام باطل وهو مرفوض قرآنياً وروائياً وبإجماع الفقهاء، بل يلزم أن يكون قلب المؤمن بريء من أعداء اللّه وأعداء رسوله وأعداء الأئمة (عليهم السلام).

طبعاً التولي والتبرّي له جانبان:

جانب في أصول الدين، فتولي الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) والتبري من أعدائهم من أصول الدين؛ لأنه داخل في النبوة والإمامة.

وهناك قسم آخر من فروع الدين، وهو أن يوالي الإنسان المؤمنين ويتبرأ من الكافرين والمنافقين.

فعندما يُعَدّ التولي والتبري الفرع التاسع والعاشر من فروع الدين فليس المقصود منه توّلي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام)، فهذا من أصول الدين وليس من فروعه، وكذلك لا يراد التبرّي من أعداء الرسول (صلى الله عليه وآله) وأعداء الأئمة (عليهم السلام)، فهذا ليس من فروع الدين، وإنّما من أصول الدين، بل يُقصد به تولي عامة المؤمنين والتبري من عامة الكفار والمنافقين.

ثم إنه قد يجب الجهر بالولاية والبراءة أو قد يجوز وهذا حكم أوّلي، لكن قد تكون الظروف ظروف تقية بحيث قد يجب على الإنسان أن يراعي التقية مع تحقق موضوعها، فحينئذٍ قد لا يجوز في هكذا حال أن يجاهر بما يعتقد به.

يقول الإمام الباقر (عليه السلام): «خالطوهم بالبرانية وخالفوهم بالجوانية إذا كانت الإمرة صبيانية»(9)، وهو يعني أن تتعايش معهم في المجلس العام والشارع والسوق والأماكن العامة، وأمّا في القلب أو في منزلك وبينك وبين ربك فخالفهم، إذا كان الحكم بيد الصبيان الذين هم الحكام الظلمة الجائرين.

نعم، توجد عندنا تقية تسمّى التقية المداراتية، وهذه تقية مستحبّة، وهي من أقسام التقية، بمعنى أنك لو تركت التقية في هذا الأمر لا يتوجه إليك ضرر مباشر، لا في نفسك ولا في مالك، ولا في عرضك، ولكن بالمدى البعيد يسبّب الضرر، وليس في المدى القريب. وتحمّل الضرر الذي في المدى البعيد جائز؛ لذا فالفقهاء ـ عادةً ـ لا يفتون بحرمة الأشياء المضرّة ضرراً في المدى البعيد، كالتدخين، فهو مضر لكن ليس ضرر في المدى القريب، بل في المدى البعيد.

مثلاً: لو أن الشيعي لم يصلِّ مع المخالف، ولم يسلّم عليه ولم يذهب لزيارته، ولم يشترك في تشييع جنازته، فإذا لم يفعل ذلك فلا يتوجه إليه ضرر مباشر وفوراً، لكن في المدى البعيد قد تولد هذه المقاطعة الضرر، فهنا لا تكون التقية واجبة، إلّا أنها مستحبّة، فيجب على الإنسان أن يحفظ عقيدته ولا يتنازل عنها، ولكن يتعامل معهم بالتعامل الذي أمر به الأئمة (عليهم السلام).

أمر أهل البيت (عليهم السلام) بالبراءة وبالتقية

إننا في بعض الأحيان نجد أن الأئمة (عليهم السلام) أمرونا بالبراءة من أعداء اللّه والرسول وأهل البيت (عليهم السلام)، وأيضاً أمرونا بالتقية، والجمع بين الدليلين إنه يوجد هنا عنوان أوّلي وعنوان ثانوي، والتقية من ضروريات المذهب، فإذا تحقق موضوعها فقد تكون واجبة.

إن الأئمة (عليهم السلام) كانوا يحثّون أصحابهم على التقية، وهذا ما أشارت له الروايات الشريفة: ففي صحيحة معمر بن خلاد قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن القيام للولاة، فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له»(10). و(لا) في قوله (عليه السلام): «لا تقية له» نافية للجنس، وتفيد العموم، وهي ظاهرة في العموم الاستغراقي، فإذا ترك إنسان التقية مع تحقق موضوعها فلا يحق له أن يقول: أنا أعمل بحكم اللّه سبحانه وتعالى، بل هو ترك حكم اللّه بالتقية فلا إيمان له.

وفي حديث آخر عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلّا في النبيذ والمسح على الخفين»(11).

وفي حديث آخر: عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «التقية ترس المؤمن والتقية حرز المؤمن، ولا إيمان لمن لا تقية له، إن العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيدين اللّه عزّ وجلّ به في ما بينه وبينه، فيكون له عزاً في الدنيا ونوراً في الآخرة، وإن العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيذيعه، فيكون له ذلاً في الدنيا، وينزع اللّه عزّ وجلّ ذلك النور منه»(12). والتُرس هو الوقاية التي تحفظ المؤمن.

إن الإمام الصادق (عليه السلام) كان في فترة من أيسر الفترات على أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأحسن الظروف، فالأئمة الذين سبقوه كانوا في زمان بني أمية، وأمّا الأئمة الذين جاءوا بعد الإمام الصادق (عليهم السلام) فكانوا في ظروف صعبة جداً حيث كانت دولة بني العباس في أوج قدرتها، وهذه الأحاديث أكثرها عن الإمام الصادق (عليه السلام)، مع أنه كان يعيش في أيسر الظروف.

وفي رواية أخرى: عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «إنه ليس من احتمال أمرنا التصديق له والقبول فقط، من احتمال أمرنا ستره وصيانته من غير أهله، فأقرئهم السلام وقل لهم: رحم اللّه عبداً اجتر مودة الناس إلى نفسه، حدثوهم بما يعرفون واستروا عنهم ما ينكرون، ثم قال: واللّه ما الناصب لنا حرباً بأشد علينا مؤونة من الناطق علينا بما نكره، فإذا عرفتم من عبد إذاعة فامشوا إليه وردوه عنها، فإن قبل منكم وإلّا فتحملوا عليه بمن يثقل عليه ويسمع منه، فإن الرجل منكم يطلب الحاجة فيلطف فيها حتى تقضى له، فالطفوا في حاجتي كما تلطفون في حوائجكم، فإن هو قبل منكم وإلّا فادفنوا كلامه تحت أقدامكم، ولا تقولوا: إنه يقول ويقول، فإن ذلك يحمل عليَّ وعليكم، أما واللّه لو كنتم تقولون ما أقول لأقررت أنكم أصحابي، هذا أبو حنيفة له أصحاب، وهذا الحسن البصري له أصحاب، وأنا امرؤ من قريش، قد ولدني رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وعلمت كتاب اللّه، وفيه تبيان كل شيء، بدءُ الخلق وأمر السماء وأمر الأرض وأمر الأوّلين وأمر الآخرين، وأمر ما كان وأمر ما يكون، كأني أنظر إلى ذلك نصب عيني»(13).

إطلاق دليل التقية

إن من نِعم اللّه سبحانه وتعالى علينا أن جميع ما نعتقد به نحن، والذي بيّنه لنا اللّه في القرآن وبيّنه الرسول (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) في أحاديث أصحابنا الصحيحة، أيضاً هي موجودة في كتب العامة(14).

فلا بدّ لنا من أن نتمسك بكلام النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام)، ولا يحق لأيّ شخص أن يقول: أنا أترك التقية؛ لمجرد أن هذه المسألة موجودة في كتب المخالفين، بل حتى إذا كانت موجودة في كتب المخالفين فهي لا تعني ترك التقية لو كان موضوعها متحققاً فأئمتنا (عليهم السلام) أمرونا بالتقية فيجب الأخذ بها.

بين الإفراط والتفريط

إنه يوجد هناك إفراط وتفريط، أمّا التفريط فهو أن يقول البعض: إنه يلزم عليك أن تنتزع البراءة من أعداء أهل البيت من قلبك، وفي مجالسك الخاصة لا تتفوه بذلك، وأمّا الإفراط فهو ما يقوله البعض بأنه كلما تعتقد به فجاهر به، إلّا أنه لا هذا هو الذي أمرنا به الأئمة (عليهم السلام) ولا ذاك.

فلا يحق لشخص أن يقول: إن هذا الحكم الشرعي لا يعجبني، ولو فرض أن أحد قال ذلك فهذا نقص في إيمانه، قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا)(15)، فإذا قال النبي وأهل بيته (عليهم السلام) شيئاً فلا بدّ أن نسلم به، عقيدة وعملاً.

والحاصل: أن على المؤمن أن يقوّي عقيدته ويربّي أولاده على العقيدة السليمة الصحيحة، بما فيها البراءة، ولكن إذا تحقق موضوع التقية فعليه أن يراعيها.

وفي الحديث: «تسعة أعشار الدين في التقية»(16) وأحد معاني هذا الحديث هو أن التقية هي التي حفظت الشيعة في طول التاريخ، ولولاها لأُبيد الشيعة بأجمعهم، ففي بعض البلدان نجد النظام الحاكم يطارد الشيعة في كل شيء، حيث يستعمل أبشع أنواع الطائفية ضدهم، حيث يحرمون من المناصب والمال والثروة وكل شيء، لكن الشيعة في هذا البلد حافظوا على دينهم، ونقلوا الولاء من أهل البيت والبراءة من أعداء أهل البيت إلى أولادهم، على رغم الإعلام المضاد. ففي بعض البلدان من الصف الأوّل الابتدائي ـ حسب ما ينقل ـ يدّرسون الأطفال عقائد المجسّمة وتكفير الشيعة ومع كل ذلك لم نسمع أن أحدهم انسلخ عن دينه وعقيدته؛ وسبب ذلك أن الشيعة هناك جمعوا بين أمرين: العقيدة السليمة، حيث حافظوا عليها ونقلوها إلى أولادهم، والثاني: إنهم استعملوا التقية، فلم يعطوا الذريعة للطرف المقابل لكي يقتلهم؛ لذا حافظوا على أنفسهم ودينهم ودين أولادهم.

يقول العلامة المجلس (رضوان اللّه تعالى عليه): «... لأن أكثر الخلق في كل عصر لمّا كانوا من أهل البدع، شرع اللّه التقية في الأقوال والأفعال، والسكوت عن الحق لخلص عباده عند الخوف حفظاً لنفوسهم ودمائهم، وأعراضهم وأموالهم، وإبقاءً لدينه الحق، ولولا التقية بطل دينه بالكلية، وانقرض أهله لاستيلاء أهل الجور، والتقية إنّما هي في الأعمال لا العقائد؛ لأنها من الأسرار التي لا يعلمها إلّا علام الغيوب»(17).

* مقتطف من كتاب: الكلمات: محاضرات في العقيدة والسلوك، لمؤلفه السيد جعفر الحسيني الشيرازي

................................................. 

(1) سورة آل عمران، الآية: 28.

(2) سورة البقرة، الآية: 184.

(3) الحيرة بالكسر: مدينة على رأس ميل بالكوفة. وأبو العباس أوّل سلاطين بني العباس المعروف بالسفّاح.

(4) الكافي 4: 83.

(5) وسائل الشيعة 26: 319.

(6) سورة الطلاق، الآية: 2.

(7) سورة المجادلة، الآية: 22.

(8) المحاسن 1: 262؛ الكافي 8: 79.

(9) الكافي 2: 220.

(10) الكافي 2: 219.

(11) الكافي 2: 217.

(12) الكافي 2: 221.

(13) الكافي 2: 223.

(14) ليس معنى ذلك هو أن نأخذ عقيدتنا من كتب العامة، وإنّما يجب علينا أن نأخذها من الأدلة العقلية والنقلية الصحيحة لكن قد نحتج بما في كتب العامة عليهم.

إن البعض عندما تقول له هذه الرواية موجودة في كتاب الكافي فيقول ما هو سندها؟ وكذلك لو قلت له إنها في كتاب البحار، ولكن لو قلت له: إنها في كتب العامة فسوف يقبلها!! وهذا خطأ، إذ الرواية الموجودة في كتب العامة نستفيد منها للاحتجاج عليهم، وليس هي حجة بيننا وبين اللّه سبحانه وتعالى، فنحن لا نأخذ عقيدتنا من كتبهم وإنّما نأخذ عقائدنا من القرآن الكريم ومن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ومما ثبت من أهل البيت (عليهم السلام).

إنه يوجد في كتب العامة مثالب أعداء أهل البيت (عليهم السلام)، وفيها سيئات أعمالهم، فإذا كانت هذه في كتبهم وتنطبق مع عقيدتي، وما ثبت لدي عن الأئمة (عليهم السلام)، فأنا احتج عليهم بما في كتبهم، وهذا لا بأس، وأمّا إذا كان في كتبهم ما لا ينطبق مع ما تلقيته من أهل البيت (عليهم السلام) فأنا لا آخذ ما فيها.

مثلاً: يوجد في رواياتنا أن أبا بكر كان في الغار مع رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ـ كما ورد ذلك في كتاب الاحتجاج [2: 144] وغيره ـ فإذا كانت هناك رواية في البخاري [8: 115] تقول: إنه في وقت الهجرة كان أبي بكر في مسجد قبا يصلّي خلف سالم، فأنا لا أترك روايات أهل البيت (عليهم السلام) واستدل بما هو موجود في البخاري، الصحيح عندهم، بأن أبا بكر لم يكن في الغار؛ طبعاً آية الغار ليست مدحاً، لقوله تعالى: (فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ) [سورة التوبة، الآية: 40]، حيث أنزل اللّه سبحانه وتعالى سكينته على الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولم يقل: (فأنزل اللّه سكينته عليهما) مع أنه كلما نزلت السكينة على الرسول (صلى الله عليه وآله) في القرآن نزلت على المؤمنين، قال تعالى: (ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) [سورة التوبة، الآية: 26]، و(فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ) [سورة الفتح، الآية: 26]، لكن في هذه الآية خصّ اللّه الرسول بالسكينة دون الصاحب.

(15) سورة النساء، الآية: 65.

(16) الكافي 2: 217؛ المحاسن 1: 259.

(17) انظر: مرآة العقول 9: 167.

ذات صلة

مقوّمات التقدّم من منظور إسلاميالحداثة العربية والشرط التاريخيضوابط الاقتباس من الثقافات الإنسانيةالتحرك الأميركي نحو لبنان: التفاوض تحت النارالمتحضرون والمتوحشون في حرب الإبادة على غزة؟