العلاقة بين الثابت والمتغير
آية الله السيد مرتضى الشيرازي
2018-06-27 06:08
هنا قد يبرز سؤال وهو: (ما هو الرابط بين الزمانيات والمكانيات ـ كالبشر حيث يخضعون لقوانين الزمان والمكان، وهم زمانيون ومكانيون ـ وبين القرآن الكريم، الذي لا ريب في أنه ليس محدوداً بحدود الزمان والمكان، بل هو المهيمن عليهما والحاكم، والذي: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)(1) ولا يغيره مرور الدهور وتحولات العصور؟).
والجواب: إضافة إلى أن الإنسان يتكون من روح وعقل وجسد، وأن الجسد هو الزماني، وأما الروح فهي مجردة على رأي مشهور(2): أن (القيم) ليست زمانية، كما هو واضح، وكذلك (المجردات) وما يتعلق بها، من أصول الاعتقاد وشبهها. ولذا فإن كل فعل ينسب إلى الله تعالى مما يتعلق بصفات ذاته، يجب تجريدها عن الزمن، مثل: (وكان الله عليماً حكيماً)(3).
وأما ما يتزاوج مع الزمان، كـ(التاريخ)، فإنه زماني لكن لا بمعنى أن مرور الزمان يغيّر الحدث، أو الحكاية أو السرد التاريخي، أو يكشف لنا نوعاً من أنواع عدم الصحة أو الدقة؛ لبداهة صحة إخبارات القرآن التاريخية ودقتها اللا متناهية، بل هو زماني بمعنى أن متعلَّق الحديث فيه هو عن الزماني، وكذلك الحال عندما يكون الحديث عن بعض تكاليف الإنسان الفعلية، وكـ(الأحكام) المتغيرة بتغير موضوعاتها لكن هذا التعبير مسامحي؛ إذ لا تغيير في (الأحكام) بل (أحكام هذا الموضوع) هي هذه أبداً، وأحكام ذلك الموضوع هي تلك أبداً.(4)
ثم بعد ذلك نصل إلى حقيقة أخرى هي: أن العلاقة بين اللا زماني (كالقيم والمبادئ الكلية) والزماني (كالإنسان نفسه حيث يراد تنظيم حياته الشخصية والعائلية والاجتماعية) لابد أن تحددها وترسمها (الجسور والروابط) التي قررها الله تعالى بين الزماني واللا زماني، فإنه المحيط بكلا طرفي المعادلة، وهو القادر فقط على تعيين الروابط وتحديد الجسور، إذ كيف للمحدود بالزمان والمكان والظروف والحالات أن يكتشف ويحدد (الروابط) السليمة بين اللا محدود والمحدود؟
ومن هذه الروابط:
قوله تعالى: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)(5) فإنه يشكل الرابط التكاملي بين اللازماني والزماني، وبين الثابت والمتغير.
كما أن من هذه الروابط: (القواعد الثانوية) كقاعدة لا ضرر ولا حرج، كما قال تعالى: (غَيْرَ مُضَآرٍّ)(6) و: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)(7) وكقواعد الاضطرار والإكراه، والتقية، وغيرها.
كما أن من هذه الروابط:
(المحكمات من آياته) قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ).(8)
والحديث عن العلاقة بين الزماني واللا زماني، لا يدخل في صميم محور هذا الكتاب، وهو يستدعي كتاباً مستقلاً، فلنكتف ههنا بهذا القدر.
وبما سبق ظهر وجه جديد لضرورة وجود كلا (الثقلين) والرجوع إليهما معاً، وأن الاقتصار على أحدهما ورفض الآخر أو إهماله، مضادة لتقدير الله وقضائه وحكمته البالغة وهو ـ لبّاً ـ إنكار لهما معاً، وهو كالإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر!