محاولة لترويض العنف.. آليات احتواء الصراع
شبكة النبأ
2016-07-02 07:17
من الممكن تحويل الصراع من صيغته ونزعته الفوضوية التدميرية إلى مسار إيجابي يعود بالنفع على الأطراف المتصارعة، وذلك من خلال التأكيد على أهمية السلام، الذي يولد الأمن والأمان، وذلك من خلال الوفاق الشامل والدائم، والتأكيد على الهوية العربية الإسلامية والدولية، والإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري والتربوي والإعلامي، وتأمين العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص، وتحقيق التكامل العادل والمتوازن لمختلف أطراف الصراع، وتعديل الصياغات على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والأمنية.
تطمح شبكة النبأ المعلوماتية من خلال استطلاع آراء الباحثين والمفكرين والمثقفين، الى تطوير منظومة متوازنة تضم حزمة من الافكار والرؤى، تساعد على تحجيم حالات التصادم والعنف المتبادل بشتى أشكالها واحجامها ومصادرها.. في مجتمعاتنا التي تضج بالصراعات المختلفة والمتراكمة والمتصاعدة. وقد اعددنا أسئلة في هذا الشأن، أسهم في الاجابة عنها عدد من الكتاب، وضعوا افكارهم وتصوراتهم حول إمكانية ترويض العنف.. والسبل التي قد تقودنا الى اعتماد الحوار بدلا من القطيعة التي تؤدي بدورها الى التصادم، وهو ما يقود الى خسائر قد تكون كبيرة للطرفين او الاطراف المتضادة.
إن طبيعة المرحلة واشواط التقدم التي حققتها المجتمعات المتطورة، تجعلنا بحاجة ماسّة لتغيير حالة التصادم والصراع الى التفاهم عبر الاحتواء والاحتكام الى العقل والحوار مهما كانت المشكلات صعبة، فلا سبيل لحل هذه المشكلات سوى الحوار المتحضّر، هذا ما يؤكده النهج السليم والعقل الواعي.
وقد جاءت اجابات الكتاب على النحو التالي، السؤال الاول:
• اذا لم يكن هناك قدرة على إيقاف الصراع، فهل هناك فرصة لتحويل الصراع من صيغته ونزعته (التدميرية)، الى مسار إيجابي يعود بالنفع على الاطراف المتصارعة؟ ما هي الخطوات التي يمكن أن تصب في هذا المسار؟
اجابنا الاستاذ الكاتب ياسر الحسني قائلا:
- من الملاحظ أن الأطراف المتصارعة تستند إلى مفهوم خاطئ تم تبنيه عبر العصور لتبرير الصراع. و هذا المفهوم هو " درء الفتنة". و إلى اليوم، أصحاب أطروحة "درء الفتنة" فشلوا فشلاً ذريعاً في تعريف الفتنة . فلا تكاد تفهم هل يريدون بها معنى "الإبتلاء" أو معنى "الإعجاب و الإفتتان" أو "الإضطراب و تضارب الأفكار" أو "العذاب" أو "الضلال" أو ما شابه ذلك من المعاني. لكن نلاحظ أن أطراف الصراع خاصةً الصراع العقدي ، الذي لا يتعدى كونه إختلافاً إنسانياً طبيعياً إرتقى به المتصارعون إلى صراع حقيقي، سلوكياتهم توحي أنهم يجمعون كل المعاني المذكورة عندما يترجمون الصراع على الأرض. فكأنهم بدرئهم للفتنة يقومون بمحاربة التنوع الإنساني في العقيدة لأنه ضلال، و كذلك لحماية مجتمعاتهم من الإفتتان و الإعجاب بالمخالف، و فرض النمط الصحيح في رأيهم عن طريق إجتثات الأنماط الأخرى. و هذا ما يؤدي بالأطراف المتشددة و التكفيرية للقيام بأعمال قتل في حق الإنسان و تدمير في حق ثراته.
أما الاستاذ الكاتب محمد جواد سنبه الطباطبائي، فقد اجاب عن السؤال نفسه:
أصل الصراع في حياة الانسان نابع من تصادم المصالح، و من ثم يبدأ بالانتقال إلى أوضاع اقل من تلك الخصوصية. ومن أنواع الصراع هو الصراع الديني، الذي يستبطن تبني فكرة عند طرف ما، يعتقد بها ذلك الطرف، بأنها هي الصحيحة و يعتبر الآخرين على خطأ. بدون الرجوع الى عملية النقد الموضوعي، ومنها نقد الذات. وهذا ما يحصل الآن عندما يعبأ اشخاص معينون بفكرة تكفير الآخر. هنا دخل الدين طرفاً بالمعادلة، لذا ينبغي على المؤسسات الاجتماعية والإعلامية والمؤسسات الدينية المعتدلة، اختراق كل الحواجز للوصول الى الطرف المتشدد، لغرض إقناعه ببطلان الفكرة التي يؤمن بها. لكن هذا لم يحصل لحد الآن، بسبب وقوف أنظمة سياسية معينة ترعى التطرف، بوجه أية محاولة تريد تصحيح مسار التطرف. وهنا دخل البعد السياسي، الذي يستثمر الجانب الديني، لتحقيق اهداف سياسية محددة.
الدكتور علي عفيفي علي غازي اجاب من ناحيته عن السؤال نفسه قائلا:
من الممكن تحويل الصراع من صيغته ونزعته الفوضوية التدميرية إلى مسار إيجابي يعود بالنفع على الأطراف المتصارعه، وذلك من خلال التأكيد على أهمية السلام، الذي يولد الأمن والأمان، وذلك من خلال الوفاق الشامل والدائم، والتأكيد على الهوية العربية الإسلامية والدولية، والإصلاح السياسى والاقتصادى والإدارى والتربوى والإعلامى، وتأمين العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص، وتحقيق التكامل العادل والمتوازن لمختلف أطراف الصراع، وتعديل الصياغات على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والأمنية للوصول إلى شكل للتوازن فى الحكم مع إحداث تعديلات طفيفة فى البنية السياسية والاقتصادية لإرضاء جميع الفرقاء، والتأكيد على أن الثوابت الإسلامية تقول بإلغاء الطائفية السياسية، وتحقيق اللامركزية الإدارية والانتمائية الواسعة.
فيما اجاب الكاتب حسن طه حسن الزبيدي عن السؤال الاول قائلا:
- يجب أن ينتهي السياسيون رحلة العناء من خطاباتهم الرنانة وتفريغ أنفسهم لتطبيق هذه الخطابات بشكل ملموس. والصراع لا يولد إلا صراع آخر, والأطراف المشحونة لا يمكن ان تخرج من بوابة ألازمة إلا برضى جميع الأطراف أما الإعلام هو اللاعب رقم واحد في المجتمع, وإذا كان هناك انسجام إعلامي بين المؤسسات الإعلامية فذلك يصب في منفعة المجتمع لفك تلك الصراعات, إضافة ان تكون هناك رقابة على المضمون الإعلامي ومواجهة الاعلام الموجه بالوثائق والبراهين حيث ان مبدأ الوقاية من زيف الاعلام الموجه خير من العلاج عبر التثقيف السياسي للمتلقي.
ثم طرحنا سؤالنا الثاني ومفاده، هل هناك قدرة على ترويض الصراع من خلال دعم ثقافة التنوع، ما هي رؤيتكم في هذا المجال؟
أجابنا الكاتب ياسر الحسني:
- نعم ، الإنسان قادر على تدبير الخلاف و الإختلاف و الدليل هو إمكان تدبيرهما في دول عديدة في أوروبا و امريكا مثلاً. لقد أمكن ذلك إلى درجة أن المسلم أصبح يمارس في هذه البلدان الشعائر الدينية بكل حرية دون إنتقاص أو تقييد أو تحريض على كراهيته. بل إن الأمر أهم من ذلك بحيث أننا نجد إنساناً مسلماً تقمع حريته الدينية في بلد يحكم بمذهبه في حين يتمتع بضمان حريته الدينية في مثل البلدان المذكورة. و هذا من ايجابيات إحترام التنوع و ضمان حق العيش المشترك بين مختلف الأفكار و الإعتقادات الإنسانية.
الكاتب محمد جواد سنبه الطباطبائي اجاب عن السؤال نفسه:
الموضوع يعتمد على بيئة الصراع. فاذا كان الصراع داخلياً فيمكن احتواؤه باستخدام عدة وسائل، منها المؤسسات الدينية، و التجمعات العشائرية، وقوة الدولة باستخدام القانون، كرادع يحمي المجتمع من تأثيرات أي صراع داخلي. لكن اذا كان للصراع بعداً خارجياً فيصعب حل الموضوع، بدون الوصول الى مراكز القرار في تلك الدول، التي تمسك بخيوط الصراع.
فيما اجاب الدكتور علي عفيفي علي غازي عن السؤال الثاني:
- من الممكن أن تؤدي ثقافة التنوع إلى ترويض الصراع من خلال المساهمة في توفير المزيد من فرص حرية الوصول إلى الثقافة التعددية، ودعم بناء القدرات، وهيكلة القطاعات الثقافية والإبداعية من أجل تعزيز الأثر الاجتماعي والاقتصادي، وتحسين استدامة المشرفين والمنظمات المهنية والجهات الفاعلة في القطاعات الثقافية والإبداعية، وحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي على الأصعدة المحلية والوطنية والدولية، وإعادة التأكيد على أهمية العلاقة بين الثقافة والتنمية بما يتماشى مع أهمية الثقافة، ومساهمتها في عملية التنمية، والجهود المبذولة من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية، وتشجيع حرية الوصول إلى مجموعة واسعة من المنتجات الثقافية، والخدمات والأنشطة الثقافية بغية تعزيز التنمية البشرية والاجتماعية عبر الثقافة، وتعزيز قدرات الفاعلين الثقافيين في المجال الثقافي بغية تطوير قطاع ثقافي أكثر استدامة، وحيوية يساهم في النمو الاقتصادي، وتعزيز مشاركة المجتمعات المحلية، وتعزيز قدرات الهيئات العامة المحلية والجهات الفاعلة غير الحكومية، ودعم مبادرات رائدة معينة، والعمل على تعزيز ثقافة الشراكة نحو إعطاء قيمة للتنوع، وإظهار الالتزام من خلال المرونة، وإيجاد الوعي والمهارات: التعلم والتدريب، وقياس وخلق الحوافز، وربط قيمة التنوع بالأهداف الإستراتيجية.
واجاب الكاتب حسن الزبيدي عن الا:
إن المجتمعات المتحضرة تبني حضاراتها على أساس احترام ثقافة الفرد الآخر وتكفل عدم التدخل في خصوصياته في حين إننا نمتلك إرادة التعصب بالرأي أو التمسك المطلق بوجه واحد من الحقيقة التي أرى أنها تنطبق على كثير من الساسة.
وكان سؤالنا الثالث: بات التطرف طريقا يؤدي الى مسالك عديدة للتصادم، فما هو دور التطرف في انتاج التصادم وتصاعده؟
وقد اجاب الاستاذ ياسر الحسني
- يمكن القول أن التطرف يؤدي إلى التصادم، يمكننا أن نقول كذلك بطريقة عكسية أن التصادم يؤدي إلى التطرف. و العلة من ذكر الجانب المعكوس هو تبيان حالة التصادم التي يعيشها المتطرف بما هو هو قبل أن يترجم هذا التصادم على أرض الواقع. و الفكرة تكمن في كون المتطرف يرى العالم المخالف أو المتنوع بعين عدوانية. فلو كان يرى ذلك من منطلق إحترام حق الغير في أن يكون مخالفاً و مختلفاً و منتقداً كذلك، لما عاش حالة الصراع و العدوانية على المستوى الروحي و لما ترجم ذلك على المستوى المادي. ففي نظري الفكر المتطرف لا يعترف لا بقانون التدافع و لا بالتنافس. الفكر المتطرف يحارب العيش المشترك من قاعدة وهمية يرى فيها إستحقاق الهيمنة لنوعه الخاص. ولكي تتحقق هيمنة النوع الواحد المخالفة لطبيعة الإنسان، يلجأ المتصارعون خاصة أصحاب الاديولوجيات العنيفة مثل أصحاب نظرية "التتريس" و"الانغماس" الميكيافيليتين إلى العنف. فيتم فتك المخالف القاصر و المقصر و المؤالف المنغمس بين المخالف المتترس.و هذا ما تفسره ظاهرة الإرهاب و التخريب التي تنخر في جسد عدد من دول المنطقة.
فيما اجاب الاستاذ الطباطبائي عن السؤال نفسه قائلا:
- إن الصراع اشبه ما يكون بصخرة تسقط من قمة جبل شاهق، فكم ستسقط معها من صخور و احجار و اتربة؟. هكذا هو التصادم في حالة عدم احتوائه، فانه ينتقل الى اطراف أخرى انتقال النار بالهشيم.
وقد أجاب الكاتب حسن الزبيدي عن السؤال الثالث نفسه قائلا:
- ان صح التعبير هو التطرف السياسي, فحين يتناول الإعلام حدثاً متطرفاً, بين تطرف يصنعه فئة من المجتمع وتطرف آخر يصنعه قادة الرأي فعند متناول الإعلام تتجاهل تلك الفئة ويعمل على التضخيم والتهويل الإعلامي لدى قادة الرأي لصفوتهم في المجتمع, في اطار الموضوع ومن جانب آخر ان صح التعبير علينا ان نربي اجيالنا على فهم الديانات الأخرى كي لا تنشئ مستقبلاً شخصية استبدادية متطرفة تميل إلى المغالاة في نظرتها للأمور.
سؤالنا الرابع الموجّ للكتاب الذين اسهموا في باب حواريات لهذا العدد:
* ماذا يحتاج المسؤول، السياسي، رجل الدين، الاكاديمي، المثقف، الإعلامي، حتى يكون قادرا على ترويض الصراع.. ماذا يمكن ان نقترح له في هذا المضمار؟.
فأجاب الاستاذ ياسر الحسني:
- إن ما يحتاجه المسؤول السياسي في ترويض الصراع هو العمل على توفير إمكانيات الدولة في التعليم و الإعلام للتحسيس بخطورة هيمنة النوع و دعم كل ما من شأنه تحقيق ثقافة التعايش بين العقائد و الأفكار و ضمان الحريات و منها حرية الفكر و المعتقد و ممارسة الشعائر الدينية. في نفس الوقت يتعين على السياسي العمل على وضع قوانين تجرم الفكر الإستئصالي و الفكر العنيف و محاربة الإرهاب. و يتعين على المثقف و الإعلامي نقد الفكر المتشدد و التحسيس بخطورته و كذا الترويج للحريات و الحقوق المدنية. و أما رجال الدين، و بما أن الأديان بعيدة عن الميكيافيلية و المساومات و الصفقات السياسية، يتعين عليهم الدفاع عن المعتقدات و إحترام حق أصحاب المعتقدات المخالفة في الوجود و العيش المشترك. إن الفتنة التي يخشاها بعض رجال الدين في الحقيقة هي قمع الحقوق و الحريات و ليس العكس. و لا يوجد خط أحمر يفرض به رجال الدين وجهات نظر معينة حول قضايا تاريخية في الحقيقة سوى ما أملته الرهانات السياسية. الخط الأحمر الوحيد الذي يجب العمل لكي لا يتجاوزه أي طرف هو اللجوء إلى العنف.
الاستاذ الطباطبائي من جهته أجاب عن هذا السؤال:
- الكل يحتاج الى خطة عمل مشتركة، يساهم فيها الجميع بوضع الحلول، كل في مجال اختصاصه و عمله، و بدون هذا الجهد الجماعي المشترك، ستتبعثر الجهود وتؤول كل المساعي الى الفشل المحقق. ماذا يمكن ان نقترح له في هذا المضمار؟. من وجهة نظري يجب ان تقوم مؤسسات الدولة المختلفة بالتعاون معاً من جهة، ومن جهة أخرى التعاون من المؤسسات الدينية الرصينة، و وجهاء المجتمع المعني بالازمة. على ان تسير مع ذلك جنباً الى جنب عمل رقابي يحدد بدقة مسؤولية القائمين، باثارة الصراع داخل المجتمع. يصاحب ذلك نشاط قضائي فاعل يقوم بانزال اشد العقوبات بمثيري القلاقل و باسرع ما يمكن. كما يجب ان لا ننسَ دور الانتعاش الاقتصادي في الموضوع، وتأمين الخدمات التي يحتاجها المجتمع. إضافة الى توفير فرص العمل المتكافئة للجميع، و القيام بعملية توعوية كبيرة، تسهم في تنمية الثقافة المجتمعية، و زيادة الوعي الجماهيري، لغرض تحجيم دور أنشطة الصراع، ومن ثم القضاء عليه. والله تعالى من و راء القصد.
الدكتور علي عفيفي قال حول السؤال الرابع:
- حذر الكثير من العلماء في كافة العصور التاريخية من التطرف والمغالاة، لأنه يؤدي إلى نتائج وخيمة يترتب عليها التصادم والصراع، وعلى هذا الأساس فإن التطرف هو مجموعة من المعتقدات والأفكار والتصرفات التي تتجاوز المتفق عليه سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا، فكل تصرف يخرج عن حد الاعتدال هو تطرف، وتعصب المتطرفين لرأي دون أن يسمحوا للآخرين بمجرد إبداء الرأي، والعنف في التعامل والخشونة والغلظة في الدعوة والشذوذ في المظهر، والنظرة التشاؤمية والتقليل من أعمال الآخرين والاستهتار بها، والاندفاع وعدم ضبط النفس، والخروج عن القصد الحسن والتسيير المعتدل، كل ذلك بلا شك يؤدي إلى إنتاج التصادم وتصاعده.