رؤى عبد الإمام: المناهج تعكس انقسام السياسة والدستور لم ينجح في بناء هوية وطنية جامعة

أوس ستار الغانمي

2025-10-16 02:14

في قاعة قسم الفلسفة بكلية الآداب في جامعة الكوفة، جلست الباحثة رؤى عبد الإمام عبد الرزاق تحمل بين يديها رسالتها تسعى إلى تفكيك واحدة من أعقد المعضلات التي واجهت العراق بعد عام 2003: مشكلة الهوية في مناهج التربية العراقية.

فالهوية، كما تقول، ليست مجرد انتماء عابر، بل سؤال وجودي يطارد كل عراقي: من نحن؟ ما الذي يوحدنا؟ وما مصدر شرعيتنا كمجتمع ودولة؟

بين السياسة والثقافة والمدرسة تتوزع خيوط الأزمة، لتتشابك أمام الباحثة في مشهد معقد من المحاصصة، وتنازع الولاءات، وفقدان الاندماج الوطني. ومع ذلك، فإن حديثها لا يقف عند التشخيص فحسب، بل يتعداه إلى البحث في إمكانية أن تكون المناهج التربوية جسراً للمصالحة الوطنية، أو ربما ساحة جديدة لإعادة إنتاج الانقسامات.

في هذا الحوار، نحاول أن نقترب أكثر من رؤيتها حول أزمة الهوية الوطنية، ودور التعليم في صياغة المستقبل، وما إذا كان الدستور العراقي لعام 2005 قد نجح فعلاً في حماية التعددية أم أنه بقي مجرد نصوص لا تجد طريقها إلى الواقع.

لنبدأ من السؤال المركزي: كيف يمكن توصيف أزمة الهوية في العراق بعد 2003: هل هي أزمة ثقافية، سياسية، أم تربوية بالأساس؟

أزمة الهوية هي اضطرابات في الأسئلة الكبرى والتي هي من نحن وما هو ولائنا وما الذي يوحدنا وما هو مصدر شرعيتنا، وكيف يتم توزيع الثروة بين مكونات مجتمعنا. وهنا تختلف الإجابات وتتصارع داخل الدولة وتنعكس هذه الازمة على عدة اتجاهات وهي السياسة والثقافة والمدرسة.

يمكن اعتبار البعد السياسي هو الأكثر تحفيزاً للازمة وذلك لان النظام القائم بعد 2003 والذي يتضمن المحاصصة بين الطوائف والمكونات، أسس لوجود هويات فرعية داخل مؤسسات الحكم وهذا بدوره شكل من اشكال (التوافقية)التي تجعل كل المكونات مشاركة في العملية السياسية هذا بدوره اوجد هويات فرعية متعددة داخل الدولة مما أدى الى اضعاف الهوية الام ، على الرغم من ان دستور 2005 اعترف بالتعدد داخل العراق رسمياً واعترف بوجود لغتين رسميتين لتعليم ووجود حقوق للمكونات الموجودة داخل العراق لكن هذا لم يؤدي الى وجود اندماج وطني حقيقي بسبب الصراع بين المركز و الإقليم هذا أدى الى ان يكون البعد السياسي هو الاثقل في توصيف الازمة .

البعدان الاخران لا يمكن الاغفال عنهما لما لهما من دور أيضا في الازمة، فالبعد الثقافي بعد عام 2003 كان له دوراً مهما في نشر ثقافة التفرع الهويات وذلك من خلال الاعلام حيث ان انتشار القنوات والمنصات المرتبطة بالجهات السياسية والمرتبطة بمحللين داخل العراق وخارجه اخذ يعمق فقاعات الهوية واسهم في ترسيخ الانقسام وتسيس الرموز الدينية والتاريخية في المجتمع. اما الجانب التربوي فقد لوحظ ما عاناه في فترة التسعينات من انهاك للبنى المدرسية والتعليمية وحتى الكوادر التدريسية فقد نالت ما نالته من جراء الحصار الاقتصادي الذي حل على البلاد مما أدى الى تردي واقع التربية و التعليم، اما بعد عام 2003 فقد كفل الدستور العراقي حق الشعب في التعليم وضمن حقوق الأقليات والمكونات في اتخاذ لغتهم لغة رسمية للتدريس الى جانب اللغة العربية إضافة الى حقوق أخرى، ومن البديهي ان التغييرات التي أجريت على المناهج الدراسية انها استبعدت كل ماله صلة بالنظام السابق حيث أصبحت المناهج التربوية تابعة لفلسفة الدولة، فالجانب التربوي اصبح بذلك متأثراً بالجانب السياسي أيضا فهو لم ينشأ هوية وطنية بمسميات فعلية ولكنه حاول ان يؤطر ما موجود من هويات تحت مسمى الهوية العراقية ، فالدولة حين تخضع لنظام المحاصصة تتكيف فيها المناهج والاعلام بما يتلاءم مع الواقع السياسي.

 برأيكِ، ما العوامل الأكثر تأثيرًا في ضياع الهوية الوطنية: الاحتلال، الصراعات الداخلية، أم فشل الدولة في الاعتراف بالتعددية؟

ضياع الهوية الوطنية لم يكن نتاج عامل واحد فقط بل هو حصيلة عدة عوامل مجتمعة وفي مقدمتها الاحتلال والصراعات الداخلية التي تعد الشرارة الأولى في ضعف الهوية الوطنية، لأنه يفرض سرديات جديدة ويزرع الانقسامات ليفتت الشعب ويسيطر عليه ولكن عامل الاحتلال بحاجة الى عوامل أخرى تساهم في ترسيخه لأنه لوحده يبدأ بالتبدد والانحلال ويكون تأثيره على مدى قصير، فتأتي الصراعات الداخلية والتي تعد من اخطر العوامل على المدى الطويل لأنها تزرع التفرقة و الشكوك بين المكونات ، ومن هنا يعم العنف الداخلي ويغيب التوافق الوطني ويسود ضعف المصالح المشتركة. يعد فشل الدولة في الاعتراف بالتعددية عاملاً ذا عمق واستمرارية لان الدولة لم تستطع ان تكون اعترافاً بالمكونات المختلفة يضمن لهم حقوقهم فأخذوا يبحثون عن هويات فرعية أخرى إضافة الى غياب العدالة والمساواة يجعل من الهوية الوطنية مجرد شعار، فالعوامل انفة الذكر والتي تبدأ بالاحتلال الذي يكون بداية الازمة والصراعات تزيد منها حدة، اما الفشل بالاعتراف بالتعددية فأنه يعد العامل الحاسم، بمعنى ان الدولة لو كانت قادرة على إدارة التعددية لاستمرت الهوية الوطنية متعاضدة ومتماسكة.

 هل يمكن اعتبار الهوية العراقية اليوم هوية "ممزقة" بين هويات فرعية، أم "هجين" قابل للتعايش؟

 اليوم تعد الهوية العراقية اشبه بالهوية الممزقة بسبب الانقسامات السياسية والطائفية لكنها في جوهرها هي هوية هجينة قادرة على التعايش لو كانت هناك ادارة سياسية رشيدة تعترف بالتعدديات وتتبنى مشروعا وطنيا جامعا.

 المناهج التربوية غالبًا ما تكون مرآة لسياسات الدولة، كيف انعكس التحول من النظام الشمولي إلى النظام الديمقراطي على بنية هذه المناهج؟

  التحول الذي انعكس في المناهج الدراسية بعد التحول من النظام الشمولي الى النظام الديمقراطية بعد عام 2003 ظهر بصورة جلية في حذف بعض المواضيع التي كانت تمجد النظام الصدامي المقبور، حيث ان المناهج قبل عام 2003 وخاصة منهج مادة التربية الوطنية ومنهج مادة التاريخ التي كانت تدرس في المرحلة المتوسطة ينصب جل اهتمامها بالتمجيد بإنجازات قادسية صدام واظهاره بصورة البطل الاسطورة حيث ان المدرسة او المؤسسة التربوية أصبحت ساحة لتلقين الطلبة بشعارات الحزب المقبور، وأصبحت الفعاليات و الأنشطة المدرسية هي عبارة عن أفكار ورؤية ذلك الحزب مما جعل هذه المؤسسات عبارة عن قاعات لتسيس لا للتعليم، ولا يخفى علينا ان المناهج الدراسية هي تابعة لفلسفة الدولة في وقت من الأوقات لذلك تكون تابعة لسياسة الدولة في أي وقت كان.

 ما أبرز مظاهر "الأدلجة" التي لاحظتها في المناهج قبل 2003، وكيف تغيرت بعد سقوط النظام؟

  كما ذكرنا سابقا ان المناهج الدراسية قبل 2003 كانت تمجد السلطة وتظهر صورة صدام المقبور في الكتب المدرسية ، كانت تظهر الجانب القومي اكثر مما تظهر الهوية الوطنية العراقية ، تفتقر المناهج الى ذكر المكونات الأخرى الموجودة داخل العراق ( الاكرار، التركمان ، الاشوريون) ادخال صور الحرب والحث عليها من خلال المواد الدراسية مثل التربية الوطنية ، اما التغيرات فقد سبق أيضا ذكرها فقد تمثلت بحذف كل ما ذكر انفا من المناهج وإعادة صياغتها بما يظهر التعدديات الدينية وخاصة في مادة التربية الإسلامية و التاريخ و التربية الوطنية و الاعتراف بالمكونات الأخرى وحقوقها وكما اقرها الدستور العراقي لعام 2005.

 كيف تنظرين إلى التعديلات التي أجريت على كتب (التاريخ، التربية الوطنية، التربية الدينية) بعد 2003؟ هل كانت إصلاحًا حقيقيًا أم مجرد معالجة سطحية؟

  التعديلات التي أجريت على كتب التاريخ والتربية الوطنية والتربية الدينية لم تكن حلولا جذرية للمشكلة ولكنها كانت تعديلات سطحية، فعند الاطلاع على كتاب التاريخ لم اجد ذكرا مفصلا للمكونات الموجودة في العراق فقط اكتفت لجنة المناهج بحذف كل المواضيع التي لها علاقة بالنظام السابق كما ذكرنا وكذلك كتاب التربية الوطنية بقيت المناهج كما هي مع حذف كل ماله علاقة بأحداث ما قبل 2003، اما بخصوص كتاب التربية الدينية فكان مقتصرا على مبادئ الدين الإسلامي رغم تعدد الديانات في العراق، فمن المفترض ان يكون الاهتمام بذكر هذه الأديان كالمسيحية والصابئية، وعند اللقاء الذي اجريته في احد الكنائس في البصرة وهي كنيسة البارافرام والتحدث مع المطران في الكنيسة فقد بين ان المناهج الدينية التي يعتمدونها هي مناهج خاصة بهم ولهم مدارس خاصة موقعها في محافظة نينوى بشكل واسع اما بالنسبة للموجودين في محافظ البصرة من الاخوة المسيحيين فكا قوله انهم ينظمون حلقات لدرس التوعوي والارشادي تكون في يوم الجمعة من كل أسبوع. ومما تقدم نستطيع القول ان التعديلات هي تعديلات سطحية ونأمل ان تكون هنالك نظرة أوسع يتخذها أعضاء لجنة المناهج في وضع المناهج الدراسية.  

 هل ترين أن المناهج الحالية تساهم في بناء هوية وطنية جامعة أم أنها ما تزال تعيد إنتاج الانقسامات؟

  المناهج الدراسية بعيدة كل البعد عن بناء الهوية الوطنية والواقع ان الهوية الوطنية هي نتاج الانقسامات كما هو واضح للعيان فأن الإقليم يعد جهة قائمة بذاتها وتكون مفصولة عن العراق مركزيا وادارياً اما الوسط والجنوب فيخضع لحكومة مركزية ولكنه يعاني من انقسامات ونعرات طائفية.

 إلى أي مدى تستطيع المؤسسات التربوية مقاومة تدخل السياسة في صياغة المناهج؟

المعروف ان المناهج الدراسية توضع حسب فلسفة الدولة في أي وقت كان وبهذا فأن هذه المؤسسات التربوية تكون خاضعة لسياسة وهي غير قادرة على مقاومة هذه التدخلات بأي شكل من الاشكال.

 كيف يمكن تحقيق التوازن بين احترام التعددية (الدينية، القومية، الثقافية) وبين ترسيخ الهوية الوطنية الجامعة؟

  الهوية الوطنية هي ليست نقيضاً للهويات الفرعية ( الدينية، القومية، الثقافية) ولكن هي اطار جامع يمنحها مساحة للتعبير والاندماج ويمكن ان نحقق هذا الاندماج من خلال الاعتراف بالتعددية وقد تم ذلك من خلال دستور عام 2005 الذي اعترف بحقوق المكونات جميعها من خلال ممارسة لغتهم الخاصة بهم وطقوسهم وثقافاتهم، ومن الجدير بالذكر ان الهوية الوطنية مبنية على المواطنة لا على الانتماء الديني او القومي، ان الاعتراف بالتعدديات ينتج عنه عدة أمور تعزز الهوية الثقافية كالمناهج التربوية المشركة كمادة التاريخ التي تبرز جميع المكونات ودورها في بناء الوطن دون حصر سردية التاريخ بمكون واحد فقط، وكذلك تعزيز الرموز المشتركة كالأعياد الوطنية والإنجازات التاريخية ، وعلى هذا الأساس فأن تحقيق التوازن يكون عبر جعل الهوية الوطنية مظلة جامعة للتعددية بحيث ان الفرد يشعر انه جزء من كل اكبر دون ان يطلب منه التخلي عن خصوصيته.

 هل نجح الدستور العراقي لسنة 2005 في أن يكون مرجعًا حقيقيًا لإصلاح التعليم والهوية، أم بقيت نصوصه حبرًا على ورق؟

الدستور العراقي لسنة 2005 ضمن حقوق الأقليات والمكونات واعترف بها رسمياً، فقط ضمن لهم حقهم في التعليم بلغتهم الخاصة إضافة الى الاعتراف بمناسباتهم الدينية واعيادهم الخاصة، لكن فيما يخص الهوية بقيت الهويات الفرعية هي الحاجز دون تحقيق هوية عراقية جامعة، فمثلا عند ذكر الاخوة في الإقليم يقال ان هذا المواطن كردي او هذا المواطن عربي، فالاختلاف يكمن في الهوية المناطقية المسيطرة على البلد وهذا كان نتاج الانقسامات الموجودة داخل البلاد.

 كيف تؤثر الهويات الفرعية (الطائفية، القومية، العشائرية) على انتماء الطالب داخل المدرسة؟

  يعد هذا السؤال مهماً جداً لاسيما بعد انتشار الأفكار العشائرية بفترة ضعف البلد، فقد لوحظ ان للسلطة العشائرية في الوقت الحالي الأثر البالغ في قيادة المجتمع العراقي هذا بدوره ظهر جلياص في انتماءات الطالب المختلفة فلوحظ ان الطلبة داخل المدرسة صبحوا يتداولون مصطلحات عشائرية وطائفية وقومية كانت غائبة في الفترات السابقة خاصة في فترة ما قبل عام 2003 ، فالطالب لم يكن يعرف النعرات الطائفية و لا القومية ولا العشائرية ، هذا يعد نتاج التربية داخل المنزل وبيئة الطالب التي انحدر منها والتي أدت الى ضعف سيطرة المدرسة على الجانب التربوي للطلبة لاسيما وان الكوادر التربوية و التعليمية داخل العراق أصبحت عرضة للاعتداء من قبل بعض أولياء الأمور مما أدى الى ضعف في بنية المؤسسات التربوية وسيطرة الهويات الفرعية، كل ذلك يعود الى الانقسامات داخل البلد.

برأيكِ، ما الدور الذي يمكن أن يلعبه المعلم في إعادة بناء الهوية الوطنية إلى جانب المناهج؟

   يعد المعلم هو الوسيط الحي الذي يترجم ما مكتوب في المناهج الى قيم حية في نفوس الطلاب، فهو لا يقل أهمية عن المنهج في بناء الهوية الوطنية. فللمعلم جانب تربوي في غرس قيم المواطنة والانتماء والاحترام المتبادل من خلال سلوكه اليومي ، فيجب ان يكون قدوة يقتدي به الطلاب خاصة و ان الطالب يرى في المعلم قيمة مثلى لا يمكن ان تخطأ، اضافة لذلك يجب على المعلم تعزيز فكرة ان الهوية الوطنية لا تتناقض مع التعددية الثقافية و الدينية بل تحتويها، ومن الواجب على المعلم ايضاً تبسيط المفاهيم الوطنية كـ ( الدستور، المواطنة، الحقوق و الواجبات) وربطها بواقع حياة الطلاب وذلك يتأتى من خلال دوره التعليمي و المعرفي الذي من خلاله يستطيع خلق بيئة مصغرة عن الوطن داخل القاعة الدراسية بحيث ينشر روح السلم و التعايش مع الاخر إضافة الى نشر مبدأ العدالة و المساواة بين الطلبة ومشاركتهم بأنشطة طلابية تعزز حس العمل المشترك.

 هل يمكن للتربية أن تكون جسرًا للمصالحة المجتمعية في العراق، أم أن الأمر يحتاج إلى إصلاح سياسي أولًا؟

لا يخفى دور التربية في هذا الجانب خاصة اذا كان الكادر التربوي متحلياً بروح وطنية عالية مضافاً الى ذلك روح المعلم وشعوره بالمسؤولية تجاه وطنه وابتعاده عن النعرات الطائفية، لكن الجانب الأكبر في المصالحة المجتمعية في العراق يعتمد على الإصلاح السياسي بالدرجة الأولى، وذلك يتم من خلال طرح فلسفة تربوية خاصة تحث على تدريس مبادئ وقيم أخلاقية خاصة تجمع بين روح المواطنة وسياسة الدولة.

 إذا أُتيح لكِ تعديل المناهج العراقية اليوم، ما أول ثلاث خطوات ستقومين بها؟

1_ إضافة مواد جديدة تعرف الطلبة بالمكونات والأقليات الموجودة داخل البلد ودياناتهم بحيث يصبح الطالب على معرفة كاملة وصحيحة بهذه المكونات.

2_الابتعاد عن بعض المواد التي تشتت الطالب والتي تكون مواد مطولة تجعل من الطالب حافظا للمادة دون استيعابها.

3_ التوجه للجوانب العلمية والأنشطة المختبرية التي تجعل الطالب راغبا بالدرس لا نافرا منه.

 ما تصوركِ لمستقبل الهوية الوطنية في العراق خلال العقدين القادمين؟ وهل ترين أن التربية قادرة على إنقاذها؟

مستقبل الهوية الوطنية في العراق خلال العقدين القادمين يبقى مرهوناً على الاتجاهات السياسية والصراعات الطائفية ومن غير الممكن للتربية وحدها ان تكون هي المنقذة للهوية الوطنية مالم تكون هنالك مصالحة وطنية بين اقطاب النظام السياسي في العراق.

 كيف يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى (مثل ألمانيا أو كندا أو لبنان) في إدارة التنوع وصياغة هوية وطنية داخل مناهجها التعليمية؟

  تعد مسألة إدارة التنوع وصياغة هوية وطنية جامعة ليست شأناً محلياً فقط بل هي تجربة عالمية، ولكل دولة ادواتها في إدارة هذه التجربة، ويمكننا الاستفادة من تجارب هذه الدول على النحو الاتي، ففي المانيا بعد الحرب العالمية الثانية نشأت ازمة هوية عميقة نتيجة النازية وانقساماتها الى شرقية وغربية وايضاً الهجرة وتحدياتها، فكانت لهم رؤية في الية التعليم فقد ادخلوا التربية على المواطنة الديمقراطية كمحور أساسي في المناهج وركزوا على حقوق الانسان والتسامح وقبول الاخر كأساس للهوية الألمانية الجديدة وهذا ما استفدنا منه في وضع الدستور العراقي لعام 2005 .

أما عن كندا فلتنوع الموجود فيها نتيجة الهجرة الكبيرة اليها نتج تنوعاً عرقياً وديناً ولغوياً وقد اعتمدت الدولة في التعليم التعددية الثقافية كمبدأ دستوري ينعكس في المناهج، واخذت الدولة تعتمد التنوع مصدر قوة في تدريس الطلاب وإعطاء كل جماعة مساحة للتعبير عن ثقافتها ضمن إطار المواطنة الكندية، وما يمكننا الاستفادة منه هو تضمين المناهج قصص نجاح التنوع، لا الاكتفاء بخطاب الوحدة التقليدي. تعد بنان بلد متعدد طائفياً ومذهبياً واجه ازمة هوية وصراعات أهلية وكانت الية التعليم لديهم هي الاعتماد على التربية المدنية لترسيخ فكرة العيش المشترك بدلاً من هوية قومية موحدة، ان أهمية وجود سياسية موحدة لصياغة مناهج مشتركة والا ستبقى الهوية الوطنية رهينة الانقسامات ويجب معالجة الانقسام التاريخي لأنه إذا ترك سوف يزيد من انتاج الصراع.   

بعد رحلة طويلة في دهاليز الهوية العراقية، يتضح من حديث الباحثة رؤى عبد الإمام عبد الرزاق أن الأزمة ليست وليدة ظرف عابر ولا نتيجة عامل واحد، بل هي حصيلة تراكمات سياسية وثقافية وتربوية متشابكة. فالهوية الوطنية، كما ترى، ما زالت تبحث عن مظلة جامعة تتجاوز الانقسامات الطائفية والولاءات الفرعية، وتستعيد مفهوم المواطنة بوصفه حجر الأساس لأي مشروع وطني حقيقي.

لقد حملت المناهج التربوية في طياتها انعكاساً مباشراً للواقع السياسي المتقلب، فتارةً تُستغل كأداة أيديولوجية، وتارةً تُقدَّم في صورة إصلاحات سطحية لا تمس جوهر الأزمة. وبين هذين الحدّين، يبقى السؤال مفتوحاً: هل تستطيع التربية أن تنقذ ما عجزت عنه السياسة، أم أن المصالحة المجتمعية لن تتحقق إلا بإصلاح سياسي عميق يضع الهوية الوطنية في صدارة الأولويات؟

ما لا شك فيه أن العراق يمتلك فرصة لأن يجعل من تنوعه الثقافي والديني مصدر قوة لا عامل ضعف، وأن يجعل من المدرسة والمعلم نقطة انطلاق نحو بناء وعي جديد، وذاكرة مشتركة تصون الماضي وتفتح الأفق أمام المستقبل.

ويبقى الأمل أن تتحول الهوية العراقية من كونها أزمة متنازعة إلى مشروع وطني جامع، تشترك في صناعته الأجيال القادمة عبر التربية الواعية والإرادة السياسية الرشيدة.

ذات صلة

خيرُ الأقوال ما قِيلَ وتمَّ تطبيقههل سيصمد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة طويلا؟الانتخابات طريقنا لإصلاح الواقعتحالفات عابرة للقومياتالأخلاق كفلسفة أولى، مقاربة أكسيولوجية