شبكة النبأ تستضيف الشرماني: وصفة تربوية لموازنة العالم الرقمي والواقعي

أوس ستار الغانمي

2025-07-19 11:13

في زمنٍ تحوّل فيه الكمبيوتر من أداةٍ ترفيهية إلى رفيقٍ يومي لأطفالنا ومراهقينا، تبرز أسئلة ملحّة عن تأثيراته العميقة على صحتهم النفسية وتطورهم الاجتماعي. اليوم نستضيف المدرس المساعد رحاب مهدي الشرماني، التدريسية في كلية التربية الأساسية بجامعة الكوفة، ومن خلال خبرتها الميدانية في مركز الارشاد الاسري، لنتناول سويًا هذه القضية الشائكة بأبعادها العلمية والتربوية. 

ستأخذنا ضيفتنا في رحلةٍ نكشف خلالها: 

- كيف يتحوّل الكمبيوتر من نافذةٍ على العالم إلى جدارٍ يعزل أطفالنا عن واقعهم؟  

- ما العلامات الخفيّة التي تنذر بتحول الاستخدام إلى إدمانٍ رقمي؟  

- وكيف يمكننا كأهلٍ ومربين تحويل هذه الأداة إلى حليفٍ لتعلمهم ونموهم النفسي؟  

من خلال خبرتها الميدانية في وحدة الإرشاد والتوجيه التربوي، ستشاركنا رؤىً عمليةً وتجاربَ حيةً تلامس تحديات العصر الرقمي، وتقدم إجاباتٍ واضحةً تساهم في حماية أبنائنا مع الحفاظ على فوائد التكنولوجيا، نرحب بكم في هذا الحوار الذي يجمع بين التحليل العلمي والنصائح التربوية، لنرسم معًا خريطةً لاستخدامٍ واعٍ يحفظ التوازن بين عالمين: الرقمي والواقعي.

كيف يمكن أن يؤثر الاستخدام المفرط للكومبيوتر على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين؟

 في العصر الرقمي الحديث، أصبح الكمبيوتر جزءا لا يتجزأ من حياة الأطفال والمراهقين، سواء في التعليم أو الترفيه أو التواصل الاجتماعي ورغم الفوائد العديدة التي يوفرها هذا الجهاز من تعزيز المهارات الرقمية وتوسيع مصادر التعلم، إلا أن الاستخدام المفرط له قد يترك اثار سلبية على الصحة النفسية للأطفال والمراهقون منها.

1. الانعزال الاجتماعي وفقدان المهارات الاجتماعية: قضاء ساعات طويلة أمام الشاشة تؤدي إلى تقليل فرص التواصل الواقعي مع الأهل والأصدقاء، مما قد يُضعف المهارات الاجتماعية وقد يعاني بعض الأطفال من مشاعر الوحدة والانفصال عن محيطهم الحقيقي.

2. التوتر والقلق والاكتئاب

3. اضطرابات النوم: استخدام الكمبيوتر لفترات طويلة، خصوصًا قبل النوم، يؤثر سلبا على جودة النوم.

4. نقص النشاط البدني وتدني: الجلوس الطويل أمام الكمبيوتر يقلل من النشاط البدني.

5. الإدمان الرقمي وتأثيره على التحكم بالسلوك: حيث يشعر الطفل أو المراهق بعدم القدرة على التوقف عن استخدام الكمبيوتر، حتى لو كان ذلك يؤثر سلبا على دراسته أو حياته الاجتماعية.

ما العلامات التي تشير إلى أن استخدام الكومبيوتر أصبح إدمانًا أو مشكلة نفسية؟

ـــ عدم القدرة على تقليل مدة استخدام الكومبيوتر رغم المحاولات المتكررة.

ـــ قضاء طويل أمام الشاشة دون إدراك.

ـــ تراجع الأداء في الدراسة أو العمل

ـــ اهمال المهام اليومية.

ـــ الاهتمام بقضاء وقت على الكومبيوتر أكثر من فضاء الوقت مع العائلة او الاصدقاء.

ـــ الشعور بالتوتر والقلق عند عدم استخدام الكومبيوتر.

ـــ ظهور مشاكل صحية مثل (اضطرابات النوم، آلام في الرقبة، قلة النشاط البدني وزيادة الوزن).

ـــ عدم الاهتمام بالأنشطة الاخرة.

كيف يمكن توظيف الكومبيوتر لتعزيز التعلم والنمو النفسي الإيجابي؟

 - استخدام الكومبيوتر كوسيلة تعليمية تفاعلية

-في حل المشكلات 

-التعلم التعاوني

-البحث العلمي

-التعلم الايجابي من خلال:

 مشاهدة فيديوهات تطوير الشخصية.

-تعلم مهارات التواصل من خلال الدورات والورش الرقمية.

- كتابة اليوميات الإلكترونية.

- المشاركة في الكروبات التعليمية عبر المنتديات أو مجموعات فيسبوك.

ما دور التربويين في تنظيم استخدام الطلاب للتكنولوجيا؟  

- توجيه الطلبة على كيفية استخدام التكنولوجيا كأداة للتعلم وليس وسيلة للترفيه فقط.

-تعليم الطلبة على كيفية استخدام الاجهزة.

 - غرس المبادئ عند الطلبة، مثل احترام الخصوصية، وعدم التنمر الإلكتروني.

 - دمج التكنولوجيا في التعليم (مثل استخدام العروض التفاعلية، التعلم القائم على المشاريع، لاختبارات الإلكترونية).

- تشجيع التعلم الذاتي والتعاون الرقمي.

ما المعايير الصحية (الزمنية، السلوكية) التي تنصحين بها لاستخدام الكومبيوتر يوميًا؟

وفقًا لإرشادات منظمة الصحة العالمية (WHO)، تُوصي باتباع معايير صحية زمنية وسلوكية عند استخدام الكمبيوتر.

المعايير الزمنية 

- أقل من سنتين: لا يسمح باستخدام الشاشات

- من 3 إلى 5 سنوات: يُوصى بتحديد وقت الشاشة إلى أقل من ساعة يوميا، مع التركيز على المحتوى التعليمي والتفاعلي، ومشاركة الوالدين في المشاهدة لتعزيز الفهم والتفاعل.

- من 6 إلى 12 سنة: يُنصح بتحديد وقت الشاشة إلى ساعتين يوميًا كحد أقصى، مع مراعاة أن المحتوى يكون ذا جودة عالية ومناسب للعمر.

13-18 يستخدم لمدة ساعتين

 - الراحة البصرية: تطبيق قاعدة 20-20-20: كل 20 دقيقة، انظر إلى شيء يبعد 20 قدما (حوالي 6 أمتار) لمدة 20 ثانية لتقليل إجهاد العين.

 -الراحة الجسدية: أخذ فترات راحة قصيرة كل 30-60 دقيقة للوقوف والتحرك، مما يساعد في تقليل التوتر العضلي وتحسين الدورة الدموية.

 - الوضعية الصحيحة: ضبط ارتفاع الشاشة بحيث تكون في مستوى العين، مع الحفاظ على استقامة الظهر والرقبة لتجنب مشاكل العمود الفقري.

 - تجنب الشاشات قبل النوم: يُنصح بتجنب استخدام الشاشات قبل ساعة على الأقل من النوم، حيث أن الضوء الأزرق المنبعث منها قد يؤثر على جودة النوم.

 - الأنشطة البديلة: تشجيع الأنشطة البدنية والقراءة والأنشطة الاجتماعية كبدائل صحية لاستخدام الكمبيوتر المفرط.

كيف يمكن للأسرة وضع قواعد توازن بين استخدام الكومبيوتر والأنشطة الأخرى؟

 من خلال وضع القواعد الأسرية واضحة 

- تحديد أوقات مخصصة للشاشات.

-عدم استخدام الكومبيوتر في اوقات الطعام وغرف النوم.

-استخدام جدول يومي.

-ممارسة الرياضة، ألعاب حركة في المنزل أو الحديقة.

-القراءة، الرسم، الأشغال اليدوية، الطبخ معا.

-قضاء وقت عائلي بدون استخدام الاجهزة 

كيف يؤثر الاعتماد على الكومبيوتر في تكوين المهارات الاجتماعية والعاطفية؟

 في الوقت الحاضر أصبح الكومبيوتر أداة لا غنى عنها في جميع مجالات الحياة، من التعليم والعمل إلى الترفيه والتواصل الاجتماعي ومع هذا الانتشار الواسع، أصبح من الضروري دراسة تأثير هذا الاعتماد المتزايد على الكومبيوتر في تكوين وتطور المهارات الاجتماعية والعاطفية، خصوصا عند الأطفال والمراهقين الذين يشكّلون الفئة الأكثر تأثرًا بتغيرات التكنولوجيا لان  الكومبيوتر سلاح ذو حدين. فهو من جهة أداة قوية للتعلم والتواصل، ومن جهة أخرى قد يشكل عائقا أمام تنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية إذا ما أُسيء استخدامه.

 لذا تقع على عاتق الأهل والمربين مسؤولية توجيه الجيل الناشئ نحو الاستخدام الواعي والمسؤول للتكنولوجيا، بما يضمن توازنا بين الكفاءة الرقمية والنضج العاطفي والاجتماعي وتحقيق ايجابيات من خلال التواصل الرقمي للأفراد للتعبير عن أنفسهم ومشاركة أفكارهم ومشاعرهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي و توسيع المدارك الثقافية التي تفتح المجال للتعرف على ثقافات وآراء متنوعة، مما يعزز التسامح والانفتاح على الآخر.

ما رأيكِ في ظاهرة العزلة الاجتماعية بسبب العالم الرقمي؟

استخدام العالم الرقمي هي ميكانزم دفاعي يعتمده الانسان لتجنب الالم بسبب ضغوط الحياة فهو مخدر يعمل على ابعاد الانسان بصورة موقته عن التفكير في مشاكلة وايجاد الحلول المناسبة لها  

من المفترض أن تسهل التكنولوجيا تواصلنا، لكن الواقع يقول غير ذلك فبدلا من تعزيز العلاقات، تحولت الكثير من تفاعلاتنا إلى مجرد ردود آلية، إعجاب على منشور، أو رسالة قصيرة.

 العلاقات التي كانت تبنى على الحوارات الطويلة واللقاءات الجميلة، أصبحت تُختزل في رموز تعبيرية أو صور عابرة.

في مشهد متكرر، تجتمع العائلة أو الأصدقاء في مكان واحد، بينما ينشغل كل فرد بعالمه الرقمي هذه العزلة لا تتعلق فقط بالابتعاد عن الآخرين، بل أيضا بفقدان القدرة على التفاعل الإنساني الحقيقي وبينما تبدو الحياة الرقمية ملاذًا للهروب من ضغوط الواقع، فإنها تُنتج في كثير من الأحيان وحدة صامتة يصعب كسرها.

 فالإفراط في التفاعل الرقمي يُضعف المهارات الاجتماعية، مثل الإصغاء، والتعاطف، والتواصل غير اللفظي. هذا التأثير يمتد إلى الأطفال، حيث يُلاحظ تأخر في النمو الاجتماعي لدى من يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات.

اليوم ليس المطلوب أن نرفض التكنولوجيا، فهي جزء أساسي من حياتنا، بل أن نتعامل معها بوعي ونضج. الحل يكمن في خلق توازن صحي بين العالمين الرقمي والحقيقي. يمكن تحقيق ذلك من خلال تخصيص أوقات خالية من الأجهزة، تشجيع اللقاءات الواقعية، وتعليم الأطفال مهارات التواصل الإنساني إلى جانب المهارات التقنية.

هل يمكن أن يصبح الكومبيوتر وسيلة لتعزيز التواصل الأسري؟

  نعم لان التكنلوجيا، في جوهرها، محايدة؛ هي أداة في يد من يستخدمها وهنا تظهر الإمكانية الحقيقية في تحويل الكمبيوتر من عنصر يُباعد، إلى جسر يُقرب.

يمكن للعائلة أن تنخرط في أنشطة جماعية عبر الكمبيوتر، كتحرير فيديوهات الذكريات، أو إنشاء ألبوم صور عائلي، أو حتى تعلم البرمجة أو التصميم معا هذه الأنشطة لا تُنمّي المهارات فحسب، بل تعزز روح التعاون والمشاركة.

ايضا تحديد أوقات لاستخدام الكمبيوتر كوسيلة جماعية، وليس فقط فردية واختيار أنشطة أو برامج تناسب جميع الأعمار، وتحفّز الحوار.

 تعليم الأبناء كيفية استخدام الكمبيوتر بطريقة متوازنة، دون إدمان أو انعزال.

 كيف نتعامل مع ظاهرة التنمر الإلكتروني أو المحتوى غير المناسب عبر الشاشات؟

- تقوية الوازع الديني منذ الصغر، وتعليمهم التسامح والمساواة والاحترام والمحبة والتواضع والتعاون ومساعدة الضعيف. 

- تعزيز الثقة بالنفس وقوة الشخصية لدى الأطفال. 

 - بناء علاقة صداقة مع الأبناء واستخدام الحوار المفتوح حتى يشعر الاطفال بالراحة مع  الأهل. 

- متابعة السلوكيات المختلفة للأبناء في سن مبكرة والوقوف على السلوكيات الخاطئة ومعالجتها. 

- مراقبة الأبناء بطريقة غير مباشرة على الإنترنت والانتباه لأي علامات غير عادية. 

- الانتباه إلى أي علامة من علامات التنمر المذكورة سابقاً في حال ظهرت على الطفل والحديث معه على الفور بهدوء. 

كأخصائية نفسية تربوية، ما أكبر تحدي لاحظتيه في تعامل المرضى مع التكنولوجيا؟

من أبرز التحديات التي لاحظتها في تعاملي مع المراجعين خصوصًا الأطفال والمراهقين هو:

- تشتت الانتباه في المهام الدراسية أو اليومية.

- قلة النوم بسبب الاستخدام الليلي المكثف للأجهزة.

- زيادة القلق والتوتر نتيجة التواجد المستمر على وسائل التواصل الاجتماعي ومقارنة الذات بالآخرين.

-انخفاض في مستوى الذكاء

 - عزلة اجتماعية وانخفاض التفاعل الاجتماعي.

-تحديات تربوية كثير من الأهل لا يمتلكون الأدوات أو المعرفة للتعامل مع أبنائهم في هذا السياق فإما أن يُترَك الطفل دون رقابة، أو يُمنَع تمامًا من استخدام التكنولوجيا، مما يخلق صراعا وتوتر بين الطرفين.

- المحتوى غير المناسب بسبب قلة الوعي لدى الأطفال والمراهقين بمخاطر الإنترنت، كالتنمر الإلكتروني، المحتوى العنيف أو الجنسي مما يخلق ازمة نفسية قد لا يُعبَّر عنه بسهولة.

 هل لديكِ تجربة عملية ناجحة في مساعدة أسرة على تعديل استخدام الكومبيوتر؟

الحالة:

أسرة من أب وأم وطفل واحد (12 سنة) يقضي الطفل يوميا أكثر من 6 ساعات على الكمبيوتر في مشاهدة فيديوهات يوتيوب عشوائية. 

المشاكل التي كانت تعاني منها العائلة

- الطفل يرفض التوقف عن اللعب بسهولة.

-عندما يمنعون الطفل يتصرف بنوبات غضب وصراخ.

-شعور الوالدين بالذنب إذا حاولوا تقليل الوقت لأن الطفل وحيد ويشعر بالملل.

-ضعف في التحصيل الدراسي.

خطوات العلاج:

1. تقليل الاعتماد على الحظر المباشر.

 فتح حوار مع الطفل ساعد على تقليل الصدامات.

2. جدول مخصص للطفل وتحديد الاوقات يحتوي الجول على:

- فترات للعب.

- وقت للدراسة.

-تحديد المواقع التي يستخدمها الطفل من خلال ربط الموبايل بموبايل الوالدين

 - نشاط خارج البيت (حتى لو كان مشيًا بسيطًا مع أحد الوالدين).

- وقت اختيار حر يتاح فيه له استخدام الشاشة كما يشاء — بشرط الالتزام بباقي الجدول.

علقوا الجدول على الحائط، وطلبت من الطفل المشاركة في تلوينه وكتابته بخط يده ليشعر بالملكية

3. المكافآت الذكية من خلال انشاء بطاقات يحصل عليها الطفل مقابل تنفيذ الجدول

كل 4 نقاط = نشاط مفضل (مثل اختيار وجبة أو ساعة إضافية للعب في نهاية الأسبوع).

لقد أضاءت لنا الأستاذة رحاب مهدي الشرماني في هذا الحوار الثري زوايا مهمة في علاقة أطفالنا ومراهقينا بالعالم الرقمي، مقدمةً رؤية متوازنة تجمع بين التحذير من المخاطر واستثمار الفرص. فكما أوضحت ضيفتنا الكريمة، التكنولوجيا ليست شراً مطلقاً ولا خيراً كاملاً، بل هي أداة تتشكل حسب طريقة استخدامنا لها.

من خلال النقاش، تبيّن لنا أن الحل لا يكمن في المنع الكلي، بل في التوجيه الذكي والمراقبة الواعية. حيث يمكن تحويل شاشات الكمبيوتر من أدوات عزلة إلى جسور تواصل، ومن مصادر إلهاء إلى منصات تعلم، إذا ما أحسنا توظيفها ضمن ضوابط واضحة.

ختاماً، يبقى التحدي الأكبر هو كيف نربي جيلاً يجيد التعامل مع التقنية دون أن تفقده إنسانيته، جيلاً يحافظ على تواصله الواقعي بينما يستفيد من إمكانات العالم الافتراضي. وهذا ما تحتاجه أسرنا ومؤسساتنا التربوية لتحقيقه عبر التوعية المستمرة والحوار المفتوح.

شكراً للأستاذة رحاب على هذه الرؤى الثاقبة، وشكراً لكم متابعينا الكرام على مشاركتكم باهتمامكم هذا الموضوع الحيوي الذي يمس مستقبل أجيالنا.

ذات صلة

العفو وبناء السلم الأهلي‏حرائق متكررةٌ وذاكرةٌ مثقوبةدعاء الإمام زين العابدين(ع).. التحول من البغضاء إلى المحبَّةحرب السويداء.. هل كشفت عن صراع المصالح الخفي بين إسرائيل والولايات المتحدة!الازمة النفسية ومعالجتها في عهد الامام السجاد (ع)