الدكتور عقيل مهدي يوسف في حوار مع النبأ: المسرح جامعة مفتوحة للشعوب الحضارية

علي حسين عبيد

2021-08-25 03:31

الشعوب الحية تتميز بمبدعيها، واستمرارية الإبداع الذي يرفد المجتمع برؤى متطورة، تواكب ما يستجد في ساحة الإبداع العالمية، وتعدّ الفنون المسرحية من أخصب حقول الأفكار المبتكَرة، لدرجة أن كثيرا من المهتمين بالمسرح وبعضهم قامات عالمية لا تُبارى، أكدّوا بأن المسرح يمتلك مقومات كبيرة لتطوير المجتمعات والأمم.

القامة المسرحية العراقية الشاهقة، المتمثلة بالدكتور عقيل مهدي الذي شغل مناصب عديدة تُعنى بالفنون المسرحية، وآخرها عميد كلية الفنون الجميلة في بغداد، يمتلك سِفْراً مسرحيا أخّاذا، بل ولا نبالغ إذا وصفنا مسيرته مع المسرح (تأليفا، وإخراجا، وتدريساً) بأنها من أهم المنجزات المسرحية التي منحت المسرح العراقي تذاكر سفر عديدة تحلّق به إلى مراتب وقمم عالية بين المسرح العربي، كيف لا وقد ناهزت مؤلّفاته السبعين مؤلَّفا، بحث في شؤون ومناحي الفنون المسرحية كافة.

وقد أبدع الدكتور عقيل مهدي في استلهام سيرة الإمام الحسين (ع)، وكتب ثلاث نصوص مسرحية فيها، هي: (الحسين الآن) و(الحسين في غربته) و(الحسين كما نراه)، قدّم فيها رؤية مسرحية معاصرة للموقف المبدئي الراسخ الذي ثبت عليه سلسل الدوحة المحمّدية المباركة، عن هذه النصوص المسرحية الثلاثة وعن مسيرته المسرحية المتفردة، وعن خفايا وظواهر المسرح العراقي المعاصر.. كان لشبكة النبأ المعلوماتية هذا الحوار الدكتور عقيل مهدي يوسف:

س: هل يحتاج الممثل أو المخرج للنظرية أم للتطبيق العملي لصقل موهبته؟

ج: بالتأكيد يحتاج الممثل أو المخرج لكلا العمليتين في التنظير والتطبيق، ليستكمل فيهما صقل موهبته وحضوره الحاسم في العرض المسرحي، للارتقاء بالحاسة التذوقية والجمالية للعرض، والتدريب المنهجي على امتلاك أسرار هذا التقديم وخصوصياته ومتطلباته. ولكل مخرج نظرية عرض عن الأنواع والأجناس الدرامية ومحفزاتها واتجاهاتها التي يُعنى بها المخرج في أسلوبه المسرحي، بطريقة تداولية ملموسة، وكذلك هناك فرق ما بين البعد النظري لممثل عارف وفاهم وبين أداء لممثل يجهل تجليات النظرية المطلوب تحققها عملياً، وهذه العلاقة تشبه البُعد النظري (للحق) في علاقته العضوية مع (الواجب) العملي.

قطعاً لا يمكن للممثل أن يفصل الجانب التطبيقي المهاري من الجانب النظري في عملية (اتصالية) ما بين الجانبين، محاولاً استثمار النظرية في تفاعلها مع أداءه الفعلي المادي، تبعاً لـلموجهات الإخراجية الأسلوبية للمخرج، وبالتالي يكون عمل الممثل (متوسطاً) ما بين التأمل الذهني والجانب التقني السلوكي في الأداء.

حيث يتعين عليه من خلال هذا الربط أن يقدم صورةً (للدور) بطابع فني مميّز ومختلف عن أدواره السابقة في حرص أيضاً على عدم تكرار صورة هذا الأداء في أدواره اللاحقة، فلكل دور مسرحي أبعاد مختلفة في المظهر والمخبَر.

س: ما الخطوات المطلوبة لإعادة المسرح الجاد الى طريق الصواب؟

ج: ينبغي أن يضع الخبراء المسرحيون خططاً، تقوم على مبادئ، وأهداف، وإجراءات عملية مترابطة ودقيقة لتشكيل الظاهرة المسرحية المنشودة، بأدوات مادية بشرية، وإنتاجية مالية، ودعم حكومي للفرق الوطنية الرسمية، والفرق الأهلية، تضم أيضاً عروض المسرح الجامعي الأكاديمي والمعاهد الفنية والمسارح الخاصة بالأطفال والكبار لرعايتها بشكل جاد ومعمّق.

س: هل يمكن للمسرح أن يصنع ثقافة ترتقي بالمجتمع؟

ج: غالباً ما تراهن الشعوب الحضارية المتقدمة، على اعتبار المسرح، جامعة مفتوحة للشعب، لكي يرتقي المسرح لثقافة الجمهور الوطنية والإنسانية.

س: كيف تنظرون للتجربة المسرحية في كربلاء المقدسة؟

ج: يمتاز الوسط الكربلائي بخبرته وريادته في المسرح بشكل عام، فضلاً عما يدخره مثقفو المدينة المقدسة وأدباؤها وفنانوها من قدرات إبداعية لمواصلة المنجز الذي حققه هؤلاء الكبار الذين سبقوهم لإقامة أنشطة وفعاليات وعروض مسرحية ومسابقات لأفضل نص وأفضل إخراج، وكذلك عقد جلسات نقدية وإدارية تستعرض طبيعة النشاط المسرحي وآفاقه.

س: هل (محمد علي الخفاجي وعبد الرحمن الشرقاوي وعبد الرزاق عبد الواحد ورضا الخفاجي)، نجحت تجاربهم على المستوى الإبداعي؟

ج: هؤلاء هم الرواد في تأسيس وعي متقدم درامياً في تناول سيرة الإمام الحسين (ع) واجتهدوا ما اقتضاهم الوسع في طروحاتهم الدرامية المتفوقة في لغتها الأدبية بشكل واضح وبدت منحازة للنص في سياقه الأدبي، لكنها تركت (الفضاء الإخراجي) مفتوحاً غير مقنّن، وحرّ لمن سيتعيّن عليه القيام بإخراج نصوصهم الأدبية المتميّزة المتفوّقة، بجمال حواراتها وتماسكها المنطقي اللغوي في بعده الإنساني والفقهي – العقائدي، الملتزم بالطابع المقدس.

غالباً ما يذكر الباحثون، ومنهم (الأجانب) حين يتناولون الظاهرة الخاصة بمأساة الحسين، ومن وجهة نظر أكاديمية، بأنها مظاهر شبه درامية وممهدة لقيام نمط درامي وفرجوي مميّز بطابعه الفولكلوري وشعائره وطقوسه ولغته التي تجمع ما بين (الراوي)، وإعادة تمثيل الحدث بلغة فصيحة في الغالب، مشوبة بلهجات محلية، وتقدم هذه (الفرجة) في ساحات عامة مفتوحة، وعلى خلفية من مناظر ديكورية، بأدوات ترميزية بسيطة، كالخيمة والبيرغ والسيف وسواها، لتقريب (تراجيديا) الواقعة التاريخية بهذه الأبعاد الإشارية والحوارية، متنقلة من موقع الإمام الحسين، ومعسكر ابن زياد العدو الأموي، ولكل من هذين المعسكرين، شخوصه التي تقوم بوظيفة أدائية، لتتشكل منها ومن تناقضاتها (بنية) جديدة ترتفع فيها (هيبة) و(كاريزما) ترتفع فيها هيبة الحسين، وأهل بيته وأتباعه مقابلةً مع دنس سلطة قبلية نفعية لتخلص إلى انتصار رسالة الحسين (ع) الإنسانية السمحاء المنفتحة بتكاملها تجاه الأعراق والأديان والعقائد الأخرى، تجاه قوة يزيد وأتباعه، المتركسة في قبليتها وأعرافها الجاهلية، وهنا يتم الاشتباك ما بين طرائق ثقافية في التفكير والشعور المتقاطعة والمتناحرة، بين معسكر حر وآخر مستبد.

وهذا ما سعيت الى تحقيقه في تقديمي لمسرحيات عن الإمام الحسين (ع) في نصوص هي:

1 – (الحسين الآن)

2- (الحسين في غربته)

3- (الحسين كما نراه)

حرصتُ في سعيي الدرامي والإخراجي لهذه النصوص في التأكيد على منظور معاصر وبتجريب مسرحي لسيرة افتراضية تثمن دروس هذا الحدث الجلل وأبعاده التداولية ما بين الموازنة لشعرية النص مع شعرية الإخراج.

س: هل يشكّل الجيل الشبابي الحالي امتداداً لجيلكم الريادي المميّز؟

ج: يجب وضع (معيار) رصين لفرز الموهوبين، وأصحاب القدرات الفنية البيّنة، من سواهم بخصوص هذا الجيل الشبابي الجديد، وبالتأكيد نجد منهم من سيكون امتداداً أصيلاً ووعياً لمآثر من سبقوهم من الرواد في تجاربهم المسرحية الراكزة في الذاكرة الإبداعية العراقية والعربية.

س: هل ينجح الممثل المسرحي غير المثقف، من غير الإطلاع على مدارس المسرح؟

ج: كلا بالتأكيد، سوف تندثر (موهبته) وتضيع في ظلمات، وخطوات مرتبكة، ولا تؤدي إلى هدف إبداعي خلاق يقتضي الوصول إليه بدراية وتركيز ووعي خلاق.

س: إلى أي مدى في ظروفنا الراهنة يصح القول: (اعطني خبزاً ومسرحاً، أعطيك شعباً مثقفاً)؟

ج: يمكننا في المسرح، أن نخلق (انطولوجيا متخيّلة) راسخة، فيها دلالات مفتوحة مضاعفة، وهو الأمر الذي يتطلبه المسرح الجاد، وبخلاف ذلك، سيفتقد إلى هذه الجدية ومقترناً بــــ (انطولوجيا خامدة) في حضورها الباهت وديكورها المصطنع وإضاءتها السطحية، وجوّها العام البارد، وأصواتها الخافتة أو الزاعقة، حيث يصبح فيها الموضوع فاقداً لمعناه ولضرورته الفنية والحياتية.

المهم يجب ان يكون العرض متوفراً على مخيلة إخراجية في بعد وجودي مبهر يحرك دافعيتنا، وينقلنا من الرتابة اليومية الى عوالم المسرح الساحرة في حدوسها الشعرية.

فالمسرح الجاد يقتضي من الكاتب المسرحي، أن يحول (الواقع) إلى (نص) درامي يحمل في طياته مفهوماً خاصاً مرئياً، من خلال (صور) مشهدية متراكمة، يبتكرها المخرج، ويؤطرها أيضاً بحضور مادي بصري وسمعي، محمّل بدلالات روحية، تتأسى في التراجيديا)، وتسرّ في (الكوميديا)، فضلاً عن البعد الاجتماعي الذي يتحول إلى (طيف) جمالي مثير للدهشة، داخل عناصر التجربة الفنية، المكونة من النص والعرض، وهما يبتعدان عن التقليد الخارجي الواقعي، وبالتالي يمارس المتفرج، تأمّله الذاتي للعرض بشكل آني ومباشر.

فالمخرج قد نقل النص من خطيته الكتابية إلى صورة فنية حسيّة، وكأنه يسمع في النص ألفاظاً ويشاهد تشكيلات حركية بأنساق إيقاعية وإيحاءات معنوية يتكامل فيها النظري والتطبيقي في العرض، ليكون مؤثراً في اتجاهات تلقي الجمهور، وتأملاته لدلالته ومعانيه وهو (يعلّق) كل الترسبات القبلية التي كان يحملها قبل فتح ستارة العرض الجديد وحين تزدل الستار، يخرج بنتائج ما كانت تخطر له على بال، وبالتالي يتغيّر اتجاهه الجديد وموقفه الفني والفكري إزاء موضوعة العرض.

إن المخرج في عمله يقدم رؤية فنية منزاحة عن احتذاء شكل عشوائي وقائعي مكدس من غير نسق ولا ترتيب يُذكر، باتفاقات عرضية في حين العرض الرصين الذي يراهن عليه المخرج، يعتمد مخيّلة متوفرة على قدرات واضحة في مخاطبة الآخر الذي تُشحن أيضاً مخيّلته الخاصة وإلهاماته، وقدراته النقدية وكأنه يعيد صياغة مادة العرض بطابع بنائي وشكلي وفهم جديد.

وكأن المخرج يخاطب في فنه العالم بأسره وكلّ يجد روحاً وطنية أيضاً تعكس سماتهم وأصالتهم، بما يرونه ويتفاعلون معه من أبعاد جمالية وفكرية مشتركة، تضم الكاتب الدرامي والمخرج وتقنيات العرض والمتفرج في فضاء هندسي معماري للمسرح، هذا ما يجعل المتفرج يمارس دوره الذاتي في التحليل والتركيب بنديّة تجاه شكل العرض وموضوعه، ويستنبط منه الدلالة الخاصة بعلامات العرض الفنية.

س: كيف الحفاظ على جدية المسرح، ومنجزاته؟

ج: ينبغي على المسرح الجاد، مغادرة ما يسمى بـمرجعية المنطق الحياتي – السببي، لأن هذا الأمر يجرّنا إلى فعل (محاكاة) تقليدية في التعامل مع الواقع اليومي، في حين يتطلب المسرح الفني صوراً متخيلة حرة تحررنا من قيود الواقع اليومي المقفلة ومتطلباته النثرية، وبالتالي تنتقل شخصية الدور من وضعها البايولوجي العضوي، إلى صور فنية جموحة متوهجة وخيالية، لكنها أعمق وأثرى في داخل هذه الشخصية وطموحاتها وأحلامها، ومن هذا البُعد، تنفتح أمام المتفرج، هذه الشخصية بكلّ فكرها وبعدها الروحي بشكل جليّ.

هنا إذن تتضح العلاقة النظرية مع التطبيق بوصفها تمارس نفوذاً حاسماً ومترابطاً ما بين فهم الممثل لدوره وخطة الإخراج النظرية التي تتحول بهذا الترابط والتضايف ما بينهما، حيث يتداخل تصوّر المخرج مع تصوّر الممثل ليتحوّل من بعده التجريدي الفكري التأملي إلى بعد عينيّ ملموس بشكل تكاملي وتعبيري في منظومة من مواقف درامية وأحداث تخاطب الجمهور عبر وسيط العرض المسرحي الرابط ما بينهما وما يثيره لدى الجمهور من تحفيزات ومعانٍ وتأويلات.

س: ما مشروعك لإحياء المسرح العراقي الجاد في دراسة تقترحها وخطوات من وجهة نظرك؟

ج: نختزل الإجابة بأننا أولاً بحاجة لبناء بنية أساسية من معمار المسرح ومن ثم الأخذ بطبيعة الواقع الموضوعي واتجاهات الجمهور الجديدة بعد ظهور الكثير من المتغيرات المجتمعية والسياسية الماثلة في العراق اليوم.

علينا الأخذ بتفعيل الدور (المؤسسي) للمسرح، وكذلك (هيكلة) الخطة الخاصة بأنماط العروض المحلية والعربية والعالمية ومن مصادرها الدرامية (النصيّة)، وتبنيها من قبل مخرجين من الأساتذة والفنانين الكبار و التعامل مع جيل الشباب من المبدعين المتميزين فيه، مع الأخذ بنظر الاعتبار وسائل الترويج الإعلامي والإعلاني، لجذب فئات الجمهور العام، والجمهور الخاص، ابتداءً من الطفل إلى الشيخ ومن المرأة إلى الشاب، بمثل هذا التخطيط العلمي والمنهجي والمؤسساتي، يمكننا تحقيق حيوية تنموية إبداعية مبتكرة في المسرح ومتجاوزة للشقة ما بين المسرح والمثقفين والأدباء والجمهور، وتحويلها إلى تفاعل إيجابي بينهما آخذين بنظر الاعتبار ضرورة قبول التعددية والاختلاف مع ثقافات مسرحية عالمية وكذلك احترام خصوصيات المكونات الوطنية العراقية وتقاليدها الدينية والفكرية ونمط معيشتها، وهذا ما جرى عليه المسرح منذ الإغريق إلى يومنا المعاصر، وهذا ما يتطلب من الجهات المسؤولة تخصيص الجانب المالي والإداري على مستوى حرفي وإنتاجي نزيه وتنسيق خطط مدروسة متجاوزة للارتجال العشوائي باعتماد بعد استشاري رصين، مقروناً ببعد تنفيذي إبداعي للمسرح، وكما ذكرنا، دعم صالات المسرح، وتجهيزها بتقنيات حديثة.

س: كتابكم (أسس نظريات التمثيل) ما مدى استفادة الممثل منها، ومن بحوثها النظرية؟

ج: طُبع هذا الكتاب منذ أكثر من (ثلاثة عقود) وهو من أوائل الكتب المنهجية التي مازالت تُدرّس في قسم المسرح، وقد باتت محفّزة وملهمة لطلبة الدراسات الأولية والعليا واهتمام النقاد وسواهم بقضايا المسرح وشؤونه، بما توفر عليه من بسط لتجارب المسرح ونظرياته وتقنياته عبر تاريخه وامتداده العالمي، إلى حداثة مسرحنا المعاصر.

س: ما الذي يضيفه عقيل مهدي يوسف، وهو علامة فارقة في التجربة والمنجز لــ 70 كتاباً، هل هناك من جديد يضاف إلى هذه التجربة الخصبة؟

ج: في كل يوم، تظهر لدينا محفزات إبداعية مسرحية وهي تستدعي الفنان وبالأخص الأكاديمي، لأن يواكب المعطيات المسرحية العالمية، والعربية والمحلية، حتى يقوى على انجاز ما في وسعه من أعمال على صعيد التأليف والإخراج والتدريس والنقد وسواها من وظائف إبداعية مطلوبة مسرحياً.

س: ما علاقة ودور مؤلفاتك التنظيرية على الصعيد العملي؟

ج: ما زالت مؤلفاتي وكتبي هذه، تدرّس في جامعات العراق، في كليات الفنون ومعاهده ويفيد منها طلبة الدراسات الأولية والعليا، بوصفها مصادر ومراجع مهمة في الظاهرة المسرحية، سواء في العراق أو في بلدان المغرب العربي والمشرق، لأن ثقافتنا المسرحية العربية، متكاملة في عناصرها، ومتفاعلة مع طروحات المسرحيين العرب الأكاديمية القائمة على ( منهجية ) متماسكة، في دراسة الظاهرة المسرحية، والبحث في أسسها وفرضياتها وإجراءاتها وأهدافها ونتائجها، وهذا ما تؤكده الأطاريح والرسائل والكتب التي تخصّصت في تناول منجزي لأكثر من رسالة وأطروحة، فضلاً عن اختيار نماذج من نصوصي وعروضي المسرحية بوصفها تدخل في عيّنة بحوثهم ومنجزهم الأكاديمي.

أما على الصعيد التطبيقي الإخراجي، فإني نقلتُ المتفرج في متابعة بطل السيرة الافتراضية، من تاريخ سالف أو قبلي جاهز، إلى متفرجٍ واعٍ يتخذ موقفاً جديداً من هذا البطل الذي قمتُ بصياغته بطريقة معاصرة جديدة تسعى نحو مستقبل واعد وسعيد، وقابل للانفتاح على المستقبل بلا أدنى تردّد، حيث أجعل هذا البطل يعيش أمام الجمهور في بيت وجودي متخيّل، ليعبّر بشكل أكثر إثارة من خلال الصورة الفنية لإضفاء ديمومة جديدة في حضور دراماتيكي مؤثر بسموّه الروحي ومواقفه الرشيدة والمحفّزة على اجتذاب قوى الخير في صراعها البشري، ضد قوى الشرّ لفضح كل تلك الأفعال غير المشروعة والعدوانية من خلال صورة مسرحية جديدة مفارقة للمألوف.

كما أنني في تجربتي الإخراجية لم أتأخّر في تقديم نصوص لمؤلفين أجانب، عبر مراحل تاريخ تطور المسرح العالمي، لكني في السيرة الافتراضية، قمتُ بـ (تبئير) سيرة البطل نفسه وما كابده وناضل من أجله وما حققه من منجزات خاصة به حين نقلْته إلى عالم جديد مبتكر معاش تواً، في تركيب صور الذاكرة ونقلها إلى وظائف بنائية وجمالية لصورة مسرحية استنطقها بأدوات حوارية وهي تخوض نقاشات جدلية مبتكرة، لكنها تدلنا على ما يمثّل (كُنْه) شخصية البطل، أو جوهره الممثل لكينونة تلك الشخصية ويجسّم وجودها في عالم الفن المسرحي الجاد، من زاوية رصيد ومنظور كاشف لمضمراتها الداخلية.

أردتُ من المتفرج أن ينغمس مع بطل السيرة، متخذاً موقفاً حاسماً منه، ومن غرمائه في العرض، سواء كانوا من بينهم المتعاضدين أو المعادين لمشروعه، آملاً بأن يتحوّل المتفرج من تلقٍّ سلبي إلى تلقٍّ إيجابي فعّال، مشاركاً منطق البطل ومواقفه التي باتت معبّرة عن وجوده الآني وتطورات الأحداث التي يخوضها البطل وكأنَّ المتلقي يقوم أيضاً بدوره في المشاركة مع البطل في تحولاته الوجودية والفكرية معاً.

س: ما الذي تقترحه من أمنيات تخصك؟

ج: أتمنى أن تُنشَر مؤلفاتي، وتصدر من قبل جهة رسمية ثقافية داعمة على شكل (مجلدات)، تضم عنوانات بحوثي الأكاديمية على مدى أكثر من (خمسة عقود) متنوعة تخصّ تجربتي؛ في التأليف والإخراج والتمثيل والنقد والترجمة وعلم الجمال والفلسفة وما كتبته عن شخصيات وأعلام عراقية وعربية وعالمية، وما أجريته من حوارات صحفية مرئية ومقروءة وكذلك ما اقتضته تجربتي في (السيرة الافتراضية) من محاولات تجريبية مقترحة تخصّ المصطلحات والمقولات والمفاهيم النظرية وآليات الإبداع النظري والتطبيقي، وكل ما يتعلق بمكونات المسرح الخلاّقة، فكراً وتطبيقاً وطرائق تحويل سرديات أبطال السيرة الافتراضية من واقعهم الحياتي والتاريخي، الممتد والواسع، إلى سرديات صغرى، حافلة بمعانٍ مضاعفة ومكثفة، وبتركيز استثنائي عالٍ، على هيأة البطل وما أضفيته عليه من عوالم (تخييلية) توسّع من آفاقه في فن الكتابة الدرامية والعرض الإخراجي الجامع ما بين الشخصية الواقعية ودورها الافتراضي في المسرح.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي