القطاع الزراعي ومواجهة أزمة الأمن الغذائي العالمية
إيهاب علي النواب
2016-12-18 08:16
أن مسألة الأمن الغذائي مرتبطة ارتباط وثيق بالقطاع الزراعي وتطوره، اضافة الى مساهمة هذا القطاع بتوفير اليد العاملة وكذلك حماية البيئة والتأثير إيجاباً على المناخ، ومن أجل أن نفهم مدى أهمية الزراعة في الحياة والاقتصاد، يكفي أن ننظر الى مااظهره تقرير حديث نشرته مجلة "نيتشر" العلمية ان حوالى 1,4 مليار وظيفة وثلاثة ارباع المحاصيل الزراعية تعتمد على الملقحات الحيوانية التي تواجه خطرا كبيرا على وجودها، وذكر الباحثون من جامعة ريدينغ البريطانية الذين ساهموا في انجاز هذا التقرير مستندين الى دراسات عدة اجريت في الموضوع "ثمة خطر على الامن الغذائي والوظائف في العالم في حال عدم اتخاذ خطوات سريعة لانهاء التدهور في اعداد الملقحات".
ومن بين الزراعات المتضررة، اكثرية الاشجار المثمرة والحبوب والبندقات اضافة الى محاصيل ذي قيمة مضافة كبيرة بينها البن والكاكاو، ويعمل في الزراعة 1,4 مليار شخص اي ما يقرب من ثلث افراد القوى العاملة في العالم بحسب الدراسة، وترتدي هذه المسألة "اهمية جوهرية بالنسبة للمجتمعات الريفية الفقيرة اذ ان 70 % من افرادها يعتمدون على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل".
وذكر الباحثون بأن الزراعات التي تعتمد على الملقحات اساسية في التوازن الغذائي للإنسان اذ تقدم الفيتامينات "ايه" و"سي" والكالسيوم وحمض الفوليك، ولفت هؤلاء الى ان "فقدان الملقحات قد يسبب ازديادا كبيرا في الامراض" ما من شأنه التسبب بمليون واربعمئة الف حالة وفاة اضافية سنويا، كذلك فإن النباتات البرية ليست في منأى عن هذا الخطر اذ ان اكثر من 90 % من النباتات ذات الازهار الاستوائية تعتمد على الملقحات الحيوانية وفق التقرير.
وأكثرية الملقحات تنتمي الى فصيلة الحشرات (كالنحل والفراشات) غير ان هذه المجموعة تضم ايضا بعض الطيور والخفافيش والسحالى، ويواجه حوالى 20 % من هذه الفقريات خطر الانقراض، كذلك يواجه حوالى 9 % من النحل (20 الف فصيلة لها مهمة تلقيح اكثر من 90 % من الزراعات الكبرى في العالم) الخطر عينه. والأمر سيان بالنسبة للفراشات.
محاصيل زراعية مهددة بالانقراض
أجرت الدراسة على عينات من المحاصيل في دول إفريقية منها زيمبابوي، وكينيا، وإثيوبيا
من المتوقع أن تختفي بعض المحاصيل الزراعية من جميع أنحاء العالم ما لم تستحدث أنواع جديدة منها، وبينت دراسة إن درجة حرارة الأرض ترتفع بسرعة تفوق قدرة المحاصيل الزراعية على التكيف معها.
وتبين لباحثين في إفريقيا أن إيجاد نوع جديد من الذرة قد يستغرق ما بين عشر سنوات إلى 30 سنة، وبعد زرع هذه المحاصيل الجديدة، ستكون في مناخ أكثر حرارة من المناخ الذي طورت فيه، وركزت الدراسة على تأثير الحرارة على الفترة التي تستغرقها المحاصيل بين الزرع والحصاد.
وبينت الدراسة أن هذه الفترة ستكون أقصر كلما كانت الحرارة أعلى، وهذا يعني أن المحاصيل سيكون لها وقت أقصر للنمو والإنتاج.
وبينت الدراسة أيضا أن الوقت المستغرق في نمو النبات، ما بين الزرع والحصاد، سوف يقل إلى حدٍ كبيرٍ في أوائل 2018 في بعض المناطق، وأضافت أن مناطق زراعة الذرى في إفريقيا سوف تتأثر بذلك بحلول عام 2031.
وفيما يتعلق بإمكانية اتسخدام الهندسة الوراثية لإحداث تعديلات في جينات المحاصيل، منها الذرة على سبيل المثال، فأن الهندسة الوراثية تنجز بعض الأمور في وقت أقل، وهو ما يمكن أن نحصل من خلاله على أنواع جديدة من المحاصيل بسرعة أكبر".
الا أن هناك وقت طويل تستغرقه عملية اختبار المحاصيل المعدلة وراثيا حتى تعتمد للزراعة العادية بعد مرحلة الزراعة التجريبية، علاوة على وقت طويل مطلوب لتمكين المزارعين من الحصول على البذور، في المقابل، يرى متخصصون في المجال أن حل المشكلة يعتمد بصفة أساسية على توفير الموارد المالية وتكثيف البحث للوصول إلى فصائل جديدة من المحاصيل تتحمل درجة الحرارة المرتفعة.
صادرات "قياسية" للتمور التونسية
صدرت تونس 110 آلاف طن من التمور في موسم 2015-2016 أي بزيادة بنسبة 10 بالمئة مقارنة بالموسم السابق، ما وفّر للبلاد إيرادات مالية "قياسية" حسب ما افادت وزارة الزراعة التونسية، وصرح أنيس بالريّانة المتحدث باسم وزارة الفلاحة "صدرت تونس في الفترة ما بين أكتوبر (تشرين الأول) 2015 وسبتمبر (أيلول) 2016، 110 آلاف طن من التمور بقيمة 473،7 مليون دينار (191 مليون يورو) وهي نتائج قياسية وغير مسبوقة في تاريخ البلاد"، وأضاف "مقارنة بالموسم الماضي، ارتفعت كمية التمور المصدّرة بنسبة 10 بالمئة، والإيرادت المالية بنسبة 2،8 بالمئة".
وتصدر تونس تمورها الى 82 دولة وفق وزارة الزراعة التي افادت ان المغرب هو أول مستورد للتمور التونسية (29،8 ألف طن) تليه فرنسا (9،8 آلاف طن) وإسبانيا (7،3 آلاف طن) ثم ايطاليا (6،8 آلاف طن)، ويبدأ موسم تصدير التمور في تونس في شهر تشرين الاول/اكتوبر من كل عام وينتهي في شهر أيلول/سبتمبر من العام التالي.
وأنتجت تونس في الموسم الحالي، 242 ألف طن من التمور منها 182،5 ألف طن "دقلة نور" وهو صنف من أجود انواع التمور في العالم، وتقع واحات النخيل في جنوب تونس، وتمسح نحو 54 ألف هكتار بحسب وزارة الزراعة.
"وديان ذكية" لزراعة الأرز في بنين
في العام 2009، وصفت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) الأزر بـ "الأمل الجديد" لبنين وكان من المفترض أن يبلغ هذا البلد الصغير اكتفاء ذاتيا في العام 2011، لكن "أكثر من 50 ألف طن من الأرز لا يزال يستورد من السوق العالمية كل سنة، بالرغم من القدرات الكبيرة" لزراعة الأرز، وفق ما جاء في مذكرة صادرة عن وزارة الزراعة الفرنسية سنة 2015.
ومن خلال مشروع "سمارت فاليز" الذي يجرب أيضا في توغو إلى تغيير هذا الواقع، وتقنيات زراعة الأرز هذه التي لم تستخدم بعد في البلاد هي من إعداد مركز الأبحاث الافريقي "أفريكارايس" الذي طور خصوصا نوع أرز هجين افريقي-آسيوي.
وفي خلال أربع سنوات، ازدادت المحاصيل في وينهي من 3 إلى 6 أطنان في الهكتار الواحد. وهو إنجاز يدفع إلى التفاؤل، وبغض النظر عن معدل المتساقطات، تضمن هذه "الوديان الذكية" ("سمارت فاليز") الحد الأدنى من المحاصيل، ويؤكد ساندر زفارت الباحث الهولندي في "أفريكارايس" أنه "في العام 2013، حدثت موجة جفاف لكن مزارعي المواقع الريادية حصدوا الأرز".
وفي السنة الأولى، وفرت "أفريكارايس" البذور ومخصصات الإنتاج الزراعي، لكن بات اليوم في وسع المزارعين تكبد هذه المصاريف بفضل الأرباح التي يجنونها، غير أنه لا يزال ينبغي ضمان بيع هذه المحاصيل، "إذ يتعذر على المزارعين تصفية الإنتاج بالكامل لأن محاصيلهم تضاعفت في وقت قصير"، على ما يقول فيليكس غباغيدي المسؤول في وزارة الزراعة.
والفكرة الآن تقضي بتطوير مجال الترويج والتسويق لإقناع المستهلك بشراء هذا النوع من الأرز وليس الأصناف المستوردة من آسيا.
هل سينتهي عصر المزارع ؟
يثير البعض تساؤلات هامة، مفادها ان مايحدث من تطورات تكنولوجية هائلة لابد وان تترك اثارها ايضاً على قطاع الزراعة حاله كحال بقية القطاعات الاقتصادية، واذا ماعلمنا مدى خطورة الاستثمار في النشاط الزراعي كونه موسمي وحساس بشكل كبير للتغيرات المناخية.
ومع انتشار التكنولوجيا فأن العديد مهدد بفقدان عمله، لاسيما وان هذا القطاع يتسم بانخفاض عدد العاملين فيه مقارنة بباقي القطاعات لاسيما الصناعية والخدمية منها، اضافة الى عزوف الكثير عن زراعة بعض المحاصيل بسبب مشاكل الاحتباس الحراري وشحة المياه.
وعليه يجب الانتباه الى انه قد نشهد في السنوات السابقة في ظل تفاقم مشاكل المناخ والاحتباس الحراري ومايتعلق بطبقة الاوزون وماينجم عنها من ارتفاع معدلات الاشعاع الضاره، فضلا عن التلوث البيئي ومايتصل به من انحسار الاراضي الخصبة، أزمة أمن غذائي على مستوى كبير من دول العالم حتى تلك التي كانت في مأمن من ذلك.