الزراعة في العراق: أسباب التدهور وطرق النهوض

مصطفى ملا هذال

2024-06-22 06:06

لا تزال تحتفظ ذاكرتي بمشاهد من الطفولة وتحديدا في بيت جدي للأم، الذي يقع في منطقة ريفية تتمتع بموقع جغرافي مكنها من زراعة جميع الخضروات والمحاصيل بمواسمها، واتذكر في وقتها انهم لا يحتاجون من الأسواق في المدينة سوى اللحوم وغيرها من الاحتياجات غير الزراعية.

عندما كبرت علمت ان بيت الجد وغيرهم في المناطق الريفية فهموا جيدا مقولة "من لا يزرع لا يأكل"، اذ اقترن الاكل في الزراعة، أي ان الأخيرة هي المسؤولة عن تلبية حاجات الاكل بالنسبة لسكان الأرياف والمدن عن طريق بيع الفائض عن الحاجة في الأسواق.

ومن لا يزرع ارضه يعيش في حالة من ضنك العيش، اذ ان الزراعة آنذاك بالإضافة الى كونها مصدر عيش للاسر، فهي تسهم وبشكل كبير في تكوين دخل الاسرة، والاعتماد على موسم الزراعة يأتي نتيجة ما يقدمه هذا الموسم من عائدات مالية للأسرة تمكنها من توفير ضروريات الحياة.

وحتى وقت متأخر من السنوات قبل تغيير النظام كان من يريد ان يزوج ابنه او يبني دارا، ينتظر موسم حصاد المحاصيل او جني ثمار النخيل، ذلك لتحقيق الأرباح الكبيرة، وبذلك يكون المزارع مشحوذ الهمة ومستعد لزراعة الموسم الجديد، وهكذا يكون الحال مع تعاقب فصول السنة، فنادرا ما تبقى الأرض غير مزروعة في فصل معين.

وقد يكون من المعيب على صاحب الأرض تركها دون غيرها بدون زراعة، ولهذا السبب نجد الموظفين والعسكريين والمحاميين وكذلك الضباط في الجيش والداخلية يزاولون مهنة الزراعة في أوقات تواجدهم بالمنزل، ويصل الامر الى التباهي في زراعة نوع معين من المحاصيل او أشجار النخيل.

وهكذا يجري التنافس بين أبناء المنطقة الواحدة الذين يتسابقون على تعظيم مواردهم الاقتصادية واستثمار أراضيهم بشتى الطرق التي تعود عليهم بالفائدة وبما يعطيهم الحافز على مواصلة العمل، رغم التحديات التي تعترض سبيلهم في تحقيق اقصى حدود الاستفادة.

لنترك الحديث عن كل ما تقدم من مميزات يتمتع بها المزارعون في الحقب الزمنية الماضية، ونتحدث عن الجمالية التي تضفيها الزراعة على المناطق الريفية، ما جعلها محط انظار الساكنين في المدن لما تتمتع فيه من سحر خاص ورونق يميزها على غيرها من المناطق.

فمن يسير في المناطق الريفية سابقا يشعر وكأنه يتجول في معرض فني، تمثل كل مجموعة من الدوانم لوحة فنية لها هويتها وترمز الى غاية في نفس رسامها، وكذا الأراضي فهي تعطي نفس الانطباع.

نقطة التحول

نقطة التحول في القطاع الزراعي بدأت بعد تغير النظام، اخذت أوضاع الزراعة بالتراجع والتدهور تدريجيا، ومن بين أكثر الأسباب تأثيرا على الزراعة في البلد هو انخراط اغلب افراد الاسرة في الوظائف الحكومية، بنوعيها المدني والعسكري، فلم تعد الزراعة من اوليات الاسر التي فضلت النمط الجديد من أنماط الحياة.

الأسلوب الجديد الذي عاشته الاسر العراقية بكل تفاصيله حتم عليهم هجر الأراضي الزراعية، والاكتفاء بالعائد المالي الحكومي المتمثل بالمرتب الشهري، وقد يكون من المنطق ترك الزراعة لعدة أسباب.

السبب الأول هو قلة او انعدام الدعم الحكومي لاصحاب المزارع، ففي السابق كانت الدولة تقف الى جانب المزارعين عبر تسليمهم البذور والمبيدات الحشرية، والمواد الكيمياوية بأسعار مدعومة بما يحقق اعلى نسبة من الأرباح.

السبب الثاني يتمثل بشحة المياه مقارنة في السنوات الماضية، الامر الذي ساعد على ترك الزراعة وتحويل آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الى صحراء قاحلة خالية حتى من النباتات التي لا تحتاج كميات كبيرة من المياه لنموها بالشكل الصحيح.

والسبب الثالث وربما يكون الأهم من السببين السابقين، هو تفتيت الأراضي الزراعية وتحويل جنسها الى سكنية، نظرا لعدم معرفة الأهالي بخطورة الامر على المدى البعيد والاكتفاء بشعور الراحة المؤقت عند استلام الأموال الطائلة جراء التفتيت.

إذا ارادت الحكومة ان تعيد للزراعة هيبتها عليها

 أولا: ان توقف عمليات تفتيت الأراضي الزراعية وتضع غرامات وعقوبات صارمة كالسجن المطول، فضلا عن دفع الغرامات المالية التي تقابل قيمة الأرض المفتتة لكي تضمن عدم التوجه بهذا الاتجاه.

ثانيا: إعادة الدعم الحكومي كما في السابق ليشعر المزارع ان الحكومة لديها خطة استراتيجية لدعم القطاع الزراعي، وهذا الدعم يعطيه الامل والرغبة على مواصلة الزراعة والاهتمام في الأراضي.

ثالثا: تفعيل خطوات دعم المنتوج المحلي من المحاصيل الزراعية، وذلك عبر غلق الحدود او تقليل الاستيراد بما لا يؤثر على حاجة المواطنين ويؤدي الى رفع الأسعار.

ذات صلة

ما حجم خسارتنا للغدير؟الغَديرُ.. اختيار الرَّجُلِ المُناسبِ في المكانِ المُناسبِالحرية مسؤولية والمسؤولية حريةالاستثمارُ في الحُبّ صعبالدكتوراة الفخرية.. ما لها وما عليها