تغير العائلات يتطلب تغيير شبكة الأمان

بروجيكت سنديكيت

2024-04-30 05:38

نيودلهي ــ يصادف هذا العام الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة التي أعلنتها الأمم المتحدة. في العقود التي تلت إعلان السنة الدولية للأسرة، أدت التغيرات الديموغرافية والتحولات التكنولوجية والهجرة والتوسع الحضري وتغير المناخ إلى قلب المجتمعات في جميع أنحاء العالم رأسًا على عقب. وتتطلب الاستجابة الفعالة لهذه التغييرات إعادة النظر في النهج السائد تجاه الحماية الاجتماعية وتحويل تركيز السياسات نحو تعزيز التضامن بين الأجيال.

تضع اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 102، وهي المعاهدة الدولية الأولى (والوحيدة حتى الآن) التي تتناول القضايا المتعلقة بالضمان الاجتماعي، الحد الأدنى من المعايير لتوفير استحقاقات الأسرة (أو إعانات الأطفال) في شكل تحويلات نقدية دورية أو مساعدات عينية (غذاء، ملبس، سكن) أو مزيج من الاثنين. وفي وقت قريب من اعتمادها في عام 1952، بدأت العديد من الدول الأوروبية في تطوير أنظمة الرعاية الاجتماعية السخية. في عام 2020، بلغت نسبة الإنفاق على استحقاقات الأسرة في الاتحاد الأوروبي 8.3٪ من إجمالي الإنفاق على الإعانات الاجتماعية. ووصلت هذه النسبة إلى 16.2% في بولندا و15.7% في لوكسمبورغ؛ كما سجلت استونيا وألمانيا وليتوانيا ورومانيا وهنغاريا والدنمرك والسويد نسب مضاعفة. لكن هذه الدول ليست وحدها: فقد تبنت أكثر من 120 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل برامج التحويلات النقدية للأسر الفقيرة.

وتركز أغلب هذه السياسات على الحد من فقر الأسر أو تقديم الحماية الاجتماعية المراعية لاحتياجات الأسرة، مثل التحويلات النقدية المشروطة أو العلاوات المُقدمة عند ولادة الطفل، والرعاية الطبية، والرسوم المدرسية، فضلا عن الحصص الغذائية للأسر المعيشية التي تعيلها النساء. وقد ساعدت مثل هذه التدابير الأسر على تحمل عبء رعاية الأقارب المرضى، وتحسين الحالة الغذائية للأسر، وخفض معدل الوفيات بين الرضع، والتغيب المدرسي، وعمالة الأطفال.

ومع ذلك، ستكون هناك حاجة إلى إتباع نهج أكثر شمولية مستقبلاً. يعتبر إطار السياسة الحالي أن الأسرة تندرج ضمن فئات ديموغرافية أو فئات عمرية محددة، وليس كوحدة متكاملة. وبدلاً من ذلك، ينبغي لبرامج الحماية الاجتماعية العمل على تعزيز قدرة الأسر على العمل كحواجز طبيعية ضد الصدمات الاقتصادية والاجتماعية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال سياسات تعمل على تعزيز التضامن بين الأجيال.

تشير الأبحاث إلى أن الروابط الأسرية القوية تساهم في المرونة الاقتصادية. على سبيل المثال، في البلدان التي تتمتع بعلاقات أسرية قوية، مثل إيطاليا وأسبانيا، تكون خسائر الاستهلاك أقل كثيرًا خلال فترات البطالة، وذلك بفضل شبكة الأمان الأسرية. ويشعر الناس بمزيد من الحرية في الإنفاق عندما يعلمون أن أقاربهم سيساعدونهم للوقوف على أقدامهم من جديد في حالة تعرضهم لأزمة مالية. تُعد الروابط العائلية شكلاً من أشكال التأمين ضد تقلبات الدخل، سواء كانت مؤقتة أو طويلة الأجل.

وفي ظل تفاقم التغيرات المناخية ومواجهة الحكومات تحديات صعبة بهدف تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، يصبح التضامن الأسري أمرًا حتميًا. تُشكل الأسرة مصدرًا حيويًا للتماسك الاجتماعي، حيث تقوم بدور الوسيط بين الأفراد والدولة، فضلاً عن استيعاب المخاطر الاجتماعية من خلال تجميع الموارد عبر الأجيال. على سبيل المثال، أصبحت الحياة المشتركة بين الأجيال المختلفة أمرًا شائعًا: حتى في البلدان المتقدمة مثل الولايات المتحدة، تضاعفت نسبة السكان الذين يعيشون ضمن أسر متعددة الأجيال على مدى العقود الخمسة الماضية اعتبارًا من عام 2022. ونظرًا لسرعة شيخوخة سكان العالم وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في جميع أنحاء العالم، فمن المرجح أن تصبح مثل هذه التدابير أكثر شيوعًا.

وبوسع صُناع السياسات دعم هذا النوع من التكامل والتضامن بين الأجيال من خلال المزايا الضريبية، والإجازات الأسرية المدفوعة الأجر، ودعم الرعاية بين الأجيال. ومن الممكن أن يشمل ذلك تقديم إعانات للأجداد لرعاية أحفادهم ــ وهي مبادرة تجسد مفهوم وفورات النطاق، حيث يكون للتدخل الواحد تأثير إيجابي على العديد من القضايا والسكان.

يمكن للتدخلات في المجال السكني دعم بشكل فعال العيش متعدد الأجيال. وفي سنغافورة، يُفضل نظام الأولوية المتعدد الأجيال الأسر المُمتدة التي ترغب في العيش بالقرب من بعضها البعض، في حين تتوفر منح مختلفة للمشترين المؤهلين الذين يسعون إلى شراء شقة مع والديهم أو أطفالهم أو بالقرب منهم. في كندا، يقدم برنامج المساعدة على إعادة تأهيل المساكن داخل المحميات التابع للمؤسسة الكندية للرهن العقاري والإسكان، لأعضاء الأمم الأولى مساعدة مالية لإضافة أجنحة ثانوية وأجزاء الحديقة إلى منازلهم. وعلى الرغم من صغر نطاق هذه السياسات، إلا أنها تسمح بهياكل أسرية أكثر مرونة وتدعم الشيخوخة في المجتمع.

وفي ظل تطور المعايير الاجتماعية، يتعين علينا إدراك التعريف الصحيح لكلمة "الأسرة". ولم تعد الأسرة النووية هي القاعدة، وذلك بسبب ظهور الأسر المختلطة، والتعايش، وغير ذلك من التدابير المنزلية البديلة. علاوة على ذلك، تزيد مجتمعات الشيخوخة السريعة من احتمالات عيش عدد أكبر من أفراد الأسرة في مكان واحد. ونظرًاً إلى هذه التحولات، تُعد الذكرى الثلاثين لتأسيس السنة الدولية للأسرة الوقت المناسب لإعادة تقييم نهجنا في التعامل مع الحماية الاجتماعية. ومن خلال تنفيذ السياسات التي تعزز التضامن الأسري والتكامل بين الأجيال، تستطيع الحكومات تعزيز الاستقرار الاقتصادي والتماسك الاجتماعي في وقت يتسم بعدم اليقين المتزايد.

* بقلم: نيها بانسال، المتخصصة السابقة في السياسات في الأمم المتحدة ومجموعة العشرين، هي مؤسسة مركز الأبحاث إعادة سرد النزعة الآسيوية ــ مسارات التنمية من الجنوب العالمي.

https://www.project-syndicate.org/

ذات صلة

ينتصر المصلحون ويُهزَم المستهزئونالإِمَامُ عَلِيُّ بنُ مُوسَى الرِّضَا (عَ) العَالِمُ الذِي لَا يَنقَطِعميتا وحلم التخلص من قيودهاوهم المعرفة.. لماذا لا نفكر بمفردنا أبدًامنظور الحرية والفُرَص القاصرة