قمح العالم فوق لهيب الحرب الروسية الأوكرانية
مروة الاسدي
2022-02-28 06:58
عاد القمح والحبوب الأخرى إلى قلب الجغرافيا السياسية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث يلعب كلا البلدين دورًا رئيسيًّا في السوق الزراعية العالمية. لذلك، يجب على القادة الأفارقة الانتباه خصوصًا عندما يكون هناك تجارة زراعية كبيرة بين دول القارة وروسيا وأوكرانيا.
لقد استوردت البلدان الأفريقية من روسيا منتجات زراعية بقيمة 4 مليارات دولار أمريكي في عام 2020، قرابة 90% منها قمح و6% زيت عباد الشمس. الدول المستوردة الرئيسية هي مصر التي استحوذت على ما يقرب من نصف الواردات، تليها السودان ونيجيريا وتنزانيا والجزائر وكينيا وجنوب أفريقيا.
بالمثل صدرت أوكرانيا بقيمة 2.9 مليار دولار أمريكي من المنتجات الزراعية إلى القارة الأفريقية في عام 2020، 48% منها قمح و31% ذرة وشمل الباقي زيت عباد الشمس والشعير وفول الصويا.
روسيا وأوكرانيا لاعبان أساسيان في سوق السلع العالمية، حيث تنتج روسيا حوالي 10% من القمح العالمي بينما تنتج أوكرانيا 4%. إنتاج البلدين معًا تقريبًا بحجم إجمالي إنتاج القمح في الاتحاد الأوروبي. وإنتاج القمح في البلدين للاستهلاك المحلي ولأسواق التصدير. ويمثل البلدان معًا ربع صادرات القمح العالمية. ففي عام 2020، شكلت روسيا 18% من صادرات القمح، وأوكرانيا 8%.
يعتبر كلا البلدين أيضًا من اللاعبين البارزين في صناعة الذرة، حيث ينتجان معًا ما يوازي 4%. ومع ذلك، تعد مساهمة أوكرانيا وروسيا أكثر أهمية في الصادرات، حيث تمثل 14% من صادرات الذرة العالمية في عام 2020. كما أن كلا البلدين من بين المنتجين والمصدرين الرئيسيين لزيت عباد الشمس. ففي عام 2020، شكلت صادرات زيت عباد الشمس الأوكراني 40٪ من الصادرات العالمية، حيث شكلت روسيا 18% من صادرات زيت عباد الشمس العالمية.
أثار العمل العسكري الروسي حالة من الذعر بين بعض المحللين خوفًا من اشتداد الصراع، الذي سيعطل التجارة مع عواقب وخيمة على الاستقرار الغذائي العالمي. أشارك هذه المخاوف، لا سيما عواقب الزيادات الكبيرة في أسعار الحبوب والبذور الزيتية العالمية. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الظروف الجوية الجافة في أمريكا الجنوبية وإندونيسيا التي أدت إلى ضعف المحاصيل إلى جانب زيادة الطلب في الصين والهند.
إن الاضطراب في التجارة – بسبب الغزو – في منطقة البحر الأسود المنتجة، من شأنه أن يضيف إلى ارتفاع أسعار السلع الزراعية العالمية – مع تأثيرات محتملة على أسعار الغذاء العالمية. وكان ارتفاع أسعار السلع واضحًا بالفعل بعد أيام فقط من الصراع.
هذا مصدر قلق للقارة الأفريقية، خصوصًا أنها مستورد كبير للقمح وزيت عباد الشمس. علاوة على ذلك، هناك مخاوف بشأن الجفاف في بعض مناطق القارة. وسيؤدي تعطيل شحنات السلع إلى زيادة المخاوف العامة من تضخم أسعار المواد الغذائية في القارة الأفريقية.
ما يمكن توقعه، سيعتمد حجم الارتفاع المحتمل في أسعار الحبوب والبذور الزيتية العالمية على حجم الاضطراب وطول الفترة الزمنية التي ستتأثر فيها التجارة.
في الوقت الحالي، يمكن اعتبار ذلك خطرًا على أسعار السلع الزراعية العالمية، التي ارتفعت بالفعل. ففي يناير/كانون الثاني 2022، بلغ متوسط مؤشر الفاو لأسعار الغذاء 136 نقطة بزيادة 1% عن ديسمبر/كانون الأول 2021 – وهو أعلى مستوى منذ أبريل/نيسان 2011. وكانت الزيوت النباتية ومنتجات الألبان هي أساس الزيادات.
وفي الأيام التي سبقت الهجوم الروسي، كان هناك ارتفاع في الأسعار الدولية لعدد من السلع. وشملت تلك الزيادة الذرة (21%) والقمح (35%) وفول الصويا (20%) وزيت عباد الشمس (11%)، حيث ارتفعت عن الفترة المماثلة من العام الماضي. جدير بالملاحظة أن الأسعار كانت مرتفعة بالفعل في 2021.
من منظور زراعي أفريقي، سيظهر تأثير الحرب على المدى القريب من خلال قناة أسعار السلع الزراعية العالمية، سيكون ارتفاع الأسعار مفيدًا للمزارعين. فبالنسبة لمزارعي الحبوب والبذور الزيتية، فإن ارتفاع الأسعار يوفر فرصة لتحقيق مكاسب مالية. وسيكون هذا الارتفاع موضع ترحيب خصوصًا بسبب ارتفاع تكاليف الأسمدة التي أجهدت الموارد المالية للمزارعين.
يأتي الصراع بين روسيا وأوكرانيا أيضًا في وقت أدى فيه الجفاف في أمريكا الجنوبية والطلب المتزايد على الحبوب والبذور الزيتية في الهند والصين إلى الضغط على الأسعار. لكن ارتفاع أسعار السلع يعد خبرًا سيئًا للمستهلكين الذين عانوا بالفعل من ارتفاع أسعار المواد الغذائية على مدى العامين الماضيين.
الصراع بين روسيا وأوكرانيا يعني أن الضغط على الأسعار سيستمر. فالبلدان كما رأينا من المساهمين الرئيسيين في إمدادات الحبوب العالمية، ولا يمكن التقليل من تأثير التطورات التي تؤثر على إنتاجها على الأسعار.
تستفيد بعض دول القارة – مثل جنوب أفريقيا – من تصدير الفاكهة إلى روسيا. ففي عام 2020، اشترت روسيا 7% من صادرات جنوب أفريقيا من الحمضيات، وشكلت 12% من صادرات جنوب أفريقيا من التفاح والكمثرى في نفس العام – فجنوب أفريقيا ثاني أكبر سوق لروسيا.
ولكن من منظور أفريقيا، تعتبر الواردات الزراعية لروسيا وأوكرانيا من القارة هامشية، حيث بلغ متوسطها 1.6 مليار دولار أمريكي فقط في السنوات الثلاث الماضية. والمنتجات السائدة هي الفواكه والتبغ والقهوة والمشروبات في كلا البلدين.
تأثير التموج، يراقب كل من له دور في الزراعة التطورات في منطقة البحر الأسود. وسيظهر التأثير في مناطق أخرى مثل الشرق الأوسط وآسيا، التي تستورد أيضًا كمية كبيرة من الحبوب والبذور الزيتية من أوكرانيا وروسيا. فتلك البلاد أيضًا سوف تتأثر بشكل مباشر بالاضطراب في التجارة.
لا يزال هناك الكثير مما لا يُعرف عن التحديات الجيوسياسية التي تنتظرنا. ولكن بالنسبة للبلدان الأفريقية، هناك أسباب للقلق نظرًا لاعتمادها على واردات الحبوب. على المدى القريب، من المحتمل أن ترى البلدان التأثير من خلال ارتفاع الأسعار، بدلًا من النقص الفعلي في السلع. والبلدان الأخرى المصدرة للقمح مثل كندا وأستراليا والولايات المتحدة ستستفيد من أي زيادة محتملة في الطلب على المدى القريب.
في النهاية، يجب أن يكون الهدف هو تهدئة الصراع. روسيا وأوكرانيا مندمجين بعمق في أسواق المنتجات الزراعية والغذائية في العالم. هذا ليس فقط من خلال الإمدادات ولكن أيضًا من خلال المدخلات الزراعية مثل النفط والأسمدة.
هل يتأثر رغيف الخبز العربي بالغزو الروسي لأوكرانيا؟
يبدو أن تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، لن تقتصر على رقعة جغرافية واحدة، وأنها قد تمتد إلى تفاصيل حياة المواطنين في المنطقة العربية، عبر أهم سلعة يستهلكونها وهي رغيف الخبز، فالأرقام كلها تشير إلى أن جل الدول العربية، يعتمد في خبزه اليومي، على القمحين الروسي والأوكراني، بنسبة تصل في بعض الحالات إلى 70 في المئة مثل مصر، وهو ما دفع كثيرين في الدول المنطقة العربية، إلى دق ناقوس الخطر، محذرين من أن الحرب المشتعلة في أوكرانيا، ستمس قوت الناس اليومي.
وكان وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام، قد قال لوكالة رويترز الجمعة 25 شباط/فبراير، إن احتياطيات لبنان من القمح تكفي شهرا على الأكثر، وأن لبنان يسعى لعقد اتفاقيات استيراد من دول مختلفة، في ظل مخاوف في السوق بسبب الأزمة الأوكرانية، وأشار سلام إلى أن بلاده، تستورد ما يقارب الستين بالمئة من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا، وأنها تجري محادثات مع دول أخرى لاستيراد القمح، بما في ذلك الولايات المتحدة، والهند، وفرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى.
غير أن لبنان ربما لا يكون المستورد الأكبر، للقمحين الروسي والأوكراني في المنطقة العربية، فمصر تعد أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، وتستورد وحدها ما نسبته 10.6% من مجموع صادرات القمح العالمية، ووصلت قيمة ما استوردته عام 2019، إلى 4.67 مليارات دولار.
وتصل نسبة واردات القمحين الروسي والأوكراني في مصر، إلى 70% من احتياجات البلاد، بما يصل إلى 13 مليون طن سنويا، كما أنها الأولى عالميا في استيراد الذرة من أوكرانيا خلال الموسم الزراعي 2020-2021، ونقلت وسائل إعلام محلية في مصر، عن المستشار السابق لوزير التموين، قوله إن الحكومة وجهت باستيراد القمح، بكميات متساوية، من الولايات المتحدة وفرنسا، وكندا وأستراليا وكازاخستان والبرازيل ورومانيا.
ويمثل رغيف الخبز، ما يمكن تسميته بسلعة سياسية في مصر، إذ أنه ظل دوما خطا أحمر، في مايتعلق بزيادات الأسعار التي تقوم بها الحكومات المتتالية، وقد شهدت البلاد ما عرف بـ"انتفاضة الخبز"، في الثامن عشر، والتاسع عشر من كانون الثاني/ يناير عام 1977، ضد نظام الرئيس الراحل أنور السادات، وكانت انتفاضة شعبية، عمت جميع المدن المصرية، بعد أن أقدمت الحكومة في ذلك الوقت، على مضاعفة أسعار سلع غذائية أساسية بينها الخبز، وهو ما دفع الحكومة إلى التراجع عن تلك الزيادات.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أثار جدلا واسعا في الشارع المصري، في آب/ أغسطس من العام 2021، عندما قال "حان الوقت لرفع سعر رغيف الخبز"، وأضاف في تصريحاته حينئذ أنه" من غير المعقول أن يكون ثمن عشرين رغيف خبز مساويا لثمن سيجارة واحدة".، وقد أثارت تلك التصريحات رفضا واسعا، من قبل العديد من المصريين، على وسائل التواصل الاجتماعي عبر هاشتاجات عدة، رفضت المساس بأسعار الخبز.
وتشير الأرقام إلى أن الدول العربية بشكل عام، تحصل على ما نسبته 25% من صادرات القمح العالمية، في وقت تشير فيه نفس الأرقام إلى اعتماد أساسي على القمحين الروسي والأوكراني، وبعد مصر التي أشرنا إليها سابقا والتي تأتي في المقدمة، يأتي المغرب الذي يعتمد على روسيا في توفير 10.5% من احتياجاته من القمح، في حين يحصل من أوكرانيا على نسبة 19.5%، أما السودان فيعتمد وبشكل كبير جدا، على القمح الروسي، ويستورد نحو 46% من روسيا وحدها، في حين لا يستورد القمح الأوكراني، ويأتي اليمن بعد السودان، ويحصل على نسبة 31% من احتياجاته من القمح من روسيا، في حين يحصل على نسبة 6.8% من أوكرانيا، أما تونس فتحصل على نصف وارداتها من القمح تقريبا من أوكرانيا، ووفقا للأرقام ،فإنه يبدو أن الغالبية من الدول العربية، تعتمد على القمحين الروسي والأوكراني، وفي ظل الارتباكات الحاصلة حاليا في سوق القمح العالمي، وفقا للعديد من المسؤولين العرب، فإن هناك علامات استفهام حول التكلفة، التي قد تتكبدها الحكومات العربية، في توفير احتياجات مواطنيها من الخبز، وهل سيلجأ بعضها إلى تحميل المستهلك فارق السعر، في تلك السلعة التي تتمتع بحساسية سياسية بالغة؟ هل تؤثر الحرب الدائرة في أوكرانيا على رغيف الخبز العربي وأسعاره؟ لماذا تعتمد معظم الدول العربية على الاستيراد في سلعة استراتيجية مثل القمح؟ وهل كان بامكان بعض هذه الدول تحقيق الاكتفاء منه عبر دعم الزراعة؟ هل تتوقعون زيادة في أسعار الخبز في ظل الأزمة الحاصلة حاليا؟ وهل من الممكن أن تقدم حكومات عربية على إلغاء كامل لدعمها للخبز؟
لبنان الأخطر ومصر الأكبر واليمن الأجدر
منذ بداية التوترات الروسية الأوكرانية، برزت مخاوف تأثُّر أسواق القمح والغلال العالمية بشدة جراء الأزمة، نظراً لأن البلدين يؤمّنان جانباً مهماً من الصادرات العالمية... لكنّ الجانب الأكثر تهديداً في العالم يقع في منطقة الشرق الأوسط تحديداً، كونها المنطقة الأعلى كثافة في استيراد القمح من البلدين.
وتشكل روسيا وأوكرانيا 29% من صادرات القمح العالمية، و19% من صادرات الذرة، و80% من الصادرات العالمية لزيت دوار الشمس. ومنذ فجر الخميس وبدء الغزو، ارتفعت أسعار القمح في بورصة شيكاغو إلى أعلى مستوى في تسعة أعوام ونصف، بينما يهدد الصراع بعرقلة تدفق الإمدادات من المنطقة، في حين قفزت العقود الآجلة الأوروبية للقمح إلى ذروة قياسية، وغير مسبوقة على الإطلاق وبلغ القمح سعراً غير مسبوق إطلاقاً بـ344 يورو للطن الواحد لدى مجموعة «يورونكست» التي تدير عدداً من البورصات الأوروبية.
وأوكرانيا مصدّر رئيسي للذرة التي يتجه معظمها إلى الصين والاتحاد الأوروبي. وتنافس روسيا أيضاً في توريد القمح إلى مشترين رئيسيين مثل مصر وتركيا. وتزامناً مع بداية الغزو الروسي، قال مستشار لكبير معاوني الرئيس الأوكراني إن الجيش علًق الشحن التجاري في الموانئ الأوكرانية بعد أن غزت قوات روسية البلاد، وهو ما يُذكْي مخاوف من تعطل الإمدادات من مصدّر رئيسي للحبوب والزيوت النباتية.
وفي وقت سابق، قال مسؤولون ومصادر بقطاع الحبوب إن روسيا أيضاً علّقت حركة السفن التجارية في بحر آزوف حتى إشعار آخر، لكنها أبقت موانئها على البحر الأسود مفتوحة أمام الملاحة.
وفي خضمّ هذه المعضلة السياسية، فإن دول الشرق الأوسط، وعلى رأسها مصر ولبنان والعراق ودول المغرب العربي، ربما تواجه مشكلة جسيمة، إذ إنها تعتمد -بشكل متفاوت بين الكبير إلى المتوسط- على الأقماح الأوكرانية والروسية، وبكميات كبرى يصعب تعويضها من السوق المفتوحة.
لبنان في معضلة حادة: وظهر الأمر شديد الحساسية في لبنان على وجه الخصوص، إذ لا يملك البلد مكاناً كافياً لتخزين الاحتياطيات منذ دمار إهراءات القمح في انفجار المرفأ عام 2020... بما جعل لبنان لا يمتلك سعة تخزينية إلا لما يتراوح حول شهر واحد.
وأكد وزير الاقتصاد اللبناني أمين سلام لـ«رويترز» معلومة أن احتياطيات لبنان من القمح تكفي لمدة شهر على الأكثر، وقال إنه يسعى لعقد اتفاقات استيراد من دول مختلفة وسط مخاوف في السوق بسبب الأزمة الأوكرانية.
وأضاف سلام أن الدولة التي تستورد ما يقرب من 60% من احتياجاتها من القمح من أوكرانيا، تُجري محادثات مع دول أخرى لاستيراد القمح، بما في ذلك الولايات المتحدة والهند وفرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى.
وقال الوزير: «لا نريد خلق حالة من الذعر... لدينا مؤشرات إيجابية»، موضحاً أن الدولة تسعى للتوصل إلى اتفاقيات بشأن استيراد القمح بأسعار مناسبة لتأمين احتياطيات تصل إلى شهرين. وأضاف: «نقطة مهمة جداً أن نستطيع أخذ التزامات من بعض الدول وبعض الشركات بأسعار مخفضة نشتريها ونحجزها ونؤمّن على القليل شهراً أو شهرين من مخزون القمح».
وفي وقت سابق يوم الجمعة، قال جريس برباري مدير عام الحبوب والشمندر السكري بوزارة الاقتصاد والتجارة، لـ«رويترز» إن احتياطيات لبنان من القمح تكفي لمدة تتراوح بين شهر ونصف وشهرين. وأضاف برباري أن شحنتي قمح إلى لبنان كانتا يتم تحميلهما في أوكرانيا تأخرتا بسبب الحرب.
صرخة حادة باليمن: ورغم حساسية الموقف اللبناني، فإن صرخة الإغاثة تأتي من اليمن. إذ حذّر برنامج الأغذية العالمي، من أنّ الحرب في أوكرانيا ستؤدي على الأرجح إلى زيادة أسعار الوقود والغذاء في اليمن الذي مزّقته الحرب، مما قد يدفع المزيد من السكان إلى المجاعة مع تراجع تمويل المساعدات.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد اضطر إلى خفض الحصص الغذائية لثمانية ملايين شخص في اليمن، حيث دفعت الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات بين الحكومة والمتمردين الحوثيين، البلاد إلى حافة المجاعة. وقال البرنامج في بيان: «يؤدي تصعيد الصراع في أوكرانيا إلى زيادة أسعار الوقود والغذاء، خصوصاً الحبوب في اليمن الذي يعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد».
وتابع: «تضاعفت أسعار المواد الغذائية في معظم أنحاء اليمن خلال العام الماضي، مما جعل أكثر من نصف البلاد في حاجة إلى مساعدات غذائية. سيؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى دفع المزيد من الناس إلى الحلقة المفرغة المتمثلة في الجوع والاعتماد على المساعدة الإنسانية»، وقال برنامج الأغذية، (الخميس): «ليس لدينا خيار سوى إطعام من يتضورون جوعاً على حساب الجوعى، وما لم نحصل على التمويل العاجل، فإننا في غضون أسابيع قليلة نواجه خطر عدم قدرتنا حتى على إطعام الذين يضورون جوعاً»، مضيفاً: «سيكون ذلك بمثابة جحيم على الأرض».
مهمة شاقة لإطعام 100 مليون فم: وفي مصر، أكبر البلاد العربية سكاناً، وأعلى دول العالم استيراداً للقمح، تبدو المهمة شاقة لإيجاد بدائل عاجلة لإطعام 100 مليون مواطن، خصوصاً مع استيراد البلاد نحو 40% من احتياجاتها من روسيا وأوكرانيا.
لكن هناك تحركات متعددة المحاور لحل الأزمة، بينها التوسع المحلي في زراعات القمح، وتنويع الواردات، إضافةً إلى وجود احتياطي معقول يكفي في المتوسط 6 أشهر. ومما يزيد حالة الاطمئنان أن الإنتاج المحلي للبلاد يكفي لإنتاج الخبز اليومي، حسبما أكد الدكتور سعد نصار، الخبير الاقتصادي ومستشار وزارة الزراعة المصرية، من جانبها، قالت الهيئة العامة للسلع التموينية، المشتري الحكومي للحبوب في مصر، إنها ألغت مناقصة دولية لشراء القمح، وذكر متعاملون أنها تلقت عرضاً واحداً لشراء 60 ألف طن من القمح الفرنسي مقابل 399 دولاراً للطن على أساس تسليم ظهر السفينة في مناقصة دولية.
وقال المتعاملون إن العرض قدمته شركة «فيترا» وكان صالحاً لمدة ساعة. وطلبت الهيئة كمية غير محددة من القمح للشحن بين 11 و21 أبريل (نيسان). وقال متعامل أوروبي: «تسود معنويات العزوف عن المخاطرة اليوم مع استحالة اتخاذ قرار تجاري بتقييم أسعار القمح مع بدء الحرب»، في إشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا. وأضاف: «من الواضح أن القمح الفرنسي هو البديل الأول الواضح حيث يمكن توريد الشحنات إلى مصر من دون مواجهة خطر الحرب، إذ لن تضطر السفن للإبحار عبر البحر الأسود».
رسائل طمأنة: وفي تونس، كشفت وزارة الفلاحة عن توفر مخزون من الحبوب يكفي لتغطية الحاجيات المحلية حتى مايو (أيار) المقبل، وذلك رداً على انتقادات تتعلق بالانعكاسات السلبية المحتملة للأزمة، إذ إن تونس تستورد نحو نصف حاجياتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، وأكد عبد الستار الفهري، مدير التزويد بديوان الحبوب أن نحو 80% من واردات تونس من الحبوب متأتية من روسيا وأوكرانيا، وهو ما يجعل الاحتياط ضرورياً خشية إطالة أمد الأزمة هناك، وإمكانية تأثيرها على عمليات الشحن الموجهة إلى البلدان المستهلكة. وأضاف أن وزارة الفلاحة التونسية قد أسدت تعليماتها بالبحث عن أسواق أخرى على غرار بلغاريا ورومانيا وأوروغواي والأرجنتين بالنسبة لطلبات العروض الجديدة، وتجنب الوجهتين الروسية والأوكرانية خلال هذه الفترة.
وعلى ذات المسار، قال متحدث باسم وزارة التجارة العراقية، أول من أمس (الخميس)، إن العراق يملك مخزوناً استراتيجياً كافياً من القمح من مشترياته من القمح المحلي من المزارعين في الموسم الماضي، مضيفاً أنه غير قلق بشأن المخزونات. لكنه أضاف أن العراق قد يطرق السوق لشراء قمح إذا طال أمد الأزمة بين روسيا وأوكرانيا وسيعلن عن خطة الشراء في حينه.
أسعار الحبوب تصل لمستويات مقلقة عالميا
تسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا في ارتفاع أسعار الحبوب عالميا، ومسّ الارتفاع دولا منتجة للقمح مما يثير مخاوف بتداعيات كبيرة على الدول المستوردة، خاصة العربية التي تعتمد بعضها على القمح الروسي والأوكراني.
ارتفعت العقود الآجلة لشحنات القمح والذرة الأمريكية بأعلى مستوى تداول الخميس (24 فبراير/ شباط 2022)، في حين سجلت أسعار فول الصويا أعلى مستوى لها منذ 2012 إثر هجوم القوات الروسية على أوكرانيا مما أثار مخاوف من تأثر الإمدادات العالمية.
وزادت أسعار القمح لثالث يوم على التوالي لتبلغ أعلى مستوى منذ أكثر من تسعة أعوام، في حين قفزت الذرة إلى أعلى مستوى في ثمانية أشهر.
وقفزت العقود الآجلة للقمح لشهر مايو/ أيار في مجلس شيكاغو للتجارة 5.7 بالمئة إلى نحو 9.34 دولار للبوشل وهو أعلى سعر منذ يوليو/تموز 2021. وارتفعت الذرة 5.1 بالمئة إلى 7.16 دولار للبوشل مسجلة أعلى مستوى منذ العاشر من يونيو / حزيران الماضي، بينما زادت عقود فول الصويا لشهر مايو/ أيار 4.2 بالمئة إلى 17.41 دولار للبوشل مسجلة ارتفاعا لسادس جلسة على التوالي. وبلغت في وقت سابق من الجلسة أعلى مستوى منذ سبتمبر أيلول 2021 عند 17.56 دولار.
كما سجّلت أسعار الحبوب مستويات قياسية في جلسات التداول الأوروبية، اذ بلغ سعر القمح 344 يورو للطن الواحد لدى مجموعة "يورونكست" التي تدير عددًا من البورصات الأوروبية، وفي حين تسهم أوكرانيا وروسيا بنحو 29 في المئة من صادرات القمح العالمية و19 في المئة من إمدادات الذرة في العالم و80 في المئة من صادرات زيت دوار الشمس، يخشى التجار أن تؤثر الحرب الحالية على حركة الحبوب وتدفع المستوردين للبحث عن بدائل للإمدادات القادمة من منطقة البحر الأسود.
وفي أول تعليق من دولة عربية اليوم الخميس قال متحدث باسم وزارة التجارة العراقية إن العراق يملك مخزونا استراتيجيا كافيا من القمح من مشترياته من القمح المحلي من المزارعين في الموسم الماضي، مضيفا أنه غير قلق بشأن المخزونات. لكنه أضاف أن العراق قد يطرق السوق لشراء قمح إذا طال أمد الأزمة بين روسيا وأوكرانيا وسيعلن عن خطة الشراء في حينه، وعانت دول عربية من الجفاف هذا الموسم، وتستورد عدة دول عربية القمح من روسيا وأوكرانيا، ما يزيد المخاوف من تداعيات كبيرة على الإمدادات المحلية.
وحذرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد من تداعيات خطيرة، وقالت: "لأنّ أوكرانيا هي من أكبر مصدّري القمح في العالم، وخصوصًا لللعالم النامي، فإنّ روسيا يمكنها أن تتسبّب بارتفاع أسعار المواد الغذائية وبجوع أكثر شدّة في أماكن مثل ليبيا واليمن ولبنان".
الحرب تصيب الخبز
مع بداية العملية العسكرية في روسيا، شهدت الأسواق المالية والاقتصادية صدمة حقيقية انهارت معها الأسهم، وارتفعت أسعار النفط لمستويات غير مسبوقة، ولن يتوقف الأمر عند هذا، إذ إن ارتدادات هذه العملية العسكرية ستطول خبز المواطن العربي.
وسيتعرض الخبز -المكون الحيوي والأساسي في المائدة العربية- لهزة عنيفة بسبب أن الأمر يتعلق باثنين من أهم مصدري القمح في العالم؛ روسيا وأوكرانيا. وهناك دول عربية تعتمد بشكل كبير على هذين البلدين في التزود بحاجتها من القمح، وحتى تلك التي لا تعتمد على البلدين ستعرف ارتفاعا في أسعار القمح.
وفي الفقرات التالية سنبين مدى اعتماد سلة القمح العربية على الصادرات الروسية والأوكرانية، حسب بيانات السوق العالمي للقمح لسنة 2019-2020 الصادرة عن مرصد التعقيدات الاقتصادية.
هل روسيا وأوكرانيا من أهم مصدري القمح؟
نعم، ذلك أن روسيا تعد أكبر مصدر للقمح في العالم، ففي سنة 2019 شكلت الصادرات الروسية 18.4% من الصادرات العالمية، بقيمة 8.1 مليارات دولار، أما أوكرانيا فتعد خامس مصدر للقمح في العالم، وتبلغ قيمة صادراتها 7.03% من الصادرات العالمية، بقيمة 3.1 مليارات دولار، وهذا يعني أن مجموع القمح المصدر من البلدين يبلغ 25% من القمح العالمي، أي أن ربع سلة العالم من القمح توجد في هذين البلدين.
ما أهم الدول العربية المستوردة للقمح؟
تعد مصر أكبر دولة مستوردة للقمح في العالم، ذلك أنها وحدها تستورد 10.6% من مجموع صادرات القمح العالمية، بغلاف مالي مجموعه 4.67 مليارات دولار سنة 2019، ويبلغ حجم الاستهلاك السنوي 18 مليون طن، ثم هناك الجزائر التي تستورد 3.3% من مجموع صادرات القمح العالمي، بمجموع 1.47 مليار دولار، ويبلغ حجم الاستهلاك السنوي للقمح في الجزائر 10.8 ملايين طن.
وفي المرتبة الثالثة المغرب، الذي يستورد 2.05% من صادرات القمح العالمي، بنحو مليار دولار سنويا، ويبلغ حجم الاستهلاك السنوي من القمح في المغرب 10.4 ملايين طن، ثم هناك اليمن الذي يستورد 2.3% من مجموع الصادرات العالمية للقمح، والسعودية بنسبة 1.6%، والسودان 1%، وفي المجموع، فإن الدول العربية تحتكر وحدها نحو 25% من صادرات القمح العالمية؛ مما يظهر حجم الاعتماد على الاستيراد للحصول على القمح.
ما حجم اعتماد الدول العربية على القمح الروسي والأوكراني؟
تعتمد دول عربية كثيرة على القمح الروسي والأوكراني بشكل كبير. وعلى سبيل المثال، فإن مصر تحصل على 54.5% من حاجتها من القمح من روسيا، وتستورد 14.7% من حاجتها من القمح من أوكرانيا، وهذا يعني أن مصر تحصل على 70% مما تحتاجه من القمح من البلدين، أما المغرب، فإنه يعتمد على القمح الروسي لتوفير 10.5% من القمح، ومن أوكرانيا بنسبة 19.5%؛ يعني تقريبا ثلث حاجة المغرب من القمح يتم توفيرها من روسيا وأوكرانيا، أما السودان فيعتمد وبشكل كبير جدا على القمح الروسي، ويستورد نحو 46% من روسيا وحدها، في حين لا يستورد القمح الأوكراني.
أما اليمن، فيحصل على القمح من روسيا بنسبة 31%، ومن أوكرانيا بنسبة 6.8%، يعني أكثر من ثلث سلة اليمن من القمح يأتي من هذين البلدين، وتعتمد تونس وبشكل كبير على القمح الأوكراني، ويشكل نحو النصف (48%) من واردات تونس من القمح، في حين تستورد نسبة ضعيفة من روسيا (3.97%)، أما الأردن فلا يعتمد على القمح الروسي، في المقابل يستورد 11% من حاجته من أوكرانيا، ويحصل على 86% من رومانيا.
ما الدول العربية الأكثر استيرادا للقمح الروسي؟
حتى الآن لم تتأثر واردات القمح الروسي، إلا أن الأسعار ستتأثر بالحرب الحاصلة حاليا في أوكرانيا، خاصة مع تزايد العقوبات الغربية على روسيا، الأمر الذي قد يفرض المزيد من القيود على العلاقات التجارية معها.
وتعد مصر أكثر دولة في العالم استيرادا للقمح الروسي بنسبة 31.3% من مجموع الصادرات الروسية من القمح، أي نحو الثلث من القمح الروسي الموجه للتصدير تحصل عليه مصر، ثم تأتي بقية الدول العربية، مثل اليمن التي تستورد نحو 4% من مجموع الصادرات الروسية، ثم هناك السودان بنسبة 2.5%، والمغرب بنحو 1.1%، والإمارات بنسبة 1.8%. وعموما تحتكر الدول العربية 42% من القمح الروسي.
ما الدول العربية الأكثر استيرادا للقمح الأوكراني؟
مصر أكبر دولة مستوردة للقمح الأوكراني بنسبة 22%، ثم تونس بنسبة 6.3%، ثم المغرب بنسبة 5.7% من مجموع الصادرات الأوكرانية من القمح، وبصفة عامة، فإن الدول العربية تستأثر بأكثر من 38% من القمح الأوكراني، أي أكثر من ثلث سلة القمح الأوكراني الموجه للتصدير.
كيف تغلبت النساء على نقص القمح في الحروب؟
لم تستسلم النساء أبدا في أزمنة الحروب والأوبئة، وابتكرن أطباقا وأطعمة بالمتاح لديهن، بعد وقت قصير من حديث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب متلفز على التلفزيون الروسي الرسمي الأربعاء الماضي، بددت أصوات الانفجارات هدوء الفجر في العاصمة الأوكرانية كييف، العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، قوبلت بعقوبات أميركية وأوروبية ووعود بمزيد من العقوبات، وهو ما جعل خبراء إستراتيجيين يتوقعون تفاقم مخاطر إمداد صادرات القمح في السوق العالمية، التي ارتفعت أسعارها بالفعل منذ بداية فبراير/شباط الجاري، تزامنا مع التوترات الروسية الأوكرانية.
ما يحدث اليوم على الساحة العالمية من ارتفاع أسعار القمح، وتوقع استمرار الزيادة مع انخفاض الصادرات باعتبار روسيا وأوكرانيا تمثلان حوالي 29% من صادرات القمح العالمية، خاصة أن روسيا أكبر مصدري القمح في العالم، وفق "سي إن بي سي" (CNBC)؛ يعيد للأذهان ما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ويتوقع المحللون ارتفاع أسعار القمح بنسبة 30%، وإذا كانت العقوبات لا تزال سارية بحلول يوليو/تموز المقبل، عندما يبدأ حصاد المحصول التالي من القمح، فسوف تقلل العقوبات من توفر الحبوب عالميا.
وخلال الحرب العالمية الأولى، شحنت الولايات المتحدة -ثاني أكبر مصدر للقمح عالميا- كل القمح المتوفر لديها على شكل دقيق أبيض إلى أوروبا لإطعام قواتها هناك، وفقا لـ"مكتبات جامعة ولاية كارولينا الشمالية"، وكان على المواطنين الأميركيين تناول الوجبات بدون قمح إلا نادرا، وكان الأمر أكثر سوءا في باقي الدول حول العالم.
مادة الغلوتين لا توجد في أنواع الحبوب المختلفة، مثل القمح والشعير، والأطعمة المصنوعة منها فحسب؛ حيث أنها قد تختبئ أيضاً في الصلصة ذات القوام الغليظ مثلاً أو الأحسية أو خلطات التوابل. (النشر مجاني لعملاء وكالة الأنباء الألمانية "dpa". لا يجوز استخدام الصورة إلا مع النص المذكور وبشرط الإشارة إلى مصدرها.) عدسة: dpaلم تكتف النساء بصنع خبز الشوفان بل ابتكرن بالمتاح لديهن وجبات تعوض الأكلات التقليدية (وكالة الأنباء الألمانية)
القمح يعني الدقيق (الطحين)، والدقيق يعني الخبز، وهو ما وضع الأمهات في زمن الحرب العالمية الأولى في مأزق إطعام أبنائهن، وقد تغاضين عن اللحوم والفاكهة والسكر، لكن القمح كان شيئا آخر.
وبعد محاولات عدة من النساء، حينها، صنعن ما يسمى بـ "خبز الحرب"، مستخدمات كل ما تقع عليه أيديهن من أنواع الطحين البديلة، بما في ذلك الأرز أو الشعير أو الجاودار أو الشوفان أو البطاطس أو الحنطة السوداء.
وشجعت إدارة الغذاء الأميركية -خلال الحرب العالمية الأولى- مواطنيها على عدم تناول القمح والاستغناء عنه بالبطاطس كلما أمكن ذلك، وفقا لـ "توغيذر ويوين" (ToGether WeWin)، وكان "خبز الحرب" منتشرا في أميركا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول، على اختلاف المكونات المتوفرة في كل بلد.
وخلال عامين من بداية الحرب العالمية الأولى، لم تكن بريطانيا قد أمنت الإمدادات الغذائية لجيشها ومواطنيها، ومع استمرار الحرب، نظمت لجنة القمح البريطانية معدل استخراج الدقيق من القمح، وقيدت مكونات المخابز للكيك وحلويات الدقيق، وكان الهدف هو ضمان إمدادات كافية من الخبز وسمي باسم "خبز الحرب".
وارتفع معدل استخراج الدقيق من القمح من 76% عام 1916 إلى 81% عام 1917، مع خليط من الشعير أو الشوفان أو دقيق الجاودار، ومع إضافة دقيق الصويا أو البطاطس، وكان الخبز داكن اللون ذو مذاق مختلف، فقامت النساء بصنع الخبز بأنفسهن داخل البيوت مستخدمات بقايا الدقيق المتوفر وخلطنه مع الأرز المطبوخ مسبقا أو البطاطس، بالإضافة إلى الفاصوليا أو الشعير لصنع خبز خاص، وفقا لـ"ذا هيستوري برس" (Th ehistory press).
ظهور مخبوزات الذرة والشوفان
بعد ترويج إدارة الغذاء الأميركية -خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية- لدقيق الذرة، باعتباره بديلا للدقيق الأبيض، خاصة أن الدهون في دقيق الذرة أكثر من دقيق القمح، صنعت النساء لأول مرة -حينها- كعكة الذرة الهشة وخبز الذرة بالحليب الرائب "الحامض" وكعك المافن.
ومثلما وجدت النساء في دقيق الذرة وصفات جديدة، سعين إلى تجربة بديل آخر للدقيق الأبيض تم الترويج له أيضا خلال الحرب، وهو الشوفان، وفقا لـ"مكتبات جامعة ولاية كارولينا الشمالية".
ولم تكتف النساء بصنع خبز الشوفان، بل ابتكرن بالمتاح لديهن وجبات تعوض الأكلات التقليدية، ومن تلك الابتكارات:
المهلبية البنية: كوبان من دقيق الشوفان المطبوخ، نصف كوب من السكر، نصف كوب زبيب، تمزج هذه المكونات معا وتخبز لمدة نصف ساعة، ثم تقدم ساخنة.
الشوفان بالفاكهة: كانت النساء يصنعن تلك الوجبة للإفطار باستخدام كوبين من دقيق الشوفان، حبات تفاح مقطعة صغيرة، زبيب، نصف كوب سكر، نصف ملعقة صغيرة قرفة، ويتم مزجها معا وخبزها لمدة نصف ساعة، واستخدمت النساء فواكه مجففة أو طازجة أو تمر أو فول سوداني مطحون بدلا من التفاح إذا لم يكن متوفر لديهن.
حساء الشوفان: مع قلة الوجبات التقليدية الساخنة في ليالي الحرب، صنعت النساء في الحرب العالمية الأولى ما يعرف بـ"حساء الشوفان" باستخدام دقيق الشوفان، وشرائح البصل، وملح، وورق الغار وغلي الخليط في الماء لمدة ساعة، ثم إضافة الحليب والتوابل ونصف ملعقة كبيرة من الزبدة عند النضج.
البطاطس
في الحربين العالميتين الأولى والثانية كانت البطاطس متوفرة مقارنة بالدقيق، وروجت الجهات المسؤولة في بعض الدول للبطاطس بديلا عن القمح، وأن حبة بطاطس متوسطة الحجم تمنح الجسم نفس القدر من القيمة الغذائية الموجود في شريحتين من الخبز.
ووفق "لافندر آند لافيدج" (Lavender And LovAge)، من الوجبات الأصيلة التي ابتكرتها النساء عام 1915 كانت فطيرة السبت.
فطيرة السبت: استخدمت النساء البطاطس بعد سلقها وهرسها، ووضعن طبقة منها في قاع الإناء وعليها طبقة من بقايا البروتين المتوفر بعد فرمه وتتبيله مع البصل ثم وضعن طبقة أخرى من البطاطس فوق الخليط إضافة إلى القليل من المرق وطهيها في الفرن وأطلقن عليها فطيرة السبت.
بسكويت البطاطس: للترفيه عن الأسرة وقت الحرب صنعت النساء البسكويت باستخدام البطاطس، وظلت الوصفة متناقلة حتى اليوم. كوب بطاطس مهروسة، كوب دقيق، وبيكنغ بودر، وملح، وملعقة كبيرة زبدة، ونصف كوب حليب. تخلط المكونات معا مع إضافة الحليب بالتدريج لعمل عجينة طرية.
تفرد على لوح مرشوش بالدقيق وتقطع إلى أشكال بواسطة قاطعة بسكويت. وتخبز لمدة 12 إلى 15 دقيقة في فرن ساخن.
كعكة البطاطس: مع ندرة الدقيق استخدمت النساء نفس وصفة الكعكة المعتادة واستبدلن الدقيق بكوب من البطاطس المهروسة ونصف كوب حليب، على أن يتم هرس البطاطس جيدا وخفقها مع الحليب حتى تصبح خفيفة جدا ومناسبة لصنع الكعكة.
لم تستسلم النساء أبدا في أزمنة الحروب والأوبئة، وابتكرن أطباقا وأطعمة بالمتاح لديهن، لعل أقرب تلك الأوبئة وباء كورونا، حيث ابتكرت النساء أصنافا من الطعام منها "بسكويت الـ10 دقائق"، حتى وإن شح القمح، بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وفرض العقوبات على موسكو، دائما ستحاول النساء وسيجدن بديلا ويبتكرن لإطعام أسرهن في أوقات الشدة قبل الرخاء.