طاقات الشباب وفخ العبثية
محمد علي جواد تقي
2017-01-14 06:30
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} سورة المؤمنون، الآية:115
رغم ما يتميّز به الشاب بين افراد المجتمع بقدراته العضلية والذهنية الوثّابة، تنتابه مشاعر مزعجة تقتحم روحه – احياناً- وتلقي فيها صوراً عن العبثية في الحياة، وأن كل شيء يسير على غير هدى ولا كتاب مبين، بينما اذا تطلّع الى آفاق السموات والارض، وجد أن الكون المحيط به والارض التي يعيش عليها، إنما تحكمه القوانين والحسابات الدقيقة لحكمة بالغة لا يشوبها العبث واللهو؛ فالظواهر الطبيعية وحركة المنظومة الشمسية تعمل وفق هدف واضح وغاية محددة لها سلفاً، وهذه الحقيقة التي كشف عنها القرآن الكريم غير مرّة، مبيناً أن الشمس والقمر والرياح والماء والنبات والحيوان وغيرها، إنما مخلوقة لخدمة الانسان، وعليه أن يحسن الاستفادة منها.
وقبل أن يتوصل العلماء الى العلاقة بين القمر وبين المدّ والجزر في البحار، كان الأئمة المعصومون، عليهم السلام، قد كشفوا عن وجود علاقة بين القمر في اول الشهر او أوسطه او آخره، وبين الممارسة الجنسية بين الزوجين، وأن لا تكون ليلة الزفاف والقمر في برج العقرب، والكراهية في ذلك تحمل محاذير معينة مذكورة في كتب الفقه والاخلاق، وهنالك الكثير، الكثير من الشواهد الدالّة على وجود القوانين الطبيعية والكونية التي لها مدخلية في تحقيق الراحة والأمان للانسان.
مع كل ذلك؛ ما الذي يبعد هذا الانسان المملوء طاقة وحيوية عن كل هذه القوانين والحِكمة منها، والتي يعيشها يومياً ويلمسها بنفسه؟
انه الابتعاد عن دائرة الذات، والغوص في دوائر الازمات والمعاناة التي يعيشها الشباب في محيط الدراسة والعمل وحتى المحيط الأسري، فتصدر التنظيرات بمسؤولية النظام السياسي وفساده وعدم أهليته للحكم الرشيد، فيما يذهب آخرون تأثيرات الاطراف الاقليمية والدولية وصراع المصالح والنفوذ وغير ذلك، بما يندرج تحت نظرية "المؤامرة" وإنه وراء خلق حالة الفوضى وغياب القانون في كثير من الاحيان، وكل هذا يشكل منظومة لتوليد الشعور بالعبثية في الحياة.
وربما يتصور بعض الشباب أن الحكمة يجب ان تتجلّى فقط في القرارات الحكومية والمناهج الدراسية والمشاريع الاقتصادية، وربما حتى المشاريع القادمة من الخارج! وما عليه سوى التفرّج عليها بشيء من البهجة والارتياح كما يستمتع بدفء الشمس في الشتاء البارد، أو يستفيد من مياه المطر لري الاراضي الزراعية والحصول على ثمار رخيصة، وهكذا... وإن حصل خطأ في تلك الدوائر البعيدة، فما عليه إلا ان يندب حظه ويلعن اللحظة التي ولد فيها!
ولكن؛ عندما نجري مقارنة بين الحكمة من وجود القدرات في الطبيعة والكون، وبين الحكمة من وجود القدرات العظيمة لدى الانسان بشكل عام، والشاب بشكل خاص، يتضح لنا بشكل مذهل أن حالة العبثية ما هي إلا عارض نفسي يمكن معالجته، بشرط التوقف مليّاً للتوصل الى جملة معارف منها؛ معرفة نفسه وقدرتها على تسخير كل تلك القدرات وتوظيفها لخدمته ولتحقيق سعادته في الحياة، فاذا لم يعرف الشاب قدر نفسه، لن يكون بوسعه معرفة قدراته.
والحقيقة الاخرى التي تكشف عنها القوانين الثابتة في الحياة والكون، أن لا مصداقية لافكار مثل "الصدفة" و"الحظ" وأنها لن تصمد أمام قانون العلّية (العلة والمعلول)، وأن العالم، هو عالم الاسباب، وأن افكار كهذه هي التي تقف وراء تحطيم القدرات والطاقات وضياعها، وقتل روح الابداع في نفوس الشباب.
ليس هذا وحسب، فالامر لا يتوقف على المشكلة الشخصية، إنما تنعكس على الواقع الخارجي عندما تواجه المجتمع والدولة الشحّة ليس في حملة الشهادات العلمية، وإنما في الكفاءات والمهارات في المجالات كافة، فربما يكون لدينا أعداد كبيرة من حملة الشهادات في الطب والهندسة والقانون والاقتصاد والادراة وغيرها، بيد ان نظرة بسيطة على واقع المراكز التعليمية في المدارس والجامعات والمعاهد، تنكشف لنا بذور هذه الحالة النفسية لدى البعض – ولا نقول شريحة واسعة- حيث التعامل مع المادة والاستاذ ومع عامل الزمن، بنظرة استخفاف ولا أبالية مهما كانت النتائج وخيمة.
إذن؛ فان تدارك الامر لن يكون من جانب الشباب وحدهم، وإنما تجب مساهمة أطراف أخرى في التحذير من هذه الحالة ثم إزالة معالمها وجذورها، من خلال نشر ثقافة تحمّل المسؤولية وإثارة المشاعر الانسانية مع جملة حوافز من شأنها ان تشكل دوافع خيّرة تجعل الشاب يعيش وفق قوانين الحياة ومساراتها، والأهم من كل ذلك؛ التذكير بعامل الزمن، وأن مرحلة الشباب بما تحمله من حيوية ونشاط، لن تدوم لصاحبها، حيث يأتي اليوم الذي يصحو على نفسه وقد خارت قواه ويكون شعوره بالعجز عن القيام ببعض الاعمال، قاسياً ومؤلماً.