ان لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب!
دعاء رحيم سلطان
2016-11-02 08:34
مقولة تتردد كثيرا على مسامعنا ومن الناس من لم يعراها اهمية لكن البعض يجعلها حكمة ومسلكا في حياته حيث يبني قيمه واعرافه بموجبها ويحطم كل ضوابط المعرفة والاخلاق وينشئ بدلا عنها كل ما يحقق طموحه فيوؤد الاخلاق التي فُطر عليها كانسان يحمل كل معاني الانسانية من رحمة ورأفة وصدق ووفاء.
تختلف وجهات النظر من حيث الخطأ والصواب في تطبيق هذه المقولة فمن يَظلم الاخرين يجدها مبررا لكل ما يقوم به من افعال واستغلال وسعي لكسب ما يريد دون مراعاة لحقوق الاخرين اما من يُظلم فيعتقد انه لوكان قد سلك طريق الذئاب وتاخذه لما وقع عليه الظلم واصبح لقمة سائغة لهم.
اما ما يراه العاقل اللبيب هو ان هذه المقولة دعوة للانقلاب على كل رحمة ومسامحة وتعاون لاضعاف المجتمع وتحطيم قواعده المبنية على اساس القاعدة الدينية (حب لاخيك ما تحب لنفسك) وجعل الانسان فريسة سهلة لكل طامع حاقد لا يفكر الا بانانيته و منطق الغابة الذي لا رحمة فيه.
ان الموازنة في ان يكون الانسان ذئبا او ان يسمح للذئاب بالتمكن منه تكمن في الاستطلاع والتحقق اولا وقبل كل شي فهل من الممكن اعطاء الثقة لأي كان؟ او من الممكن ان نصدق أيا كان، ؟ هل يمكن الاطمئنان الى مايقوله الاخرون والوثوق بادعاءاتهم؟ دون تحقيق واستطلاع واختبار.
نعلم جيدا ان هناك الكثيرون ممن يعجبك كلامهم ويتحدثون عن التسامح والصفح والحلم والتضحية والايثار ولكنهم يرتكبون الاعمال القبيحة ويمارسون الغدر بكل اشكاله، مثل هؤلاء عطر كلامهم يسحر القلوب ويبعث على الدهشة والاعجاب ولكن اعمالهم تفوح منها رائحة الميتة النتنة.
اذن يجب ان لا نثق باي كلام وان لا ننخدع باي مظهر جميل وكلام لطيف لان الامام امير الؤمنين عليه السلام يقول : (الطمانينة الى كل احد قبل الاختبار عجز) فكيف يمكن ان يكون هذا الاختبار؟.
ومن اجل التعرف على الشخص واختباره يجب دراسة ماضيه ومستقبله ومعرفة اصدقائه ومعارفه لان الاصدقاء الحميمين هم بمثابة المرآة التي تعكس اخلاق وتصرفات الفرد، كما يجب التحدث مع الافراد الذين عاشروا هذا الشخص وعاشوا وتعاملوا معه ولا سيما الذين سافروا معه وذلك من اجل معرفة مدى امانة وصدق ووفاء وايمان هذا الشخص الذي نحن بصدده وبعد ذلك يمكننا وبصورة تدريجية ان نثق به ونتعرف عليه وان نزيد من هذه الثقة قليلا بعد كل لقاء يتم بيننا وبينه.
واذا ما وثقنا بشخص دون ان نختبره ونتعرف عليه مسبقا فكاننا مشينا في طريق مظلمة وخطونا باتجاه المجهول والقينا بانفسنا الى التهلكة والضلال وسرنا نحو الضياع، وفي هذا المجال نود ان نطرح رسالة قصيرة من احد الاشخاص يقول فيها:
(في اليوم الاول الذي ذهبنا فيه الى منزلهم لخطبة ابنتهم اعجبتنا اخلاق اهل الفتاة واسلوب تعاملهم وتصرفاتهم، فقد كان كلامهم جميلا وجيدا ولكثرة ما تكلموا عن التسامح والتضحية والايثار والاخلاق الحميدة فقد تصورنا باننا عثرنا على ضالتنا وعلى الفتاة التي نتمناها، وعندما تكلمنا عن المهر والعرف والتقاليد المتبعة في هذا المجال قالوا لنا: ان الزواج ليس بيعا او شراء فالمهر الذي تطلبونه لابنتكم انتم قدموا مثله لابنتنا هذه.
بعدها اتفقنا على اقامة حفل عقد القران واقيم هذا الحفل بالفعل بالشكل المطلوب وبكل خير وهناء وكان حفلا كبيرا يبعث على الفخر والاعتزاز وجلس والد العروس الى جانبي وقال لي :انت اصبحت من الان ابني وان رقيك وتقدمك هو مبعث فخر واعتزاز لي وهؤلاء ( يقصد اقاربه الذين كانوا موجودين في حفل عقد القران) يقولون لي: ان مهر العروس الذي عيناه هو مبلغ قليل يسيء الى سمعتنا بين الاقارب فلا تجعلني خجلا مطأطئ الراس امامهم فهم يقولون لي: اما ان لا تطلب مهرا لابنتك او ان تطلب المهر الذي يرفع من شانك ويليق بمكانتك.
وانا لا اريد ان اطلب مهرا وقررت ان يكون مهر ابنتي نسخة من القران الكريم وحسب فقال والدي لوالد العروس : كلا لا يمكن ان يتم الزواج بدون مهر فحددنا المهر.
فقال والد العروس: اذن اسمح لي ان اضيف صفرا واحد الى المبلغ الذي حددناه وبعد انتهاء العقد مباشرة اهب لكم المبلغ باكمله ليعيش الزوجان الشابان مدى العمر بسعادة وهناء وعزة ، واساسا فان المهر ليس امرا مهما؟.
والدي لم يكن موافقا على هذا الامر (زيادة المهر) ولكنني قبلت وقلت سمعا وطاعة! اقبل بكل ما تطلبونه، فاني اريد ان اعيش، اني مستعد للقيام باي عمل تطلبونه، نعم، لقد قبلت لانني لو لم اقبل بذلك لحدثت فضيحة ولحصلت مشكلة وكان من الممكن ان يتوتر الوضع . وعلى هذا الاساس فقد حدد المهر ووقعت وثيقة العقد بعد ان قرات صيغة العقد وانتهى الحفل بسعادة وفرح وسرور وانا المسكين لم اكن اعلم بما كان يدور من حولي.
و بعد فترة انقلبت الامور راسا على عقب وبدات التصرفات القبيحة الشائنة والاحقاد تلقي بظلالها السوداء القاتمة على حياتي واني الان اتمنى من الله الموت، وليس لدي امل اخر وخلافا لما كان عليه الوضع في الايام الاولى (لزواجنا) لم يعد هناك كلام عن الصفح والتضحية والايثار والايمان بالله بل حل محله العداء والكذب والسباب والشتائم والتحلل الخلقي والان وبعد نكثهم لكل ما تعهدوا والتزموا به فان (اهل زوجتي) قدموا شكوى ضدي يطالبون بمهر ابنتهم يا للاسف فاني وثقت بهم واردت ان احقق السعادة لابنتهم ولكنهم كانوا قد خططوا لشقائي وتدمير حياتي.
فهل يجدر بهم ان يتعاملوا بهذا الشكل مع شخص وثق بهم بكل صدق واخلاص ؟! وقد علمت فيما بعد انهم فعلوا نفس الشيء مع خطيب ابنتهم السابق وانا المسكين لم اكن اعلم بذلك . . . فاي قانون هذا الذي يفرض على شاب بان يدفع مبلغ كبير كمهر لامراة لم يتزوجها سوى لمدة شهر واحد ؟! فقد كنت اتصور بان المهر لايدفع الا اذا اراد الرجل ان يطلق زوجته ؟! كنت اتصور بانهم صادقون في كلامهم وانهم سيهبون ويتنازلون لي عن مبلغ المهر باكمله! اني لم اتزوج من هذه المراة لكي اطلقها! من اين اتي بالمال ؟، ما هذه المصبية التي حلت بي !!!!!
فلنبني اعمالنا وتصرفاتنا في هذه الحياة على اساس العلم والمعرفة وليس على اساس الخيال وسراب التمنيات اي ان العمل اذا لم يكن مستندا الى الوعي والدقة والتفكير فانه يكون هشا وضعيفا سرعان ما تنفصم عراه وينهار وينتشر منه غبار الندم والاسف، وفي النهاية نقول كن محتاطاً فطناً لا ذئبا ولا ساذجا حتى لا تؤذيك الذئاب وكن كما يريدك الاسلام وتريدك الاخلاق لتروض من حولك من الذئاب ليتعلموها كيف يصبحون مثلك ذوي اخلاق ومروءة و نخوة.