ضمانات التشابك الاجتماعي
علي حسين عبيد
2024-10-23 04:09
التشابك الاجتماعي، يُقصَد منه، تداخل المصالح لأفراد وجماعات ومكونات المجتمع الواحد، لدرجة التشابك المتبادَل، بحيث ينتج عن ذلك نوع من التلاحم، يصعُب إضعافه أو القضاء عليه، فعندما تتشابك علاقات الناس ومصالحهم مع بعضها، سوف يعمل الجميع على تمتين العلاقات الاجتماعية، والمشاركة في حالة الاستقرار التي تضمن سلامة هذه المصالح.
الجميع سوف يعرف ويؤمن بأن حالة عدم الاستقرار، ليست في صالح أبناء المجتمع، كونها تهدد حالة التشابك والتداخل في المصالح الاجتماعية، يحدث هذا أولا على الصعيد العملي، التجاري، الربحي، فالتشابك السليم بين مكونات المجتمع، والتفاهم على حماية هذه العلاقات سواء تم ذلك في المجال التجاري، وسوق العمل والاقتصاد، أو تم في مجالات السياحة، والتعليم، وتبادل الخبرات، وتنمية الأواصر الثقافية.
هذه الجوانب كلها في حال تشابكت مع بعضها، فإنها تصنع توعا من (التناغم الاجتماعي) الذي يحرص أشد على الحرص على ديمومة الاستقرار، وتذليل المصاعب، وتجاوز المشكلات، والبحث الدائم عن الحلول التي ترضي الجميع، وتحافظ على مصالح وحقوق الجميع، وهناك نوع آخر من التشابك غير الاقتصادي أو العملي الربحي.
إقامة المؤتمرات الفكرية
فيوجد لدينا الجانب الثقافي، وإمكانية إقامة المؤتمرات الفكرية والثقافية وحتى العلمية، وتبادر زيارات العلماء والمثقفين والخبراء بين المناطق المختلفة للبلد الواحد، فعلا سبيل المثال، أقامت إحدى الجامعات الأهلية في مدينة الموصل مؤتمرا ثقافيا متميزا، جمعت فيه نخبة من المفكرين والمثقفين والأكاديميين والأدباء، وحضر هؤلاء من كافة مناطق العراق، وشاركوا في عقد جلسات هذا المؤتمر التي استمرت أربعة أيام.
وكان هذا المؤتمر كخلية النحل، حيث تفاعل الحاضرون والمشاركون وبنوا العلاقات (الفكرية، والثقافية، والاجتماعية)، وساهم ذلك في ترصين البنية الثقافية، بالإضافة إلى خلق حالة من الاستقرار والتقارب النفسي بين أبناء المجتمع الواحد، وإن كانوا من مكونات مختلفة، وعلى شاكلة هذا المؤتمر تم عقد العديد من المؤتمرات، كما قامت بذلك جامعة كربلاء المقدسة بالتعاون مع مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام وملتقى النبأ للحوار.
كانت البحوث والدراسات في غاية الأهمية حيث جعلت من موضوع الاعتدال محورا مشتركا لجميع المشاركات التي قَدِمَتْ من جميع محافظات العراق، وكذلك بحضور شخصيات علمية وفكرية وثقافية من خارج العراق، وكان لهذا التشابك العلمي الثقافي الاجتماعي مخرجات مهمة على الصعيدين التنظيري والتطبيقي.
هذا النوع من التشابك يمكن أن يجري في المجالات الرياضية المختلفة التي يمكن أن تجمع بين المحافظات، فتحضر الفرق الرياضية من صنوف مختلفة وتُقام الفعاليات الرياضية المتشابكة، بحيث تجمع بين أبناء المجتمع الواحد، وتقلل المشكلات والتناقضات التي قد تحدث فيما بينهم لأسباب مختلفة.
تحريك حالة التشابك على مستوى اجتماعي سوف يعمل على تقليص حالات التناقض، أزو تضارب المصالح بين الأفراد والجماعات في مختلف المناطق، وتحريكها في المستويات الأخرى أيضا يُسهم بطريقة وأخرى في خلق حالة من التماسك المجتمعي الذي ينشر حالة الاستقرار النفسي في المجتمع كله، لاسيما أننا حاليا نعاني من مشكلة الخوف من المستقبل، ولا نأمن من الحاضر، وهذا يؤدي بالنتيجة إلى حالة من الإرباك والفوضى، يمكن أن نلاحظها في حال قمنا ببعض النشاطات الفعلية التي تستهدف الكشف عن أسباب الخوف.
تقليص مساحات القلق
قلة التشابك الاجتماعي تؤدي بشكل كبير إلى الخوف من الحاضر، وتقود إلى عدم الاستقرار النفسي، في حين نلاحظ في بلدان ومجتمعات أخرى وجود هذا التشابك بقوة، فتتوحد المصالح وتذوب الفوارق، وتتقلص مساحات القلق والخوف، ويعيش الناس في مستوى نفسي واحد يقودهم إلى الاستقرار، وتراجع حالة الخوف من المستقبل، أو عدم الاطمئنان للحاضر.
هذه القضية تفرض على أصحاب المسؤولية والقرار، على الصعيدين (الرسمية و المدني) ما يلي:
أولا: نشر ثقافة التلاقح الفكري والعلمي والاجتماعي بين مكونات المجتمع.
ثانيا: تشجيع عقد المؤتمرات والفعاليات المختلفة التي تجمع بين الناس من تردد ولا حرج.
ثالثا: وضع القواعد المنهجية للسلوك والأخلاقيات وحماية المصالح في بنود واضحة تؤكد ضمان وحماية حقوق الجميع حاضرا ومستقبلا.
رابعا: التنسيق المستمر بين لجان تنبثق في المحافظات وتقود في لقاءات دورية لتنظيم فعاليات التشابك بالمجالات كافة.
خامسا: وضع منظومة وطنية هدفها تشجيع الفعاليات المشتركة، ودعمها ماديا ومعنويا.
سادسا: لابد من إبداء المقترحات بشكل مستمر لكي تكون هناك نشاطات مختلفة وتشابك اجتماعي علمي رياضي مستمر بين المكونات المختلفة للمجتمع.
خلاصة هذا الموضوع، يجب أن يكون هناك عمل منسَّق بين عناصر ارتباط تقوم بوضع الخطط الكفيلة بتحريك الواقع العام للمجتمع، وعدم الركون إلى التردد أو الاستسلام لبثّ روح الخلاف، وإهمال عنصر التشابك المهم في علاقات الناس مع بعضها، لأن تقوية النسيج الاجتماعي تنتهي إلى حالة عالية من الاستقرار النفسي للمجتمع كله.