جار السوء
اخلاص داود
2021-07-27 06:54
اتخذ المسلمون من قدوتهم ومعلمهم الاول نبي الرحمة محمد وآل بيته الكرام عليهم أفضل الصلاة والسلام اهمية حق الجار على جاره ونهى عن إيذاءه، وأكدها (صل الله عليه واله) بالآيات والأحاديث، واصبحت هذه القاعدة رابطة تربط المجتمع وأفراده ببعضهم البعض وملازمة للمؤمنين وجزء من اخلاقهم.
ومن القصص والروايات التاريخية الكثيرة التي ذكرت أهمية حقوق المسلم على اخيه المسلم وحفظ الجار والقيام بحقه، ما روي عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه قال: كانت فاطمة (عليها السلام) إذا دعت، تدعو للمؤمنين والمؤمنات، ولا تدعُ لنفسها.
فقيل لها: يا بنت رسول الله، إنك تدعين للناس ولا تدعين لنفسك؟
فقالت: الجار ثم الدار.
ولكن الحال تغير كما تغيرت الكثير من مواصفات المؤمنين التي اوصى بها وحث عليها نبينا وأل بيته الأطهار، وأصبح الكثير لا يهتم ولا يراعي الحقوق الواجبة عليه في الدين والقانون والانسانية ويسيء الجوار ويؤذي الجار، وتغيرت في مفهومها وتخرب عماد القاعدة ونظامها فأصبح تابعا للأسلام في شروط التعبد والمناسبات الدينية ومخالفا للأخلاق الموصى بها، وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.
للجيران أهمية كبيرة فهم الأقرب سكناً والمجاور لك ليل نهار طوال السنين، فان كان جار سوء فأنواع الإيذاء التي تصدر عنه لا تنتهي، ويحسب كأحد منغصات العيش التي تبتلى بها.
وبما ان القيم لا تتسم بالثبات ومكتسبة من المحيط وتتغير بسب تفاعلات الانسان مع بيئته زاد في عصرنا هذا تأثير الجار سلبا، مع تراجع القيم الاجتماعية في المجتمع، وتتعدد الأسباب التي نتج عنها تراجع المسؤولية الاخلاقية والانسانية للجار اتجاه جاره، فقد نسمع تزايد شكوى الناس من الإساءة والتصرفات المؤذية وإلحاق الضرر بجاره، ومنها المتعمدة او بدافع الجهل وغياب حس المسؤولية ويلعب ضعف الوازع الديني دورا كبيرا في تدهور العلاقة بين الجيران لعدم انضباط السلوكيات مما يسفر عنه اهمال متعمد واستهتار بحقوق الجار، وما زاد الطين بلة تقارب المساكن والافرع الضيقة في المناطق الجديدة، وتجمع الشباب والمراهقين في الشوارع وانعدام الوعي بالشكل الذي يحتاجه المجتمع المحافظ.
ومن اسباب تراجع تطبيق وتنفيذ بعض قيم المجتمع الاسلامي الانكسارات الداخلية التي تعرض لها المسلم بسبب صراعات واختلافات رجال الدين والخطابات التي تحث على الكراهية والتعصب وتشويش الفكر مما اثر بالاستقرار وتوازن القيم والاخلاق الحميدة في حياة الفرد الاجتماعية، وكذلك التدهور الامني وضعف تطبيق القانون وانتشار الفساد ادت الى ضياع حقوق الفرد التي تتعلق بالشأن الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو النفسي ومن اثاره الجسيمة انتشار الفساد والفقر مما اسهم بأضعاف السمات التي يفضلها جميع افراد المجتمع والتي حددتها ثقافتهم ودينهم ضمن الاطار التربوي العام للمجتمع كالنخوة، والمروءة، والاحترام والمساعدة بين الجيران واهل المنطقة الواحدة، وستر العورة و حفظ سره ومشاركتهم الاتراح والافراح.
كما ساهم التطور التكنولوجي السريع واجتياح (السوشيل ميديا) والضخ المعلوماتي الهائل المختلف والمنوع دون رقابة الى تشتت الافكار وازدواجية المعايير، وعليه يمكن اعتبار احد الطرق التي تسهم على التعريف بحقوق الجار وتعزيز اهميتها وتقويتها في المجتمع، تركيز المؤسسات الثقافية والمجتمع المدني على نشر القيم الاجتماعية التي تتصف بالإيجابية في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة لقربها الى المجتمع بجميع فئاته وطبقاته وسرعة انتشاره، وكذلك الإعلام الحكومي المستقل سواء كان الإعلام المسموع أو المرئي أو المقروء بأحياء عوامل بناء العلاقات الانسانية والتي بدأت بالتدهور والاندثار، والتعريف بالقوانين التي تحفظ حق الجار التي يجهلها الكثير.