الاحساس بالظلم: بين بركان الانتقام واخماد الغضب

عزيز ملا هذال

2021-06-03 04:05

في بيوتنا وفي وظائفنا وفي دراستنا يحدث ان نتعرض الى الظلم والاجحاف، ويقدم الظلم الينا بكؤوس مختلفة لكننا في النهاية نذوق مرارته ونقاسيها، فقد يكرم الموظف الاقل كفاءة منك لأنه متملق او لكونه ذو صلة بالمسؤول في العمل في يغفل عمداً جهدك الواضح ولم يشار اليه ولو بإشارة، او قد يمدح اخ لك في البيت كثيراً رغم ان نتاجه قليل وربما المديح له غير منصف لمن هو اعلى منه انتاجاً لأسباب عاطفية لا واقعية.

وجميعنا عانينا اعطاء علامات لزملائنا في الدراسة لأسباب غير اخلاقية ومتحيزة ولأسباب يعلمها الكثير منا، هذا التكريم غير الموضوعي لاحد غير مستحق واهمال صاحب الاستحقاق مما يولد لديه احساس بالظلم يبقيه غير مكترث لتحسين عمله او قد يؤدي عمله بسخط وتذمر كبيرين.

يتحول هذا الاحساس مع الوقت الى نوبة عارمة الغضب ولعلنا نعرف ان الغضب هو استثارة فسيولوجية تبدأ في الدماغ وتؤثر على جميع اجزاء الجسم مما يؤثر سلباً على صحتنا النفسية وحتى الجسمانية علاوة على حرماننا من السعادة التي يبذل الانسان كل مكنوناته وجهده في سبيل تحقيقها او تحقيق قدر منها.

ولأن الانسان في طبيعته غير استسلامي للظروف ويحاول التصدي لها او يغير ما يمكن تغيره منها فهو يحاول الانتقام رغبة في تحقيق العدالة والانتصار لنفسه تحت يافطة "ليس من العدل أن يفلت من تسبب في إيذائنا بفعلته"؛ وهو يرى ان تحقيق العدل هو شعور المسببين بالأذى له بنفس الالم الذي سببوه، فهل الانتقام يخفي اثر الاحساس بالظلم ام يجعله يستمر لفترات اطول؟، اذا ما اتفقنا ان الرغبة في الانتقام مدادها الغضب ومع تمكن الفرد من الانتقام فقد يُضاف إلى مشاعره السلبية بالأساس مشاعر سلبية أخرى مثل الشعور بالذنب مما يجعل العواقب أسوأ بكثير من ذي قبل.

يبقى الانسان يدور في دائرة مفرغة تبدأ من التقين من الظلم ومن ثم تحوله الى غضب وبعده الى رغبة في الانتقام واخيراً الشعور بالذنب ثم اليأس في كثير من الأحيان، وهذه الدائرة ستبقيه في وضع استعداد للحرب وهذا رد فعل بيولوجي طبيعي للتعرض للظلم، وعلماء الاعصاب والنفس يتفقون بحاجة الانسان الى العدالة والانتصار الى النفس إذ أظهرت الدراسات أن مراكز المكافآت في أدمغتنا تنشط عندما ندرك الإنصاف وتتحقق العدالة وعندما نُعاين الظلم فإن هذا يطلق الجزء البدائي من الدماغ الذي يتحكم في الخوف والغضب.

ذلك يعني اننا حينما نشعر بأننا تعرضنا الى القمع والظلم وغيرها من الطرق غير العادلة تذهب ادمغتنا تلقائيًا إلى وضع الاستعداد لرد الاعتبار مما يجعلنا عرضة للشعور بالقلق، في هذا السياق يقول علماء النفس اننا عندما نقاتل من أجل تحقيق العدالة للآخرين ورد اعتبارهم فإن هذا يمثل مصلحة ذاتية فيوفر نوعاً من الامتياز أمام أنفسنا لأننا نصبح مُنصفين انتصارنا للمبدأ وليست لأنفسنا فحسب.

ماذا يفعل الانسان في سبيل السيطرة على ردة فعل حين الاحساس بالظلم؟ اذا ما واجه احدنا دورة الظلم فالحري به ان يحصن نفسه من الانفعال الكبيرة التي تفقده صوابه و قد تحوله الى قاتل دون ما يشعر الا بعد فوات الاوان ولات حين مندم، كما من الجميل التحلي بالصبر للسيطرة على المشاعر العدوانية واخماد جمرة العواطف السلبية ولكي تخفف من الم الرحلة فكر في ايام ستأتي اكثر انصافاً فلن يدوم قهر ولا يستمر ظلم.

كما التفكير في الحلول اكثر من التفكير في المشكلة ذاتها من افضل التقنيات التي يعبر بها الانسان صوب المحطة القادمة في الحياة وترك المحطة التي سجل في تلكؤ او فشل في تحقيق ما كان يصبو اليه فلو بقينا نفكر ونغضب بصورة مبالغ فيها في كل مرة سيفوتنا الكثير من الوقت ونحن عالقون في تلك الذكريات المؤلمة للنفس.

ومن الذكاء توظيف ذكائك في احتواء المواقف والابتعاد عن المواجهة والعمل على تهيئة انفسنا للتعامل مع مثل هذه المواقف فلا يمكننا تغيير قرار أو سلوك شخص آخر إذا لم يكن يرغب في التغيير، وليس مبرراً ابداً التكاسل عن مهامنا بداعي عدم التقدير او الظلم بل يجب ان نؤدي مهامنا ومسؤولياتنا بتفان واخلاص ونتقبل الاشياء غير العادلة ولا ندعها تعطل وتوقف تقدمنا وتجعل حياتنا أكثر حزناً وكآبة، فالنجاح هو افضل ضروب الانتقام واكثرها إيجابية وفي النهاية حتماً ينتصر المظلوم وتتحقق عدالة السماء.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي