الكاميرا الخفية واستهداف قيم المجتمع
مصطفى ملا هذال
2020-05-07 04:30
ان تكون فنانا او شاعرا او شخصية اجتماعية معروفة بين الناس، فعليك ان تتوقع الوقوع في شرك الكاميرا الخفية الذي تنصبه بعض القنوات التلفزيونية في الأيام الاعتيادية وتضاعف من تلك البرامج في شهر رمضان الكريم.
فكرة هذه البرامج تقوم على استضافة احدى الشخصيات المذكورة أعلاه، او قد تكون من الشخصيات المغمورة، ويأخذ الحوار بالتصاعد لحين تأزم الامور، وخروج الضيف عن هدوءه الذي يليق به او الذي اتخذه ليظهر امام المشاهدين بالمظهر الجميل، وذلك ليجنب نفسه بعض الانتقادات التي يوجهها الجمهور بشكل مستمر لأي شخصية تطل عليه.
بعد ان يُجبر الضيف على الخروج عن قواعد السلوك لديه، وحقيقية ان الذي ادى به الى هذا الحال هو تجاوز المقدم او الشخصية المتفق معها لتنفيذ المقلب او إدارة جزء كبير منه، عن مبادئ الاخلاق العامة، وقد يوجه للضيف اتهامات مختلفة من بينها، لصق تهمة إقامة علاقة مع احدى زميلات العمل في مجال ما.
وقد تمتد التهمة لتطال كرامة الضيف والتقليل من قدره، ذلك بان ينسب اليه كلام جارح قاله بحق احد العاملين في ذات التخصص، ومن الممكن ان يكون الشخص الموجه الكلام اليه هو بالاساس لديه اختلاف بوجهات النظر مع الشخصية المُستضافة، ومن هنا تبدأ رحلة الإثارة والتلاعب بالأعصاب.
وتعود الأصول التاريخية لبرنامج الكاميرا الخفية الى أربعينيات القرن المنصرم، ففي عام 1948 عرضت قناة (cbs) الأمريكية برنامج تحت عنوان (الكاميرا الصريحة)، وكذلك برنامج فقط للضحك الذي يعمل على فعل مقالب المضحكة بالناس في الشوارع.
هذه البرامج تمكنت من الدخول الى المجتمعات العربية، لكنها لبست ثوبا مغايرا، واتبعت اسلوبا مختلفا عما هو معهود عنها، فبعضها جاء ليصحح مسار بعض التصرفات الاجتماعية السلبية السائدة في زمن معين، فنراها تناولت ظاهرة ضرب الأطفال، والاعتداء على الزوجة امام الجميع، وعدم احترام الوالدين من قبل الابناء وغيرها من الموضوعات المهمة.
وعلى الضفة الأخرى هنالك برامج ساهمت وبشكل كبير في تقليل مكانة الشخصيات العامة، والتي تتمتع بشعبية كبيرة، وقاعدة جماهيرية واسعة، فمن الممكن ان تؤدي طبيعة الحوار في البرنامج الى خروج بعض الألفاظ او التصرفات، التي من شأنها ان تقلل او تهز تلك المكانة.
اذ تتخذ تلك البرامج السخرية والتنمر أساليب مباشرة في التعامل مع الضيف، وبعد ان يتزايد صخب البرنامج وتُشحن الأجواء ويسود الخلاف، الذي قد يتجاوز الحد الكلامي وصولا الى الضرب والتلازم، بذلك يصبح المشهد وكأنه من المشاهد اليومية التي اعتدنا على رؤيتها في الشارع من بعض الاشخاص الذين لا يراعون المارة بمختلف الاجناس.
يوما بعد آخر نجد وسائل الإعلام تضعنا في حيرة من امرنا، فهي تريد ان تجلب السعادة لنفوسنا، بينما في الحقيقة تتلاعب في كرامة بعض الاشخاص وتنال منهم من خلال الاستهانة بهم وعلى مختلف المستويات، فقد تكون أعماله اذا كان فنانا محل تهكم وسخرية ووسمها بشتى الأوصاف المعيبة.
اما اذا كان شاعرا فهنا تكون التهمة حاضرة، وهي سرقة النصوص الشعرية، او بعض الأفكار من زملاء المجال، اذ يعد هذا التصرف من الأشياء المخجلة بطبيعة الحال، فماذا عسى الشاعر ان يقول او يتصرف اذا وجهت اليه مثل هذه الاتهامات، فنرى الغضب هنا يستشري في اجزاء كما النار في الهشيم.
هذه ردة الفعل الحادة تعود لجملة من العرامل، أقواها تأثيرا على الفرد وتصعد من حده الانفعلات هي ذاكرة الأفراد التي دائما ما تختزن الأشياء السلبية اكثر من المواقف الإيجابية، فقد يكون الفرد اطلع على فقرة الاتهامات ولم يعلم انه مقلب مخطط له بجميع تفاصيله.
ما نحتاجه اليوم هو تقديم برامج بعيدة كل البعد عن الإساءة للأشخاص بمختلف ألقابهم وصفاتهم، فهذه البرامج تعلي من قيمة الإنسان وتجعل من المحبة تسود بين الشرائح بصورة عامة، وعلى المحطات التلفزيونية ان تستثمر الحرية شبه المطلقة التي منحتها لها الجهات الرقابية، في تعزيز ثقافة التسامح والصفح عن الآخرين.