النفط بين السياسات والاوهام

القصة الحقيقة للأوبك

شبكة النبأ

2018-02-15 06:19

الكاتب: فاضل الجلبي
الناشر: London: I. B. Taurish
تاريخ النشر: 2010
عدد الصفحات: 311 صفحة
عرض: حامد عبد الحسين خضير

 

أصبح النفط يحتل اهمية كبيرة على المستوى المحلي والاقليمي والدولي وفي اغلب المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وهذا ما اضفى ايضاً اهمية للمنظمات والكارتلات للدول المنتجة والمستهلكة على السواء، وكنتيجة لأهمية النفط ومنظماته وكارتلاته جاء كتاب الدكتور فاضل الجلبي الموسوم بالعنوان اعلاه ليقدم قراءة علمية ودقيقة وشاملة عن النفط وسياساته وحقيقة منظمة اوبك.

الاوبك وحقيقة تاسيسها

من المعروف والشائع بشكل عام ان منظمة الاوبك تم تشكيلها بناءاً على الخسارة التي نجمت عن انخفاض اسعار النفط التي ترتب عليها انخفاض الموارد النفطية, خصوصاً وان اغلب اقتصاديات اعضاء منظمة الاوبك تعتمد بشكل كبير على هذه الموارد, ولكن ما يكشف النقاب عنه الدكتور فاضل الجلبي هو ان الشركات النفطية هي التي دفعت الى تشكيل منظمة الأوبك وذلك من اجل رفع اسعار النفط لان هذا الارتفاع يعني ارتفاع ارباح الشركات النفطية, اذ ان الشركات كان باستطاعتها ان تمنع تأسيس منظمة أوبك لو ارادت منع تاسيسها والقضاء عليها, وهذا ما تناوله الدكتور في الفصل الثاني تحت عنوان"لماذا تأسيس أوبك؟ هل هي مواجهة أم مصالح مشتركة؟"

حيث يذكر في ص53-54 ويقول" ويقول لو كانت شركات النفط قد شعرت بمواجهةٍ ما أو تهديد محتمل لمصالحها لكانت, وهي ذات النفوذ السياسي العظيم في تلك الايام, قد عرقلت ظهور هذه المنظمة الجديدة, لا سيما وان الوضع السياسي في عدد من اعضائها, مثل الكويت وقطر وابو ظبي, كان يخضع للحكومة البريطانية, بصفتها محميات وتعمل فيها شركة النفط البريطانية(BP). كما ان النفوذ السياسي الامريكي في السعودية وايران كان بوسعه القضاء على المنظمة منذ البداية لو ارادت الولايات المتحدة ذلك, إلا انه لم تظهر معارضة من اي جهة من الجهات, كما ان شركات النفط الكبرى لم تعترض على قرار الأوبك الاول, والذي منع شركات النفط من اجراء تغييرات في السعر المعلن, وكان بوسعها القيام بذلك وهومن حقها وفق شروط امتيازاتها. على العكس كان هناك تعاون في وضع قرار الاوبك عن الاسعارمن قبل شركات النفط,علماً أنه كان قراراً من جانب واحد يرمي إلى تغيير جذري في شروط الامتيازات القديمة".

دوافع سياسية وليس اقتصادية

واتضح من خلال تناوله للفصل الرابع ان السياسة النفطية في العراق لم تكن نابعة من منفعة البلد الاقتصادية بل كانت مدفوعة باعتبارات سياسية والحصول على الشهرة والزعامة على المستوى المحلي والاقليمي والعالمي."فالعراق بدلاً من الاستفادة مما هو نافع اقتصادياً وممكن واقعياً فانه اتاح لسياسة النفط أن تتاثر بمُثل وشعارات وطنية غيرعملية, فاصبح هو الخاسر من جراء ذلك, وخدم بذلك مصالح المنتجين الخليج من حيث لا يدري".

ايران وارتفاع الاسعار

ثم تناول الدورالايراني واصراره على رفع اسعارالنفط في الفصل الخامس, حيث كان الجانب الايراني وبالخصوص الشاه بمثابة شرطي الغرب وبالخصوص الولايات المتحدة الامريكية, في الخليج, وهذا الدور يحتاج الى مزيد من الاموال من اجل التسليح للايفاء بالدور المناط به, وبما ان زيادة انتاجه وصل الى ستة ملايين برميل نفطي يوميا, وهو بحاجة اكبر لمزيد من الاموال ولا يستطيع بنفس الوقت زيادة الانتاج لان زيادة الانتاج تؤدي الى الاضرار بالحقول النفطية, هذا ما دفع الى اصراره على رفع اسعار النفط دون الاخذ بعين الاعتبار الاثار السلبية التي تطرأ على مستقبل الطلب العالمي على النفط, مع العلم ان هذا الارتفاع كان يصب في مصلحة الشركات النفطية وبالخصوص شركة BP وشركة شيل الهولندية وهذه الارباح كانت اضعاف ما حصلت عليه الأوبك, ويمكن مراجعة الارقام في ص136 .

الجزائر وفرص السيطرة

ثم عرج إلى صنع القرار في اوبك في الفصل السادس وبين ان الذي كان يريد بل وفرض زعامته عليها واصبح صاحب القرار فيها هي الجزائر حيث كانت مصرة على رفع اسعار النفط مع العلم ان انتاجها واحتياطياتها النفطية كانت اقل بكثير من الدول الاعضاء الاخرى, لكن الدافع إلى الاصرار على رفع اسعار النفط هو انها(الجزائر) كانت بحاجة إلى الموارد المالية اللازمة لمتطلبات التنمية خصوصاً بعد خروج الاحتلال الفرنسي, بالاضافة إلى ان ارتفاع اسعار النفط سيشجع الجزائر الى رفع اسعار الغاز الطبيعي كونها تمتلك احتياطيات كبيرة منه, وهي تستخدم الجانب الاعلامي للضغط على الدول صاحبة الاحتياطيات الاكبر في حال لم ترغب برفع اسعار النفط, على انها دول متواطئة مع الغرب.

لماذا ظهرت الأوابك

كما وتحدث عن سبب ظهور منظمة "الأوابك" المختصة بالدول العربية المصدرة للنفط الخام,في الفصل الثامن, حيث اشار الى الضغط الذي مارسه جمال عبد الناصر على الدول العربية والنفطية بشكل خاص ويريد منها ان تخضع لمشروعه القومي حيث ذكر انه كان مهوس بتوحيد العالم العربي تحت قيادته فمارس الضغط على دول الخليج التي لا ترغب الانصياع والتخلي عن عروشها النفطية,وهذا ما دفعها وبالخصوص السعودية وبالاتفاق مع الكويت واختيار مكان هذه الاخيرة مقراً رسمياً للأوابك, وكأنها وجهت رسالة إلى جمال عبد الناصر فحواها انه, في ص171 "اذا ارتم البحث عن النفط فهنا المكان وليس الجامعة العربية", وذكر الدكتورالجلبي ان سبب مغادرته للعراق هو الشعور الذي انتابه من صدام حسين وكانت النتيجة هي العمل في منظمة الأوبك في فيينا.

ايران وارتفاع الاسعار مرة اخرى

كانت الاوضاع السياسية التي سادت في الربع الاخير من عقد السبعينات, لها السبب الرئيس في تقلبات اسعار النفط, حيث كانت الثورة الاسلامية في ايران بقيادة السيد الخميني والتفاف الجماهير حوله بما فيهم عمال الصناعة النفطية الوطنية الايرانية, ضد حكم الشاه, فحصل الاضراب عن العمل في هذه الصناعة فانخفض الانتاج والتصدير وهذا ما دفع الى تقلب اسعار النفط وارتفاعها. حيث يقول الدكتور الجلبي بهذا الخصوص في ص 199 " ان ثورة الخميني سببت الفوضى في الاسواق ودفعت السعرالى الارتفاع الشديد خلال بضعة اشهر, فبلغ اربعين دولارللبرميل الواحد. ان هذا قد ادى الى زيادة سعر الاوبك الرسمي الى 18 دولارللبرميل الواحد باستثناءالرسوم, والتي تتباين حسب نوع النفط الخام".

اوبك تحاصر نفسها

ان الدول الاعضاء وخصوصا اصحاب الاحتياطيات المحدودة كالجزائر وليبيا وفنزويلا في الغالب كانوا يرومون رفع اسعار النفط وذلك لتحقيق الموارد المالية دون الاخذ بعين الاعتبار الاثار المستقبلية التي يتركها ارتفاع اسعار النفط على الاعضاء اصحاب الاحتياطيات الهائلة كالسعودية والعراق والكويت. ان اصرار الاعضاء اصحاب الاحتياطيات المحدودة على رفع اسعار النفط جعل الدول المستهلكة تفكر في ايجاد السبل الكفيلة بتقليل الاعتماد على النفط الذي تصدره اوبك من جانب وترشيد استهلاك النفط الخام من جانب اخر، واللجوء الى الدول المنتجة للنفط خارج اوبك المرتفع الكلفة ، اذ ان ارتفاع اسعار نفط الاوبك يجعل الاستثمار في المناطق خارج اوبك التي تتسم بارتفاع تكاليف انتاج النفط فيها، استثمارا مجدياً اقتصاديا، ولهذا فسياسة الاوبك حاصرة نفطها، وهذا ما اوضحه الدكتور في الفصل العاشر.

وكنتيجة لشعور الاعضاء اصحاب الاحتياطيات الهائلة وبالخصوص السعودية بان نظام الحصص والسعر المحدد للنفط قد اضرّ بمصالحها في عام ١٩٨٥، لجأت السعودية الى ايجاد الحلول المعالجة للاضرار التي تعرضت لها، لجأت الى التحرر من نظام الحصص والسعر المحدد، واخذت تبيع نفطها وفقا لاسعار السوق وبعيدا عن نظام الحصص، حيث ارتفع انتاجها من ٣مليون برميل يوميا عام ١٩٨٥ الى ٦ مليون برميل يوميا عام ١٩٨٦، ويمكن مراجعة ذلك في ص٢٢٦ -٢٢٧.

ان صدمة الاسعار النفطية التي حصلت في عام ١٩٨٦ ادت الى اعادة العمل بنظام الحصص عام ١٩٨٧، وقد لاقى الكثير من المشاكل مرة اخرى، كون كل عضو من اعضاء الاوبك يروم تحقيق مصالحه دون الاهتمام بمصالح الاخرين، فوقع اختلاف بشأن المقياس الذي تعتمد اليه الاوبك.

كان المقياس الاول هو حجم الاحتياطي النفطي، اي ان العضو الذي يمتلك احتياطي اكبر تكون حصة مساهمته اكبر من حيث الانتاج، وكنتيجة لمحدودية بعض اعضاء الاوبك هذا ما دفع هذه الاعضاء للمطالبة بتعديل نظام الحصص، فتم اضافة مقاييس اخرى كالاستهلاك المحلي ودرجة الاعتماد على تصدير النفط وعدد السكان وحجم المديونية والمساحة وغيرها. كما نشأت خلافات حول بعض هذه المقاييس وخصوصا عدد السكان حيث ان المملكة العربية السعودية تتسم بالخفة السكانية في حين ان اندنوسيا وفنزويلا تعانيان من الزيادة السكانية وان احتياطيات السعودية اكبر من الدولتين الاخيرتين وهذا ما يعني محاباة السعودية لصالح مصلحة الدولتين، ولمزيد من التفاصيل عن هذا الموضع راجع الفصل الثاني عشر.

بعثة الحصص باءت بالفشل

في حزيران ١٩٨٧ قرر مؤتمر الاوبك تشكيل لجنة وزارية تسافر الى اقطار الاوبك لغرض حث رؤوساء هذا الاقطار الالتزام بحصصها النفطية وذلك من اجل استعادة عافية اسعار النفط ولكن للأسف وكما يقول الدكتور " وبعد المصاريف الباهظة التي انفقت على "بعثة الحصص" في عام ١٩٨٧، عاد وفد الاوبك صفر اليدين" ص٢٥١ .

اوبك عقدت زواج مصلحة

ان الاوبك ليس لها قرار مستقل في انشاؤها كما يعتقد الكثير وعلى انها منظمة أُنشأت لمواجهة مطامع الشركات الاجنبية ودولها! وهذا ما يذكره الدكتور في ص ٢٦٣ " انها لم تؤسس لغرض " مواجهة " شركات النفط بل انها عقدت زواج مصلحة بين الطرفين".

الخاتمة

اختتم الدكتور كتابه عن مدى قدرة الاوبك في السيطرة على ادارة الصناعة النفطية من عدمها، حيث كان يرى ان طغيان القرارات السياسية على القرارات الاقتصادية ادى الى غياب دور المنظمة في تحقيق مصالح اعضاؤها خصوصا على المدى الطويل، وبالاخص اصحاب الاحتياطيات الضخمة كالسعودية والعراق ، اذ في الغالب كانت الاعضاء وخصوصا اصحاب الاحتياطيات المحدودة تبحث عن ارتفاع اسعار النفط للحصول على ايرادات نفطية لتغطية احتياجاتها المحلية دون النظر الى مصلحة الاوبك بشكل عام على نحو المستقبل.

واوضح ان الاعضاء لم يعملوا على تكوين صناعة نفطية متكاملة كما هو حال الشركات النفطية الاجنبية في عهد الامتيازات النفطية، اذ ظلت المنظمة غير المتكاملة, ومع هذا فهي خير من عدم وجود منظمة على الاطلاق، لان غياب الاوبك سيسبب الى سوق تسودها الفوضى، والتي ستضر بانتاج الطاقة العالمي وتشيع الفوضى في السوق. ص٣١٠.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي