السعودية والعودة الى الجذور المتشددة
باسم حسين الزيدي
2015-02-17 01:46
عندما تولى الملك الجديد "سلمان بن عبدالعزيز"، عرش السعودية، خلفا للملك "عبد الله بن عبد العزيز"، وفي اول كلمة بثها التلفزيون الرسمي للملكة قال مؤكدا "سنظل متمسكين بالنهج القويم، الذي سارت عليه هذه الدولة منذ تأسيسها، ولن نحيد عنه أبدا"، وقد يحمل هذا الكلام اكثر من معنى او تأويل في حقيقة الامر، فهل المقصود من وراء هذا الكلام العودة الى الجذور؟، ام مواصلة "النهج القويم" الذي سار عليه سلفه؟ ام الامرين معا ولكن على طريقة الملك الجديد "سلمان"؟
في معرض السؤال عن الملك الجديد، قالت "كارين اليوت هاوس"، (كاتبه نشرت كتابا حول السياسة السعودية) إن "الانطباع السائد عن الملك سلمان قربه من المؤسسة الدينية، لذا فيمكنك الجزم بأنه سينزل عند بعض رغباتهم على الاقل في تشديد الاحكام الدينية في السعودية"، وقد بدء "سلمان" بسلسة من التغييرات في المنصب المهمة (شملت اكثر من 35 مرسوم ملكي)، استبدل فيها اغلب طاقم الامراء الذين خدموا في عهد اخيه "عبد الله"، خصوصا من الامراء المحسوبين على "امراء الاصلاح" او من يحاولون التجديد وتحديث النظام داخل المملكة، (منهم تركي بن عبد الله وإعفائه من إمارة الرياض)، فيما توالت العديد من المؤشرات والتسريبات عن عزم الملك الجديد اعادة الهيبة لدور السلطة الدينية، والتي بدئها بهيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، الداعمة للنظام الملكي المطلق في السعودية، باعتبارها اكبر مؤسسة دينية لها العديد من السلطات التنفيذية والرقابية داخل المجتمع السعودي، ومثلما اعفى الملك السابق "عبد الله بن عبد العزيز" الشيخ عبد العزيز الحمين، ليحل محله الدكتور الشيخ "عبد اللطيف بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل الشيخ" (الذي وصف بانه اكثر انفتاحا من سلفه، كون الحمين لم يتمكن من اصلاح الهيئة بعد سنتين من تعينه الامر الذي ازعج الملك)، جاء الملك الجديد ليعفي الاخير ويعين بدله الدكتور "عبدالرحمن السند"، ويضعه بمرتبة وزير.
في اغلب دول الخليج، والسعودية تحديدا، يعتمد النظام الحاكم على الامتداد القبلي والسلطة الدينية في الحفاظ على شرعية الحكم، ولكي يحافظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي داخل الدولة، لا بد من تحقيق الرفاهية الاقتصادية (وكما اوضح استاذ التاريخ الأمريكي "بيتر سلاغليت"، بان النظام السعودي قائم على عقد اجتماعي مسكوت عنه يقوم على مبادلة المشاركة السياسية بالإعالة الاقتصادية بمفهومها الواسع)، وطبعا تضمنت الاوامر الملكية الجديدة "منح مكافآت مالية للعاملين في القطاع الحكومي والطلاب والمستفيدين من معاشات التقاعد"، وهو امر تكرر فعله مع الملك السابق، ايام الربيع العربي 2011، عندما تم توزيع مكافآت مالية وزيادة في الرواتب شملت جميع المواطنين لمنع وصول الربيع الى المملكة.
ومع ان محاولات الاصلاح التي حاول الملك السابق القيام بها، لم تكن من المستوى الذي يحدث فرقا داخل الحياة التقليدية للمجتمع السعودي، الا انها كانت مزعجة للغاية للمؤسسات والشخصيات الدينية البارزة داخل وخارج المملكة، سيما وان الكثير من الخلافات حول قضايا مثل الحريات العامة وحقوق المرأة والنشطاء على مواقع الانترنت بدئت تطفو على سطح الاحداث اليومية، وحدثت الكثير من المشادات الكلامية والاعتداءات بين رجال السلطة الدينية (هيئة الامر بالمعروف) وبين شباب وشابات سعوديات، ووصل الامر الى تحدي بعض الناشطات فتاوى رجال الدين بتحريم قيادة المرأة للسيارة، ورفض الكاتب "مايكل آكسورثي" في صحيفة "الغارديان" البريطانية، الأصوات التي اشادت "بحماس بالإصلاحات المزعومة التي قام بها الملك عبد الله"، مؤكدا بانه "لم يسمع شيئا يقودنه إلى الاعتقاد بأن خليفته سيكون أفضل"، واضاف "لكنهم تجاهلوا حقيقة غير مريحة، وهي أن أسوأ أشكال التطرف الإسلامي والإرهاب في العقدين الماضيين قد تنامت، من خلال التمويل والنفوذ الديني الذي ترعاه المملكة العربية السعودية"، واعتقد ان الملك "سلمان" يرى ضرورة المحافظة على هذا "النفوذ الديني" الخارجي الذي تتمتع به المملكة للمحافظة على امنها واستقرارها الداخلي، الذي يعتمد كثيرا على النفوذ والسلطة الدينية، وهي عودة طبيعية الى الجذور الاولى التي تأسست عليها المملكة السعودية.
بقي ان نذكر اولى هذه المؤشرات على العودة الى الجذور بمستوها الخارجي، والتي بدئها "احمد التويجري"، العضو السابق في مجلس الشورى السعودي، بمعرض حديثه عن الاخوان المسلمين (الد اعداء الملك السابق) موكداً "المملكة لا تستطيع أن تصف جماعة الإخوان بأنها إرهابية، أخذ هذا المفهوم وتطبيقه بشكل عام على منظمة كبيرة تمتد من إندونيسيا إلى المغرب ويتم اتهامها بالإرهاب فهذا أمر غير مقبول من شخص عاقل، والمملكة ليس لها مشكلة مع هذه الجماعات والعكس صحيح، وينبغي عليهم أن يكونوا حلفاء للمملكة وأن توجد بينهم وبين المملكة علاقات استراتيجية"، كما ان اشارة اوباما التي اوضح فيها، انه عندما يضغط على حلفاء مثل السعودية في قضايا حقوق الإنسان، فان عليه أن "يوازن" بين هذا الضغط وبين المخاوف المتعلقة بالإرهاب والاستقرار الاقليمي، واضاف "وفى احيان كثيرة هذا يجعل حلفاءنا يشعرون بعدم الارتياح، هذا يشعرهم بالإحباط"، اذ ان "الموازنة" بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية قد تكون ممكنة وفقا لمصالحها العليا، الا ان "الموازنة" بين تحقيق الاصلاحات والجذور التي بنيت عليها السعودية لا يمكن اعتمادها، وفي ذات الوقت، المحافظة على استقرار المملكة.