التحالفات السائلة وتهديدات المنطقة الآمنة في سوريا
مسلم عباس
2017-02-13 07:08
الحرب الجارية في سوريا منذ خمس سنوات كشفت عن الكثير من خفايا العلاقات الدولية والحدود الفاصلة بينها، فأوضحت هذه الحرب الكثير من الثوابت والمتغيرات والعوامل المؤثرة في طبيعة التفاعل الدولي في القرن الحادي والعشرين مع ازدياد الاعتماد على التقنيات الحديثة في الحروب وتأكيد الدول على تقليل الخسائر للجيوش النظامية وكثرة الاعتماد على الاسلحة الموجهة عن بعد. انها حرب تجارب الاسلحة والنظريات.
الحرب في سوريا التي بدأت عام 2011 اختلفت طبيعة تحالفات اطراف النزاع فيها بشكل متناقض وغير مفهوم في بعض الاحيان، وبعد التدخل الروسي كان ذلك نقطة فارقة في الازمة وزاد من تناقضات الاوضاع هناك، فبينما اسقطت تركيا طائرة حربية روسية على الحدود مع سوريا وتوقع كثيرون حدوث مواجهة عسكرية كبرى؛ عادت علاقات الاتراك والروس فيما يشبه التحالف الوثيق بين الطرفين، عقدت على ثره الكثير من المباحثات المشتركة وعلى اعلى المستويات، وقد مثل مؤتمر استانا الاخير اوضح الامثلة للتفاهمات الروسية _ التركية _ الايرانية _ وسمي هذا الثلاثي باسم "الضامنين الثلاثة"، وهو ما سبب احراجا كبيرا للولايات المتحدة ودول الخليج بعد ان اصبح دورهم شبه هامشي.
الرئيس الامريكي دونالد ترامب تعهد في حملته الانتخابية وبعد تنصيبه بإقامة مناطق امنة في سوريا بما يتعارض مع وجهة النظر الروسية وبما يتوافق مع وجهة النظر التركية الخليجية، وقد ايدت تركيا هذا المقترح الامريكي صراحة واكدت اسبقيتها الى هذا الامر، في حين اعتبرت روسيا المقترح بانه قد يؤدي الى نتائج سلبية، ما يعني رفضا بطريقة دبلوماسية. وهو في النتيجة النهائية يعني اول خطوة نحو تهديم التفاهمات الروسية التركية الايرانية حول الازمة السورية.
وبعد المكالمة الهاتفية بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الامريكي دونالد ترمب؛ استجدت اربعة احداث توحي بوجود تطورات مهمة على الساحة السورية:
الاول: عبر الجانب التركي صراحة عن رغبته بإقامة منطقة حظر جوي، بما يتعارض مع الرغبة الروسية ليأتي رد الاخيرة سريعا، على لسان دبلوماسي روسي رفيع المستوى قال أنه مازالت هناك نقاط اختلاف كثيرة في مواقف موسكو وأنقرة من الأزمة السورية، وشدد على أن الجانب الروسي ينطلق من أن الأتراك لا يقيمون "منطقة عازلة"، في اشارة واضحة ان هذا الموقف خارج عن اطار التفاهمات السابقة، والاكثر من ذلك ان الروس لا يثقون اصلا بالاتراك. ويستشف من التحركات الروسية انها كانت تعلم بالاستدارة التركية والرغبة الامريكية بإقامة المنطقة الامنة لذلك استبقت هذا الامر، فقد أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عن اختبار مفاجئ صباح الثلاثاء 7 فبراير/شباط للقوات الجوية الفضائية الروسية لتقييم جاهزيتها بأمر مباشر من الرئيس فلاديمير بوتين. وهو رسالة واضحة على ان الرفض الروسي جدي وغير قابل للنقاش.
الثاني: تحدثت وسائل إعلام أمريكية عن تزويد سوريا بمنظومات صواريخ تكتيكية روسية من طراز "توتشكا". وذكرت قناة "فوكس نيوز" الأمريكية، نقلا عن مسؤولين أمريكيين سابقين، أن حوالي 50 صاروخا من هذا الطراز وصلت إلى ميناء طرطوس السوري في اليومين الأخيرين. كما أشارت القناة إلى أن روسيا أطلقت صاروخين من نوع "توتشكا" إضافة إلى 4 صواريخ من طراز "إسكندر" على ريف إدلب. فيما نفت روسيا هذه الاخبار لكن لا غرابة من استخدام موسكو لهذا النوع من الصواريخ بعد ان نصبت منظومات اس 400 للدفاع الجوي في سوريا واستخدمت احدث طائراتها، وان استخدامها في هذا التوقيت يعطي رسائل لتركيا والولايات المتحدة مفادها "اذا تخليتم عن الحوار فلدينا وسائلنا الخاصة لمنع تطور الامور خارج رغبتنا".
الثالث: الغارة الروسية الخاطئة (9 فبراير/شباط) التي قتلت 3 عسكريين اتراك في مدينة الباب السورية، وتبادل بعد الرئيس الروسي التعازي مع نظيره التركي. لكن روسيا التي جاءت لسوريا من اجل اثبات دقة اسلحتها وصوابية مواقفها لا يمكن ان تكون قد اخطأت بالفعل والاتراك يعرفون ذلك جيدا بان في هذا الخطأ يمثل رسالة تحذير.
الرابع: حديث السفير الروسي في طهران ليفان جاغاريان عن امكانية استخدام القوات الجوية الفضائية الروسية البنى التحتية العسكرية الإيرانية خلال تنفيذ العمليات ضد الإرهابيين في سوريا أو أي مكان آخر إذا رأت موسكو وطهران ضرورة لذلك. وهي تعد من اهم الرسائل لإثبات قوة الموقف الروسي المدعوم ايرانيا، خاصة مع حديث مسائل الاعلام الغربية مؤخرا عن خلاف ايراني روسي حول الوضع في سوريا لا سيما بعد التسريبات التي اشارت الى امكانية اجراء صفقة مساومة روسية امريكية بين سوريا واوكرانيا.
الامور غير واضحة لحد الان لكن المؤشرات تؤكد ان هناك تغيرات سوف تطرأ على الميدان السوري محورها منطقة الحظر الجوي وعودة العلاقات بين واشنطن وانقرة، لكن الطريق ليس معبداً امام هذا الوفاق الجديد، فالاكراد هم محور الخلاف بين الطرفين ولم تحل قضيتهم بعد، بل ان واشنطن قد تفضلهم على انقرة ما يعقد المسألة اكثر لا سيما بعد تسلمهم دفعة امريكية جديدة من الاسلحة، كما ان الاتراك يعرفون بنوايا ترمب المعادية لحركة الاخوان المسلمين، ومن ثم فان تحركاتهم سوف تكون مرهونة فهذه المتغيرات.
اذا ما حاول دونالد ترمب تنفيذ خطة الحظر الجوي المدعومة تركياً وخليجياً فالساحة السورية ربما ستكون مقبرة للعلاقة الخاصة بين الرئيس الروسي فلادمير بوتين ونظيره الامريكي، كما ان المنطقة الامنة تعني ضعف وربما انهيار التفاهمات الروسية التركية، وفي هذه الحالة فان كل الاتفاقات حول وقف اطلاق النار ربما سوف تنهار وتعود المواجهات العسكرية من جديد ما يؤثر بشكل سلبي على الجميع.