نساء فاطميات.. هدية عيد

فهيمة رضا

2016-03-30 11:31

القدر يبعث الينا بإشارات مبهمة، يجب ان نكون يقظين دائما لنلتقطها، كان والدي يردد هذه الكلمات دائما... كاد يقترب يوم ولادة سيدة نساء العالمين (يوم المرأة) وكنا في غاية السرور، كنا نتكلم في الخفاء ونخطط لحفلة يوم المرأة لنجعلها اكثر ابتهاجا من قبل، كان والدى يحب البنات كثيرا وكرمنا وكان يفتخر بكونه والدا لسبعة بنات، الشيء الذي لا يستطيع الكثير من الاشخاص في مجتمعنا ان يتحمله، لم يكن غريبا، فقد تربى في احضان ملكة وتعلم كيف يتعامل مع النساء كملكات!.

ادخر الجميع مبلغا من المال لشراء هدية لوالدتي في (عيد المرأة)، اشترينا لها قلادة ذهبية، كنا في غاية السرور ونعد الاصابع لنقدم لها هديتها، ونشكر جهودها المباركة وتعبها.

الى ان جاء يوم ٢٠جمادي الثاني، يوم ميلاد سيدة نساء العالمين، الجميع كانوا منشغلين بتجهيز الحفلة، خرجت الى الحديقة لأحضر باقة ورد لأجل الحفلة...

تنفست هواء حديقتنا، كانت جنة بلونها الأخضر، والعصافير المغردة بأصواتها المفرحة، وشعاع الشمس الذهبية كانت تشاركني الفرحة، وكانت الورود برائحتها تعطر الوجود وترسخ ذلك اليوم بتفاصيله في ذاكرتي الى الابد، احضرت باقة الورد الى الداخل واجتمعنا جميعا في غرفة الضيوف، تكريما للملكة، جاء الملك واحضر معه الهدية وقال: هذه هدية بسيطة مني ومن الاميرات السبع، نتمنى ان تكوني بألف خير ونرى وجهك المضيء كل يوم، كانت في حالة اندهاش، احمرَّ خدها، كانت تضحك تارة وتخفي دموع الفرح تارة اخرى، كانت لحظات بريئة اندفعت لتعبر عن نفسها بكل شفافية وتركت في نفوسنا اثرا جميلا محفزا لاكتساب المزيد، هذه افضل ذكرى في حيات!!.

كم جميلة ايام الطفولة! اوقات اتمنى ان ارجع الى الوراء واعيش هذه اللحظات مرة اخرى ولكن للاسف تركض بنا الايام نحو الامام!.

قتلني الوقت بظروفه وجفف نهاري منذ الصغر وانا في المدرسة، كنت احافظ على المبلغ الذي يُدفع لي كمصروف يومي لشراء الطعام، لأشتري كتابا أسد به جوع روحي، كنت اهرع كثيرا لقراءة الكتب وكنت ابحث عن المزيد، كنت اقرأ انواع الكتب خصوصا عن حياة سيدتنا ومولاتنا الزهراء وكم استفدت..!

استفدت من الكتب كثيرا في حياتي، تعلمت من سيرتها ان اكون بنتا صالحة، هي سيدة نساء العالمين وقدوة للبنت والمرأة والزوجة والوالدة (الصالحة)، كيف كانت تدافع عن ابيها؟؟

في بداية الاسلام عندما كان النبي صلى الله عليه واله يتعرّض للأذى والتجاوز، كانت تمسح القاذورات من وجه ابيها وتبكي خوفا عليه، من كثرة اهتمامها وحنانها لقبت بأم ابيها، لم ير هذا التعبير العجيب نظيرا في اي من نساء الاسلام..

تعلمت منها كيف اكون زوجة صالحة..

ان لا اطلب من زوجي شيئا لا يستطيع احضاره وان احترم زوجي..

ورد في سيرة حياتها عندما سأل النبي ص امير المؤمنين: كيف وجدت فاطمة؟. فقال: نعم العون في طاعة الله، وجدت ان الزواج عقد مبارك وعلى الزوجين ان يعينا بعضهما البعض في طاعة الله لإكتساب الكمال.

تعلمت كيف اكون والدة صالحة..

ان اتكلم مع اطفالي بلغة جميلة ورحابة الصدر..

أعبر لهم من خلال كلماتي عن مدى حبي لهم، تعلمت ان تكون كلماتي كمدرسة تعلمهم الخلق والآداب الحسنة عندما تقول ع: مخاطبة ابنها (يا قرة عيني وثمرة فؤادي).

تعلمت كيف اكون داعية للحق وناصرة لإمام زماني (ع)

هي قدوتي في كل لحظات حياتي

لولاها لم استطع ان اكمل مسيرتي

تعلمت منها الصبر، كنت في عز ودلال وفجأة رأيت نفسي وزوجي وعائلته في سيارة الشرطة متجهين الى حيث لا ندري!

كنت هادئة ولكن الهدوء الذي يلازمني في بعض الأحيان هو رحلة قصيرة أبحث فيها عن بعض الحلول لمواجعي او ربما صدماتي، من واقع أعيشه مع غروب الشمس، غربت الفرحة من حياتنا الى الأبد تبين بأنه ليس مسموح لنا ان نبقى في العراق!

صعب ان تبكي بلا دموع وما اصعب ان تذهب بلا رجوع....

بعد العز اصبحنا أذلّاء، الشيء الوحيد الذي كان يقويني كان التمسك بسيرة اهل البيت (ع)..

كيف أصبحت بنت رسول الله ص بين ليلة وضحاها من العز الذي كانت تتنعم فيه، بلا ناصر بعد استشهاد أبيها ص؟ اذاً كيف اطلب من الزمن ان يرأف بي او من الدنيا ان تبسط جناحيها لي؟.

بعد العيش في القصر أُجبرنا على ان نأوي الى مسجد في منتصف الطريق، بعد السيارات الحديثة وافخر انواع الاطعمة مددنا يد العجز امام الجنود الايرانيين ليتصدقوا علينا.!

كان اطفالنا في بكاء مستمر لم يكن هذا الموقف مألوفا لديهم!

هل كان قلبي قاسيا ليكون هذا الهجر قدري؟.

في كل ليلة في هذا الوقت كنت اسقي اشجاري واعتني بورودي، والان اختفى كل شيء لم يعد لدى حديقة او حتى ملابس لأغير ملابسي المبتلة بدموع القهر وجور الزمان...

اترانا نلتقي ثانية؟

ام ان ايامنا قد ذهبت ولن تعود؟

رسمت صورة كربلاء في قلبي ذكرى ابدية!

أأدفن ذكراك الى الابد وانثر الورود فوقها؟

من المؤسف حقا ان تجد نفسك في هذه الحالة!

بعد الرحيل اصبح كل شيء بطيئا، اصبحت الدقائق حارقة واكتوي في ثوانيها..

ترعرع حيدر بعيدا عن عائلتي ووطني، كنا نسجل اصواتنا في الشريط ونبعث لعائلتي وبعد شهور عديدة يبعثون الينا شريطا لنسمع صوتهم، هل كان قلبي قاسيا ليكون هذا الهجر قدري؟.

كنت اتلهف لرؤيتهم كنت افكر اذا شاءت الاقدار واجتمع الشمل يوما اعاتب الجميع، ولكن كنت اتمنى لو تسنح لي الفرصة لأراهم مجددا! كنت اتذكر آخر لحظة بيننا اهلي، وطني..

كنت اردد الذي ضاع ضاع والحاضر اهم ولحظة اللقاء اجمل ولكن دون جدوى...

اصبح حيدر ولدا بالغا، كان عليه ان يلتحق بصفوف الجيش، ربما كانت هذه اشارة مبهمة،!

بعد سقوط الطاغية استجاب الله لدعواتي، سمح لنا بالدخول الى ارضنا الغالية كان لابد لنا من شد احزمتنا ومن ثم العودة الى الوطن...

يا الهي أمستيقظة انا ام في غيبوبة؟

أحقا هذه انا؟

ارجع؟ نعم! ارجع؟

نعم هذه انا ولكن بعد مرور٢٠عاما، في ذلك الوقت كان حيدر في السنة الثانية من عمره، ولكن الان اصبح عمره 22 عاما، في ذلك الوقت كان وجهي مضيئا بالفرح، ولكن اصبح متجعدا من آلام الدهر، من اصعب المشاعر التي تسبب الألم لقلوبنا هي اشتياقنا لأشخاص واماكن لها ميزة في نفوسنا مهما حاولنا نسيانهم الا ان ذكراهم بداخلنا تمنعنا، خسرت الكثيرين، رجعت ولكن لم يعد العراق كما كان، لم اجد في العراق عراق!...

كان وطني ولا يزال يمر بمصيبة عظمى، لقد غابت الثقافة والرقي والتقدم واختفت اسباب الامن..!

في دول العالم الثالث اصبحت للحيوانات حياة تنعم بها، ولكن اختفت هذه الخدمات للناس، في ارضنا قُدم الشباب كبش فداء ليعيش غيرهم على بساط النعيم ويسرق حقه.

حيدر لم يكن يهدأ له بال منذ سماعه بفتوى المرجعية، شد احزمته ليقاتل الارجاس، كان يجري في عروقه حب العراق، حب كربلاء والغيرة..

تعلمت من سيدتي الزهراء ان اقول الحق وادافع عن الحق لأبين انني انسان!

شد الرحيل ليثبت لي انه ابن العراق، ليثبت للخونة سيذهب حيدر والف حيدر فداءا للحسين..

سيأتي الف حيدر ليحرر العراق من هذه الكارثة..

اقترب ميلاد سيدة نساء العالمين، في كل عام في مثل هذا اليوم، كنت أقدم هدية لوالدتي وكان ولدي الحبيب يقدم لي هدية، ويقبل يدي ورجلي ولكن هذه السنة قدم نفسه هدية لي ليكون قرة عين لي....

القدر يبعث الينا بإشارات مبهمة لذلك يجب ان نكون يقظين دائما لنلتقطها

بعث الاشارة لي شعرت منذ البداية انه ملاك سماوي (التقطتها).

ذات صلة

التنمية المتوازنة في نصوص الإمام علي (ع)أهمية التعداد السكاني وأهدافهالموازنة في العراق.. الدور والحجم والاثرفرصة الصعود في قطار الثقافةموقع العراق في سياسة إدارة ترامب الجديدة