أطر العلاقة الحقوقية بين الدولة والشعب والمؤسسات

آية الله السيد مرتضى الشيرازي

2016-02-16 01:04

المقدمة

إنّ نوعية وماهية العلاقة بين السلطة والحكومة من جهة، وبين الشعب وهيئات المجتمع وعامة الناس من جهة ثانية، تعد الإطار المرجعي لشرعية الحكم والسلطة، وهي المرتكز لفاعلية الدولة والحكومة ومؤسساتها، وتفاصيل ومباني ذلك مستدل من الآية الكريمة مورد البحث، التي تشكل الإطار العام والموجه والمرشد للبحوث في هذا العنوان، مما يتطلب التعمق في البحث والتأمل فيها.

الغاية

الغاية من مباحث الفصل، بيان مفهوم الأمانة ومصاديقها من جميع الوجوه، وإسقاطها على الدولة ومسئولية الحكم، وبيان الحدود الشرعية والعرفية والعقلائية لها، والأطر الحقوقية لشرعية الدولة والحكم، في إضاءات الأدلة النقلية والعقلية لها، والبحث في مصاديق احتمالات السيادة للدولة، والصلاحيات المخوّلة للحاكم، مع الإجابة على جملة أسئلة فقهية، تلامس موضوع البحث.

المبحث الأول: بصائر قرآنية

المفهوم اللفظي للأمانة

استناداً إلى البحث والتدبر في كلمة (الأمانات)، المأمور بها في قول الله سبحانه وتعالى: [إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا]، تبين لنا أن الحكم هو أمانة في عنق الحاكم، سواء أ كان رئيساً أم وزيراً أم مسئولاً في أي موقع في الدولة.

1- الإضاءة الأولى: الأمانة والخيانة ضدان لا ثالث لهما

ينبغي العلم بأنّ "الأمانة" من الألفاظ التي تقتسم مع ضدها الشيء، بمعنى أن هذه اللفظة وهذا المفهوم إذا تحقق وانطبق فإنه يطرد قسيمه، وإذا ارتفع فإن ضده الآخر وهو الخيانة، سيحل محله فوراً.

وبتعبير آخر، إن الأمانة في مقابلها الخيانة، والعلاقة بين الأمانة والخيانة هي علاقة الضدين اللذين لا ثالث لهما، فلو انطبق على شيء عنوان الأمانة، وفيما إذا كان هنالك ائتمان.

فهذا الإنسان الذي بيده الأمانة، إما أن يكون أميناً لو حافظ على الأمانة وعمل بشروطها، وإما أن يكون بخلاف ذلك فيكون خائناً، إذن هما ضدان لا ثالث لهما.

وعليه فإن الحاكم إذا لم يكن أميناً فهو خائن، وكذلك مدير المدرسة أو مدير الشركة أو رئيس الحزب أو النقابة أو الاتحاد. فهو إما أن يكون أميناً فيما أؤتمن فيه من حق وحقوق رعيته، تلامذته، أسرته، عشيرته، شعبه، أو وطنه. وإما أن يكون خائناً، وذلك كالليل والنهار تماماً، إذا الليل ارتفع يحل النهار مكانه، والعكس بالعكس.

فهذا الشخص إما هو خائن ـ والعياذ بالله ـ وإما هو أمين، وليس هنالك حالة وسطى، بأن يكون الشخص بين بين، فهذا لا يحصل، فيما لو تحقق عنوان الأمانة على شيء، فهنا من قبيل المَلَكَة وعدمها.

والحكم أعظم أمانة، فإنه الدائرة العظمى، الشاملة للملايين أو المليارات أو الترليونات من مفردات (الأمانة) ومصاديقها، فهي أمانة كبيرة استثنائية، تقع في عنق الحاكم والحاكمين، والمسئول والمسئولين، وهذا يدعو الإنسان أن لا يفرّط في أمانته، مهما كان نوع هذه الأمانة.

2- الإضاءة الثانية: أنواع الأمانة

الأمانة قد تكون مادية، وقد تكون معنوية، أو تكون شخصية، وقد تكون نوعية، قد تكون في بعد من الأبعاد، وقد تكون شاملة، وأمانة الحكم بيد الحاكم، هي أمانته شمولية.

بمعنى هو أمين على اقتصاد البلد، على سياسة الوطن، وعلى التحالفات، وهو أمين على السياسة الداخلية، كما هو أمين على السياسة الخارجية، وهو مسئول عنها، كما هو أمين على المنهج التعليمي التربوي الدراسي، وعلى الأمن الوطني، وأن لا يترك الوطن حاضنة للإرهاب ومنتجاً له.

3- الإضاءة الثالثة: (الضرائب) أمانة، فأين تصرف؟

تتطرق لبعض أبرز المصاديق في الأمانات من قوله تعالى: [إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا]، والتي ضيّعها الحكام والملوك.

المصداق الأول هو الضرائب، والواضح بأنه ليس للضرائب في الإسلام موقع، وهي محرمة شرعاً في الإسلام. لا توجد ضريبة في الإسلام إلا الخمس والزكاة على المسلمين، أو الجزية والخراج على غيرهم، كما ذكر تفصيل ذلك السيد الوالد (رحمة الله تعالى عليه) في كتاب "الفقه: ج101-102 الدولة الإسلامية"، وكتاب "الفقه: ج105-106 السياسة"، وغير ذلك من كتبه في موسوعة الفقه، وكما ذكره الفقهاء العظام في كتبهم الفقهية.

ولكن من المؤسف جداً أن نجد هناك ضرائب باهظة في الكثير من البلاد، تؤخذ من الناس طوعاً أو كرهاً. فهذه الضريبة التي أخذت من الناس، لو فرض أن الحاكم أو البرلمان، قد وجد لها مسوّغاً ومبرراً، بغض النظر عن الموقف من شرعية الضريبة، فإنّ هذه الضرائب تكون أمانة بيد الحاكم، فهي قد جُبيت من الناس، ويجب أن تصرف في مصالح الناس.

ولعل واحداً من أهم أسباب وعلل هذه الانتفاضات أو الثورات أو التحركات الجماهيرية المختلفة، في الكثير من البلاد الإسلامية، التي ظهر الكثير منها إلى السطح، والكثير منها قد يكون ناراً تحت الرماد، هو أن الشعب لا يرى الحاكم أميناً، ولا يرى وزراءه وأعوانه أمناء على أمواله، وعلى دمائه، وعلى حقوقه وعلى سياسته الخارجية والداخلية، وعلى غير ذلك، فإن الناس ـ مثلاً ـ لا يعلمون عن (معادلة الضرائب) شيئاً، مثل:

أ-أين تصرف (الضرائب)، إذ ليست هناك شفافية في أبواب صرفها، وليس هناك شيء واضح لعامة الناس، من قبيل تقرير شهري أو فصلي أو سنوي يعلن لعامة الناس، عن أبواب الصرف وفصوله وتفاصيله، وفق التوقيتات والمواد وبشكل موثق.

ب-كما أنه ليست هناك شفافية في موضوع مقدار الوارد من الضرائب، وسبل تحصيلها، وبيد مَن تصل بالضبط، وكيف ومن يتخذ القرار في شأن مفرداتها؟.

في الآية الكريمة: [إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ]، فهذه أموال الناس، ضريبة كانت أم غيرها، هي أمانة بيد الحكومة، وعليها أداءها إلى أهلها، وهم عامة الناس، في مختلف أبعاد ما يحتاجون، وما يجب أن ينفق عليهم، وسيجري تفصيل ذلك مستقلاً ضمن البحوث الآتية، بإذن الله سبحانه وتعالى.

4- الإضاءة الرابعة: (الأسرار) أمانة

المصداق الآخر من مصاديق الأمانات، هو أسرار الرعية وأسرار البلاد، فليس للحاكم أو المسئول أن يبيع أسرار الوطن الاقتصادية أو الاجتماعية أو العسكرية، إلى الحكومات الاستعمارية.

وهذا هو الآخر من أسباب الانتفاضات ضد الحكومات في الدول العربية والإسلامية وغيرها؛ لأن الناس لا تعلم ما تصنع هذه الحكومة، وأنّ الكشف عن هذه الأسرار للدول الاستعمارية، بل حتى للدول الأخرى بل حتى للدول الحليفة لا يرضي الناس.

فإن الإنسان يرفض أن يطلّع غيره على سرّ من أسراره الشخصية، إلا في الحدود التي يسمح بها، ثم إنه إذا أباح بسره لشخص، فمن الواجب على من أُبيح له السر، أن يتقيد بالمحافظة على الأسرار والكتمان، والتقيد بحدود الصلاحيات التي خوّلت له، ويتعامل مع الخبر الذي ائتمنه عليه، على ضوء تلك الصلاحيات وضمن حدودها.

والغريب في دولنا الإسلامية، أن كثيراً من أخطر الأسرار الاقتصادية، والعسكرية والاجتماعية، وغيرها في الوزارات والمؤسسات المختلفة، وخاصة الأمنية منها وفي شتى الأبعاد، وهي أمانات الشعب بذمة القائمين عليها، ومنهم مسئولو الشركات الكبرى المرتبطين بالدولة، وفقاً لنظامها الاقتصادي السياسي؛ الكثير من أخطر الأسرار إن لم نقل كلها، تقع بأيدي الأجانب.

وكمثال على ذلك في العراق والسعودية وليبيا والبحرين وقطر والإمارات ومصر، هل يعلم الناس فيها حدود تعاطي المسئولين، مع الآخرين من الأجانب والغرباء ومع المستعمرين.

وكم خبيراً أجنبياً يوجد في المراكز الحساسة؟.

وكم مستشاراً أجنبياً يوجد في مراكز اتخاذ القرار؟.

إن ذلك كله غير معلوم لعامة الناس، بل حتى لخواص الناس من العلماء وأساتذة الجامعات والوجهاء والأحزاب ـ إن كانت ثمة أحزاب ـ والعشائر وحتى للبرلمان ـ إن كان ثمة برلمان ـ وما ذلك كله إلا لغياب الشفافية لدى هذه الحكومات.

وعليه فإن الناس هم أصحاب القرار، وهم المعنيون بالأساس بمعرفة مقدار ائتمان حكامهم على الأمانة، ومقدار محافظتهم عليها.

وهذا الكلام تحذير حقيقي، لأي مسئول وحاكم، وهو إنذار بأن الناس سينتفضون ويثورون بوجهه، كونه يبيع أسرار الوطن للأجانب، حتى أصبحوا أعرف بالوطن منه ومن أهله! هذا كله إضافة إلى مسئولية الحاكم أمام رب العباد المنتقم الجبار، قال تعالى: [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ][1].

والواجب العقلي والشرعي الأكيد على الإنسان ـ إذا كان حكيماً ـ في موقع المسئولية كحاكم أو وزير أو مدير، أن يتلافى الخطأ متى انتبه له، وأن يعود إلى الناس، وأن يكون من الناس وفي الناس، وأن يصل حبله بحبلهم لا بحبل الاستعمار، ولا بسلسلة الاستبداد.

إن هذه النذر المتتالية في هذه البلاد المختلفة، التي ثارت شعوبها ضد حكامها، فيها الكفاية لسائر الحكام، لكي يغيروا أحوالهم، وكيفية تعاطيهم مع أسرار الوطن، ومع أموال الناس والضرائب، ومع مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات والعشائر وغيرها.

ليست للناس مشكلة مع أية حكومة إذا التزمت بالحدود الشرعية والعرفية والعقلائية، التي منحتها الأمم لأولئك الحكام، وإذا التزموا بحدود الصلاحيات التي منحت لهم، إذ يقول الله سبحانه وتعالى: [إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا].

إنما المشكلة كل المشكلة مع الاستبداد، والتفرد باتخاذ القرار، وكم الأفواه، ومصادرة الحقوق، وملأ السجون بالأبرياء، وخضمهم أموال الله وأموال الناس خضم الإبل نبتة الربيع، كما قال أمير المؤمنين (عليه صلوات الله وسلامه وتحياته)[2].

المبحث الثاني
عن (السيادة) و(الأمة) و(الشعب)

لابد قبل أن نبدأ الحديث عن مفهوم (السيادة) وعن (الأمة والشعب)، أن نكمل البحث السابق الذي يتحدث عن الإطار القانوني الذي يحكم العلاقة بين الحكومة وبين الشعب، أي الصيغة القانونية للعلاقة بين الحاكم والمحكوم.

وقد جرى البحث في الاحتمالات والأقوال والآراء المتعددة، إذ قد يقال: بأن الصيغة هي الوكالة. فالحاكم والمسئولون في الدولة هم وكلاء من قبل الناس، وعليهم أن يتقيدوا بحدود الوكالة التي تخولهم في إدارة البلاد والعباد.

وقد يقال: بأن الصيغة والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، هي علاقة الإجارة، فالحاكم هو أجير براتب معين للناس، بإزاء مسئوليات معينة، عليه أن يقوم بها.

وقد يقال: بأن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، هي علاقة الإذن والمأذونية.

وقد يقال: بأن العلاقة هي علاقة العقد المستأنف، بمعنى أن تكون العلاقة والصلاحيات والحدود والضوابط نابعة من عقد مستحدث مستأنف.

وهذا العقد هو عقد مختلف عن الأشكال التعاقدية المألوفة المعهودة سابقاً. ولا ينبغي النقاش في شرعية ومشروعية العقد المستأنف وذلك لأنه تشمله الإطلاقات والأدلة من عقلائية ومن نقلية، فقد قال تعالى: [أَوْفُوا بِالعُقُودِ][3].

وهذا عقد، وكل عقد مستأنف مثل عقد التأمين، مادام قد انطبق عليه عنوان العقد، ومادمنا لا نقول بالحقيقة الشرعية في ألفاظ المعاملات، وأنها باقية على معناها الموضوع له لغة والمستعمل فيه عرفاً، فإن [أَوْفُوا بِالعُقُودِ] يشمله.

والظاهر أن الالتزام بـ (العقد المستأنف) في علاقة الحاكم بالناس، ينفع في الخلاص من بعض الشروط المعتبرة في العقود المتعارفة.

فإن من الشروط في العقود، على اختلافٍ في بعضها وتفصيلها، الماضوية في الإيجاب والقبول، وتقديم الإيجاب على القبول، والموالاة بين الإيجاب والقبول، والتنجيز، والعربية، وما أشبه ذلك.

ولعله يمكن القول بصحة تجاوز هذه الشروط، كلها أو بعضها في العقود المستأنفة، إذا كان بناؤها عرفاً على غيرها، فإنه اعتبار والاعتبار خفيف المئونة، وهو بيد المعتبر، فتأمل.

وقد يقال: بصحة أن يتجاوز العقد المستأنف، حتى رضا آحاد الناس، بمعنى كفاية رضا الأكثرية في انتخاب الحاكم ونفوذ حكمه حتى على الأقلية غير المنتخِبة له، كما هو الجاري الآن، مما لا يمكن التزام مثله في العقود المتعارفة، كالإجارة والوكالة، فتأمل.

ولتحقيق هذه المسائل مجال آخر فلنتركه لمظانه من الفقه.

والاحتمال الآخر أن العلاقة هي علاقة الولاية، وللولاية أيضاً مراتب، وفيها أقوال، لتبين منبعها وحدودها، وسيجري ذكره في المبحث الثالث بإذن الله تعالى.

مفهوم (السيادة) في الحكم، ولمن هي؟

(السيادة) عنوان رئيسي وأساسي ومهم جداً، لجهة تحقيق ماهيتها وحدودها، وتحديد أنها نابعة من (الشعب) أو من (الأمة).

فسواء أ قلنا بأن العلاقة هي علاقة الوكالة أم الإجارة أم العقد المستأنف أم غيرها، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: مَن هو مصدر إعطاء السلطة والتخويل؟.

فمثلاً لو قلنا: إن الحكومة إنما هي (بالوكالة)، فيسأل عندئذٍ: فمن هو الموكِل، هل الموكِل هو (الشعب)، أو الموكل هو (الأمة)؟.

وهنالك احتمال آخر، هو أن الموكِل هو جهة أخرى لا هذا ولا ذاك، وهو الله سبحانه وتعالى، وهناك رأي رابع، سيأتي ذكره بإذن الله تعالى.

وكذلك لو قلنا: بأن العلاقة هي علاقة (الإجارة)، فمن هو الأجير ومن هو المستأجر، هل المستأجر هو الشعب، أو هو (الأمة) أو غيرهما؟.

وكذلك الحال لو قلنا: إن العلاقة هي (الإذن)، أو (العقد المستأنف)، أو (التفويض) أو غير ذلك، فمن هما طرفا العقد؟.

لأن الحكومة هي الطرف الأول، لكن الطرف الآخر الذي أجرى العقد مع هذه الحكومة، هل هو الشعب، أو هو الأمة؟.

وبتعبير آخر: (السيادة) هل هي للشعب أم هي للأمة؟.

ومن الضروري التنبيه على أنّ هاتين النظريتين أو المدرستين، لا تتنافيان مع معتقد الإلهيين، الذين يذهبون إلى أن السيادة هي لله سبحانه وتعالى.

وذلك لأنه يمكن للإنسان أن يلتزم بأن السيادة هي لله كما هو كذلك بلا شك، ويلتزم في الوقت نفسه ـ إذا ساقه إليه الدليل ـ بأن هذه السيادة أوكلها الله تعالى إلى (الأمة) أو أو كلها (للشعب)، أو أوكلها لثلة خاصة، هم مثلاً (أهل الحل والعقد)، أو (شورى مراجع التقليد)، أو غير ذلك.

إذن لا تنافي من حيث المبدأ بين الفكرتين، وبين السيادة الإلهية، وهذا بحث سيأتي لاحقاً بإذن الله تعالى[4].

ما هو الفرق بين الشعب والأمة؟

في البداية نتساءل ما هو الفارق بين (الشعب) وبين (الأمة)؟.

والجواب: إن الفارق كبير، فإن (الشعب) يعني آحاد الناس، فالسيادة للشعب، تعني أن آحاد هؤلاء الناس، هم مَن يمتلكون السيادة، ويمتلكون الحق في تقرير مصيرهم، عبر انتخاب الحاكم، الذي تجري على يديه مصالحهم.

ومن الضروري هنا أن نشير تأكيداً، إلى أن حق الناس في تقرير مصيرهم أمر بديهي. ولتقريب ذلك إلى الأذهان نقول: إنه كحق الإنسان بالنسبة لمنزله أو محل عمله، فإنه يمتلك الحق في التصرف في بيته، من تغيير في التصميم أو التأثيث أو البيع أو الإيجار، إلى غير ذلك.

وإذا سلب الإنسان من هذا الحق في بيته، فإنه يعني مصادرة حقه الشرعي والعرفي والعقلي، والغريب أن الحكومات الآن تتدخل حتى في ذلك، فهي تسلب الإنسان حتى حقه في الهندسة الداخلية في بيته، إلا أن يستأذنهم، عبر روتين وبيروقراطية مقيتة، وبحدود وقيود، وأحياناً مع ضرائب إضافية، وذلك كله على خلاف الحريات البديهية، الفطرية، العقلية، الإنسانية، والشرعية، الثابتة للإنسان بالبداهة.

وتتضح بشاعة ذلك بما لو تصورنا أن حكومة ما منعت الناس من التنفس مثلاً في الغرف الشمالية من بيوتهم، أو التنفس بهذه الطريقة أو تلك، كالشهيق والزفير العميق، أو أصدرت قراراً بأنه لا يحق لك أن تدخل إلى غرفتك باليوم لأكثر من خمس مرات. وفي بلادنا ما هو أكثر غرابة من هذه الأمثلة، لكننا اعتدنا عليها لتكررها، ولأننا فتحنا أعيننا عليها.

ومن البديهيات أن الناس يمتلكون حق تقرير مصيرهم، لكن البديهيات في هذا الزمن، وفي زمن الطغاة، يسحق الكثير منها تحت الأقدام.

والحاصل: إن الشعب يعني أن آحاد الناس، هم الذين يوكلون هذا الحاكم أو يستأجرونه أو يمنحونه الولاية، إن قلنا بأن للشعب الصلاحية والحق في أن يمنح الآخرين الولاية على نفسه، أو يمنح درجات منها.

وأما الاحتمال الآخر فهو أن تكون السيادة للأمة، وتكون هي طرف التعاقد.

و(الأمة): شخصية اعتبارية، هي شخصية معنوية، وهي كالروح العامة السيالة في جسم هذا الشعب والشعوب السابقة والشعوب اللاحقة.

فعندما نقول (الأمة الإسلامية)، لا يُراد الناس الموجودون الآن في هذه البلاد، وإنما يراد بهذه الكلمة مجاميع الناس، وجماهير الناس، الذين كانوا، والذين هم الآن موجودون، والذين سيأتون في المستقبل.

لكننا عندما نقول: الشعب العراقي، أو الشعب المصري مثلاً. فالمقصود به هذا الشعب الحي الحاضر، الذي يمشي في هذا البلد، بينما عندما نقول: الأمة، تكون الإشارة إلى معنى قانوني، إلى شخصية اعتبارية، تربط الماضي بالحاضر وبالمستقبل.

في الأمة تتلاحم الأجيال، أما الشعب فالمراد به فقط هذا الجيل الموجود حالياً، أو هذان الجيلان أو الثلاثة المعاصرة.

وإليكم مثالاً آخر للتوضيح، وهو (العائلة)، فعندما نقول: العائلة الفلانية ذات أيادي بيضاء أو هي عائلة علم وتقوى، فإننا لا نقصد حصراً الأحياء من هذه العائلة؛ لأن العائلة رمز.

فقد تكون هنالك عائلة مقدسة، فنشير إليها بشكل عام، الماضين منهم والموجودين، والذين سيأتون إن شاء الله، وقد تكون هنالك عائلة شريرة، وقد تكون هنالك عائلة عادية.

إننا عندما نطلق عبارة العائلة الفلانية، فإن المراد هو العائلة بما هي، وذلك إذا لم تكن هناك قرينة على إرادة خصوص الأحياء منهم.

أمثلة أخرى: (العلامة التجارية المسجلة)، أو الاسم المعين لشركة ما، أو الماركة الشهيرة، أو العشيرة المعينة، أو الحزب الفلاني، فإن كل تلك العناوين ترمز للماضي والحاضر والمستقبل، وتشير للشخصية الحقوقية والقانونية والاعتبارية.

إذاً فالأمة ترمز إلى شخصية اعتبارية تجسدت في جماهير من الناس، الذين كانوا وعاشوا قبل ألوف السنين، والحاضرين الآن، والذين سيأتون في المستقبل.

ما هي نتائج الفرق بين الأمة والشعب؟

والآن لنعد إلى السؤال السابق في التعاقد بين الناس وبين الحاكم، هل هذا الحاكم يمثل الشعب أم يمثل الأمة؟.

كلا الاحتمالين مطروح، وقد ذهب إليه جمع، وكان المسلك العام سابقاً هو مذهب سيادة الأمة، أما الآن فأغلب الديمقراطيات تعتمد مبدأ سيادة الشعب.

وهنا يبرز سؤال جديد وهو: ما هي نتائج هذا الفرق بين الرأيين؟.

للإجابة عن ذلك نقول: إن الفرق كبير جداً، حتى أن علماء القانون والقانون الدستوري، وفقهاء الدستور، قد ذكروا نتائج عديدة تتمخض عن بين هذين الرأيين.

1- للشعب النصب والعزل، أما الأمة فلها النصب لا العزل

فإذا قلنا: بأن السيادة للشعب، فإن معنى ذلك أن هذا الشعب هو الذي ينتخب هذا الحاكم، أو هذه الحكومة، أو الهيئة الحاكمة.

فإذا كان الشعب هو الذي ينتخب، فإن النتيجة تكون أنه يستطيع أن يعزل هذا الحاكم؛ لأنه وكيله أو هو أجيره أو هو الآذن له أو هو من فوضه الحكم أو تعاقد معه عليه في عقد مستأنف.

أما إذا قلنا: بأن السيادة للأمة، وأنها هي التي توكِل أو تفوض أو غير ذلك.

فهذا يعني أن هذا الحاكم أو هذه الهيئة الحاكمة، أصبحت ممثلة للأمة لا للشعب، والنتيجة أن الشعب حينها لا يتمكن من أن يعزل حاكمه أو الهيئة الحاكمة.

لكن ماذا عن البداية؟.

البداية، هي من انتخاب الشعب، وكأن الأمة في هذه الحالة، لها تجسيد في هذا الشعب، عن طريق اعتباره لساناً للأمة، وناطقاً باسم الأمة، والشعب قد انتخب هؤلاء الحكام كي يمثلوا الأمة، التي هي فوق الشعب، فإذا أصبحوا ممثلين عن الأمة، فإن الشعب لا يستطيع أن يعزلهم على الإطلاق.

والحاصل: إنه مادامت السيادة للأمة، فإن مهمة الشعب ستكون تحديد الذين يمثلون الأمة. فإذا مثّلوا الأمة، ارتفع مستواهم ـ أي مستوى الممثلين والمنتخَبين ـ أكثر؛ لأن مستوى الأمة فوق مستوى الشعب، وهنا تنتهي صلاحية الشعب، إذاً هذه نتيجة من النتائج.

ومما يشابه هذه الفكرة، الرأي الذي يذهب إلى الولاية الفوقية، بمعنى السماوية أو الإلهية، إذ حتى لو احتاج الحاكم إلى انتخاب الناس بنحو العلة المحدثة، إلا أنه بنحو العلة المبقية يكون قد أضحى وكيلاً أو نائباً عن الله تعالى، أو عن نواب الله وعن خلفاء الله سبحانه وتعالى، فالناس على هذا لا يتمكنون من عزله.

ومن الواضح أنه لا دليل شرعي ولا عقلي على هذا التحول في العلة المحدثة والعلة المبقية، وكيف يكون الناس سبباً للنصب الإلهي، ثم يتنحون جانباً بالمرة، ولا يكون لهم حق العزل الإلهي!!

وللكلام في هذا الحق تفصيل نتطرق له في الجزء الثاني بإذن الله تعالى.

2- لآحاد الشعب حق الانتخاب، أو لنخبة الأمة؟

إذا قلنا: بأن الحاكم يكون وكيلاً أو أجيراً للشعب، فإن هذا يعني أن آحاد الشعب، لهم الحق في الانتخاب، ولا يمكن أن يستثنى أحد من الشعب، من الحق والمشاركة في الانتخاب.

فيكون الشعب هو صاحب السيادة ومنشأ السلطة، فعندها يكون لجميع أفراده ـ وحسب كامل تعداده ـ الحق في المشاركة والانتخاب، ويكون لكل شخص صوت واحد مهما كانت طبقته، وكان مستواه، وقدراته وكفاءاته وتأثيره.

وإذا قلنا: إن الشعب ليس مصدر السلطة، بل كان مصدر السلطة الحقيقي هو الأمة، والشعب له فقط أن يحدد من هم نواب الأمة، بنحو العلة المحدثة، وليست له الصلاحية بنحو العلة المبقية.

هنا يقول بعض علماء الفقه الدستوري بأن النتيجة هي: إنه لا ضرورة لأن يشترك جميع آحاد الشعب في عملية الانتخاب، بل النخبة منهم فقط لهم الحق والصلاحية للانتخاب.

والنخبة عند بعضهم هم أصحاب الثروة، والذين يدفعون الضرائب، وأصحاب الكفاءة والأهلية؛ لأن هؤلاء هم الذي يجسدون روح الأمة، ولهم الصلاحية لتجسيد روح الأمة، وليس الشعب عامة.

3- انتخاب الشعب جائز، أما انتخاب الأمة فإلزامي

الناتج الآخر هو (السيادة التمثيلية)، أو (الوكالة الإلزامية)، وحاصلها أنه في حالة كون التمثيل تمثيلاً عن الأمة، فإن الانتخاب يكون واجباً، كما في دول العالم المعاصر، وإذا كان التمثيل عن الشعب فإن الانتخاب هو أمر جائز، أي هو حق من حقوق الناس، لهم أن يسقطوه.

وبعبارة أخرى:

يقول فقهاء القانون: بأنه في حالة كون الشعب، هو منبع السلطة الأول والأخير، فإن الإنسان على هذا يستطيع أن يسقط حقه في الانتخاب، كما له الحق في أن يشارك في الانتخاب، لكنه ليس حقاً إلزامياً واجباً، فليس بمحظور أو ليس بجرم أن يتركها.

لكن لو قلنا بأن الأمة هي مصدر السلطات، فإن الناخبين وهم النخبة (يجب) عليهم أن يشاركوا بأجمعهم في انتخاب ممثلي الأمة، فهذا واجب ملزم؛ لأن الأمة روح سارية فوق الشعب، ولها شخصية اعتبارية، ولا يمكن للنخبة أو للشعب أن يفرط في حق الأمة، إذ يمكن للفرد أن يفرط في حق نفسه، وأن يتخلى عن حقه، لكن لا يمكنه أن يتخلى عن حق الأمة.

4- حق الرقابة

الناتج الرابع هو حق الرقابة، إذ بناء على أن السيادة للشعب، فإن للشعب حق الرقابة على ممثليه، لأنهم ممثلون للشعب ووكلاء له لا غير.

أما بناء على أن السيادة للأمة، فإنه ليس للشعب حق الرقابة عليهم؛ لأنهم ممثلون لجهة أعلى وهي الأمة، أي تلك الشخصية القانونية، أو الحقوقية العليا.

5- فارق الدوائر الانتخابية

الفرق الآخر يتجلى في الانتخابات، فإن الدوائر الانتخابية، تنتخب عادة عدداً من الممثلين، وفق الرقعة الجغرافية لها، من حيث عدد سكانها، والعدد المخصص في النظام الانتخابي.

فبناء على مبدأ سيادة الشعب فإن المنتخَب يمثل دائرته الانتخابية فقط؛ لأن سكانها انتخبوه فهو خاص بها.

وأما على مبدأ سيادة الأمة، فإن المنتخب يمثل الأمة كلها، والانتخاب في دائرته كان بنحو العلة المحدثة فقط، لتحديد نواب الأمة بشكل عام.

فهؤلاء المنتخَبون إذن يسمُون على الشعب كله، ويكونون ممثلين عن الأمة، فينفذ حكمهم على الشعب بأكمله، وصوتهم يكون نافذاً على الجميع، فيما الذين انتخبهم الشعب، يكونون ممثلين عن دوائرهم حصراً.

إن هذا السجال والنقاش والبحث حول سيادة الأمة أو سيادة الشعب والنتائج المفرزة عن كل منهما، استغرق عشرات ولعله مئات السنين، مما يتطلب الوقوف عنده لأسباب عديدة، منها:

إن الطغاة عادة، يعتبرون أنفسهم ممثلين لجهة عليا، وفي قرارة أنفسهم لا يعتبرون أنفسهم ممثلين للشعب بل لجهة عليا، وهذه الجهة العليا قد تكون (الإله)، وقد تكون (الأمة).

ولذا يحيي الطغاة ذكرى الأكاسرة والأباطرة والفراعنة والشاهات، كمثل السياسة الاستبدادية والاستعمارية في مصر، التي تركز على إحياء الفراعنة، برغم أن القرآن الكريم يهاجمهم بشكل صريح وواضح، ليس في مكان واحد بل أكثر، كقوله تعالى: [إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا][5].

وكذا الشاه الذي كان يحيي الشاهنشاهية؛ لأنه يريد أن يقول إنه ممثل الأمة، ذات الامتداد التاريخي والشخصية الحقوقية، وليس ممثل الشعب، وأن رأيه وحكمه نافذ على الشعب جميعاً.

إن هذا البحث القانوني ليس مجرد بحث نظري كما ارتآه البعض، بل هو بحث عملي واقعي، فإن من الواضح أن هؤلاء الطغاة، يحيون تلك المآثر، ليس بنية التقرب لله سبحانه وتعالى، ولا قربة إلى الشعب، وإنما قربة لأهوائهم، ولتكريس سلطاتهم، إذ يضع القانونُ الحاكمَ وفق مبدأ سيادة الأمة فوق الشعب، الذي يفترض فيه خدمته، ولذلك فإن الانتخاب حسب هذه النظرية، هو واجب ووظيفة، أكثر منه حق.

فالحق أن هذا البحث بحث عملي إلى أبعد الحدود. نعم، قد يكون بحثه نظرياً في بعض البلاد، لكنه في بلادنا بحث واقعي حقيقي، وذلك لأن الحكام والأسرة المالكة، تعتبر نفسها ممثلة الأمة وليس الشعب.

كما يعتبر بعض الحكام أنفسهم ممثلين للإله، هكذا تتعامل هذه الأسرة أو تلك، وهذا الحاكم أو ذلك؛ لأنهم يرون أنفسهم وكلاء أو نواباً أو حكاماً معينين من قبل الله تعالى، أو من قبل (الأمة) تلك الشخصية الحقوقية القانونية العامة، المهيمنة على هذا الشعب، فصلاحياتهم إذن لا تخضع للحدود التي يحددها الشعب لهم.

وقد نقل أنّ المشرعين الفرنسيين في المادة الثالثة من الدستور الفرنسي، حاولوا أن يجمعوا بين الكلمتين المتناقضتين، عبر حل توفيقي هو (إن السيادة القومية، أي سيادة الأمة، تستقر في الشعب)، من خلال الجمع بين النقيضين في صيغة واحدة.

لكن فقهاء الدستور ـ أو قسماً منهم على الأقل ـ يعتبرون سيادة الشعب وسيادة الأمة في طرفي النقيض، أو هو في الواقع تخلي عن نظرية سيادة الأمة، لكن بهذا التعبير وهذه الصياغة.

كما أنه حسب القانون المذكور، فإنه لا تخضع السيادة القومية، أي سيادة الأمة، لأية رقابة من قبل الشعب؛ لأنها تمثل الولاية الأعلى، وخاصة في الاستفتاء والرقابة على دستورية القوانين.

تقييمنا لنتائج نظرية سيادة الأمة

إننا نستظهر أن هذا الكلام بمجمله غير تام، ونرى أنّ هذا التفريق الذي ذكره علماء القانون في غير محله وغير تام، وذلك للجهات التالية:

فأولاً: لجهة أن هذا الشخص أو هذه الجهة، لو فرض أنها أضحت ممثلة من قبل الأمة، وأن الأمة قد عينتها بواسطة النخبة أو الشعب.

لكن موضع التساؤل، هو: من قال إن الأمة ـ ذات الشخصية الاعتبارية والحقوقية ـ قد أعطت ممثلها سلطة مطلقة، بلا إمكانية عزله من قبل نفس النخبة، أو الشعب الذي انتخبه؟.

ومن قال بأن الأمة قد أعطته سلطة، بلا أي حق للنخبة أو الشعب للرقابة عليه؟.

ومن قال بأن الأمة قد أعطت حق انتخاب ممثليها لبعض الكفاءات فقط ـ كالتي تدفع الضريبة مثلاً ـ وليس لعامة الناس، مما يعني مصادرةً لحق عامة الناس.

إن ذلك كله هو أول الكلام، ومدعاهم هو مصادرة على المطلوب، ودعوى بلا دليل. إذ هو حكم على غائب، (أي الأمة ذات الشخصية الاعتبارية الحقوقية، لكن غير الملموسة).

وهل هذا إلا كقول بعض الطغاة ـ حتى بناء على نظرية سيادة الشعب ـ بأن الشعب أعطاهم سلطة دائمة بلا عزل وبدون رقابة.

أو ادعاء بعض آخر من الطغاة أن الشعب راضٍ عن كل قراراته ومواقفه، ومن يعترض يسجن ويعذب!!

ثانياً: إن مقتضى الحكمة أن تكون للشعب كله صلاحية الانتخاب لا لبعضه فقط، وله العزل كالنصب، وله حق الرقابة. إذ بأي حق قانوني أو عقلي أو عقلائي، تعطى فقط بعض صلاحيات الأمة وصلاحية تمثيلها حصرياً لبعض الموجودين من أفراد الشعب؛ إذ:

أ- العقل والحكمة تقتضي أن تتجسد صلاحيات الأمة في كل أفراد الشعب؛ وذلك لأن الشعوب السابقة ليست موجودة الآن، والشعوب اللاحقة ليست موجودة أيضاً، لكن الشعب الحالي هو الموجود، فلِكُلِّه كافة حقوق الأمة، من نصب، وعزل، ورقابة، وما إلى ذلك.

ب- وتقتضي القاعدة العقلية أنّ "الميسور لا يسقط بالمعسور"، أن تكون عامة الشعب لهم الصلاحية وليس بعضه، وأن يكون لعامة الناس الحق في العزل والرقابة، حيث لم يمكن للأمة أن تقوم بذلك.

ج- إن الحاكم يريد أن يتصرف في آحاد الشعب، في أموالهم، في أعراضهم، وفي أنفسهم.

فكيف يقال لا حق لهم في الرقابة عليه؟ أو في عزله؟ أو لا حق لبعضهم في انتخابه؟. مع أن "الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم وحقوقهم" قاعدة عقلية وعقلائية كما هي شرعية.

ثم إن هذا الشعب "فرضاً" هو الذي جعل الحاكم وكيلاً من قبل الأمة، فكيف تتقلص صلاحيات الشعب فجأة؟. وكيف يتحول بمجرد انتخاب الحاكم إلى صفر على الشمال؟.

وهناك بعض المآخذ الأخرى على تلك النتائج التي رتبّها فقهاء القانون على الالتزام بمبدأ سيادة الأمة، وهذا النقد والتقييم الذي أشرنا إليه، يجري بحذافيره على من يلتزم بنظرية التفويض، أو الولاية (كولاية الفقيه مثلاً).

إذ لا يصح القول بأن الشعب له حق انتخاب الولي الفقيه ـ بنحو العلة المحدثة ـ ولكن لا حق له في عزله بنحو العلة المبقية، ولا يصح القول بأن الشعب لاحق له في الرقابة على الفقيه الحاكم، ولا حق له في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر لو فعله.

كما لا يصح القول بأن لبعض الناس ـ أي النخبة فقط ـ حق انتخابه؛ للأدلة السابقة ولغيرها، مما سنفصله بإذن الله تعالى في الجزء الثاني.

وعليه فإن الصلاحيات المخوّلة للحاكم، سواء أ كان من قبل الأمة أم غيرها، وسواء وفق الوكالة التمثيلية أم الإلزامية، فإن هذه الوكالة أو نظائرها، مقيدة بحدود التوكيل، ولا فرق بين كون الأمة هي الموكلة أو المستأجرة للحاكم أو المفوضة إليه، أو الشعب.

وأن مقتضى الحكمة أن تكون هذه الوكالة مشروطة وليست مطلقة، وذلك بالشروط التي ذكرت، وهي أن يعزل الحاكم إذا خالف، وأنه يجب عليه أن يمتثل آراء الناس المنتخبين له، ويجسد آمالهم وطموحاتهم وأحلامهم، وأن يكون مراقباً، وغير ذلك، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: [بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا].

المبحث الثالث: إجابات ومباحث في استفسارات فقهية

السؤال: ما هو رأيكم في ولاية الفقيه؟.

الجواب:

البحث في ولاية الفقيه مترامي الأطراف، وبإيجاز فإن المشهور بين فقهاء الشيعة الإمامية ـ على مر التاريخ ـ أنهم لم يقولوا بالولاية المطلقة للفقيه، أي أن الرأي المشهور هو أنه لا ولاية مطلقة للفقيه، بل ذهب المشهور إلى حدود ضيقة جداً للولاية، وهي الولاية في الأمور الحسبية، مثل الولاية على أموال القُصَّر، وما أشبه ذلك.

وهنالك رأي آخر وهو رأي الأقلية، الذين يقولون بولاية الفقيه المطلقة، والإطلاق أيضاً على درجات.

ثم القائلون بالولاية المطلقة على أقسام، بين من يقول بالولاية المطلقة للفقيه الواحد، وبين من يقول أن هذه الولاية مُعطاة لهيئة اعتبارية، بمعنى أنها موكلة لهيئة اعتبارية، وهي شورى الفقهاء المراجع، فالولاية بتعبير آخر هي لأكثرية شورى الفقهاء.

الرأي الآخر من الآراء في ولاية الفقيه، هو أن الولاية هي للعدول المؤمنين، ولا خصوصية للفقيه المجتهد.

وعليه فإن الآراء متعددة فيها، بين نافٍ ومثبت، وبين مفصلٍ على أنحاءٍ من التفصيلات، وستبحث إن شاء الله في المستقبل.

السؤال: ما هو موقع الجيش في الدولة الإسلامية، وما هي حدود صلاحياته؟.

الجواب:

البحث في موقع الجيش في الدولة، سواء أكانت إسلامية أم ديمقراطية، علمانية أم دينية، وما هو حجم صلاحياته، يعد من أهم المباحث الحيوية والإستراتيجية، من الوجهة القانونية والحقوقية، ولابد من إضافة سؤال آخر هو: كيف يمكن تحييد الجيش؟.

فلأن موقعه موقع حساس جداً، ومن المعلوم أن الجيش في هذه البلاد، كثيراً ما يكون العنوان المفزع والمخيف، الذي بسببه تكبّل الحكومات الناس، وتصادر حرياتهم، وتوقعهم في أشد الضيق والعناء.

غير أنه أحياناً ـ لعلها نادرة ـ يحتل الجيش موقعه الطبيعي في مواجهة أعداء الخارج، لا في ضرب الناس والمواطنين المطالبين بحقوقهم المشروعة، كما وقف الجيش أخيراً في بعض البلاد[6] على الحياد، من الاحتجاجات السلمية والإضرابات المطالبة بحقوق الشعب.

وهو بحث مهم إلى أبعد الحدود، وللأسف لم أجد دراسات وافية من وجهة النظر الدينية الإسلامية تتطرق لذلك، وبإذن الله سبحانه وتعالى سيجري البحث عن ذلك مفصلاً من الناحية القانونية والحقوقية.

أي عن علاقة الجيش مع الحاكم من جهة، ومع الناس من جهة أخرى، عبر كلا وجهتي النظر العقلية والدينية.

السؤال: الكثير من الناس يرون أن هذا العصر هو عصر الظهور، فما هو الرأي الصحيح؟.

الجواب:

إن الإجابة على هذا السؤال في الواقع صعبة جداً، بل هي من غير المقدور للبشر بتاتاً، وقد يكون منشأ هذا التساؤل، هو أن كثيراً من الناس يرون أن هناك أحداثاً تجري، وحكومات تتساقط وتتهاوى، وكوارث طبيعية تتكاثر من زلازل وفيضانات وأعاصير و"تسونامي" وغير ذلك، وحوادث مختلفة تجري في أماكن كثيرة، فضلاً عن صعود أشخاص وجماعات.

والحديث في هذا الحقل أيضاً مترامي الأطراف، لكن نقول بإيجاز بأنه ورد في الرواية: (كذب الوقاتون)[7]، وفي الآية الشريفة: [يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ][8]، أي أن الساعة وهي يوم القيامة لا يجليها لوقتها إلا هو.

كذلك فإن ظهور المنقذ من آل محمد (صلى الله عليه وآله) المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، لا يعلمه الناس ولا يستطيع شخص أن يحدده، إنما هنالك علامات، وهذه العلامات ـ كما هو واضح وثابت ـ تدريجية الحدوث، بعضها قد حدثت قبل ألف سنة، أو أقل أو أكثر، وبعضها ربما حدثت في هذه الأزمنة، وبعضها ستحدث في المستقبل، لكن متى؟.

الله أعلم، إلا أن المعلوم أنها تدريجية الحصول.

الحكمة في تدريجية علامات الظهور

وهنا نقول: إن من حكمة الله سبحانه وتعالى، أن جعل علامات الظهور تدريجية الحدوث، بمعنى أنها ربما تتوزع على مدى مليون سنة أو أقل أو أكثر، والله أعلم، ربما على مدة ألف وخمسمائة سنة، ربما أقل وربما أكثر من ذلك.

وإن الحكمة في تدريجية العلامات، قد يكون من وجوهها:

أحدها: إن الله أراد أن لا تطفأ جذوة الأمل في النفوس، أراد أن يكون الأمل حيّاً في الضمائر، لذلك وضع علامات متعددة كثيرة، ومتدرجة تحدث بين فترى وأخرى.

فإذا اقترب أوان مجيء العلامة، أو جاءت فإن الأمل يتجدد في النفوس، ومع تجدده فإن الكل سيحاول أن يهذب نفسه بشكل أفضل، وأن يقرب نفسه إلى مرضاة الله تعالى، وأن يقترب من طاعة الله سبحانه، ويبتعد من معاصي الله سبحانه وتعالى.

وأن يعمل لخدمة الدين، وللدفاع عن شريعة سيد المرسلين أكثر فأكثر، حتى يكون هو من الذين يرتضيهم الإمام الحجة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في جنوده وأعوانه وأنصاره، وهم الحواريون وعددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر شخصاً، وبعدهم الأنصار وهم عشرة آلاف، وبعدهم أيضاً أعداد أكبر.

على العكس مما إذا لم يكن للإنسان أمل، فإنه لا يحدث في عامة الناس، ذلك الاستعداد والتهيؤ، ويتضح ذلك بالمثال الآتي: فلو أن أحدهم غاب ابنه، فإذا لم يأتِ خبر عنه بالمرة، كما لو غاب في حرب واختفى. فبمرور الزمان إذا لم تتجدد علامة، فإن اليأس سيغلب عليه، على العكس مما إذا أتت علامة، فإنه سيعرف أنّ ابنه حي، وسيتجدد له الأمل بالعثور عليه.

ثم بعد مضي فترة أخرى من البحث دون نتيجة يكاد اليأس يتسرب إلى نفسه مرة أخرى، لكنه ما كاد ييأس حتى جاءت علامة ثانية وثالثة ورابعة وهكذا، فإن شعلة الأمل ستبقى متوقدةً في النفوس.

ولهذا البحث تفصيل يطلب من مظانه، إنما نقول هنا بإيجاز أن على الإنسان أن يكون مستعداً للظهور دائماً؛ لأنه كما في الرواية: (إن الله يصلح أمر المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في ساعة)[9].

والساعة المراد بها هي الساعة اللغوية، وتعني الفترة من الزمن، التي قد تكون ثانية، أو قد تكون يوماً أو أكثر أو أقل؛ لأن الله سبحانه وتعالى بيده مقاليد الأمور، فإذا رأى من عبيده الانقطاع إليه، والتضرع والعبادة والتهجد، وتهذيب النفس، وخدمة الدين والناس، فلعله يشملهم بنفحة من نفحاته، فيعجّل الفرج، وهنا موعظة إلهية مهمة للناس عامة.

ولذا نحن نقرأ دائماً الدعاء: (اللهم عجّل لوليك الفرج)[10]؛ لأن الله سبحانه وتعالى لو رأى منا الإعداد والاستعداد، فإنه قد يقرب من الأجل المكتوب في لوح المحو والإثبات، وبعكسه لا يفعل.

كمثل حاكم يريد أن يبعث معلماً أو وكيلاً إلى جماعة أو عشيرة للإصلاح بينهم، فإذا كانت تلك العشيرة متلهفة متطلعة متطلبة، فإن الحاكم سيعطي أولوية لذلك، أما العشيرة المتثاقلة المتكاسلة، فسوف لا تعطى الأولوية، ولعله لا يبعث لهم معلماً أو وكيلاً أو يبعثه لهم بعد حين عندما يرى تحولاً فيهم وتطلباً و[إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ][11].

السؤال: مع تنامي موجات المد الجماهيري في البلاد العربية والإسلامية، ضد الطغاة يجري التساؤل عما يقوله الشرع المقدس في هذا الحقل؟.

الجواب:

في الواقع إن هذا السؤال أيضاً مترامي الأطراف، فإنه يتعلق بمسئولية الناس في مواجهة الطغاة، وهي مسئولية كبيرة ثابتة عقلاً وشرعاً، بدلالة الآيات القرآنية الكريمة، والروايات الشريفة المتواترة الدالّة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الآيات الكريمة والروايات، كثيرة ولعل مجموعها يبلغ المئات أو الألوف.

ومنها: (لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر)[12]، وليس المراد المنكر الذي يصدر من الأفراد العاديين فحسب، بل وأيضاً المنكر الذي يصدر من الحاكم وأولي المُكنة والقوة بشكل أولى؛ لأنه أشد نكراً، وأشد تأثيراً، وأكثر تخريباً. فإنهم الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فـ (لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، وإلا ليسلطن الله عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم) والعياذ بالله.

وعليه فإن الواجب في مواجهة الطغاة، هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بمختلف السبل الشرعية والعقلائية: بوسائل الإعلام، وبطرق الاحتجاج السلمي، مثل: الاعتصام والمظاهرات السلمية والإضرابات، بل: والعصيان المدني السلمي، وغيرها.

وعلى الإنسان في كل ذلك أن يتوخى رضا الله سبحانه وتعالى، في الدفاع عن المظلومين، ومواجهة هؤلاء الطغاة [الَّذِينَ طَغَوْا فِي البِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ][13]، أي لأن هؤلاء أسخطوا الباري سبحانه وتعالى.

فيجب على الإنسان أن يتصدى لهم بأية طريقة ممكنة، عقلية أو عقلائية أو عرفية؛ عن طريق المقالات والدراسات والبحوث، عن طريق الشبكة العنكبوتية، وعن طريق الصداقات الدولية، مع أية جهة مخلصة، فيجري التعاون؛ لأجل أن يقف الناس أمام هذا الطاغية وهذا الطاغوت.

كما قد يكون التصدي للحاكم أيضاً عن طريق الحوار أحياناً، ولكن بالحوار الحقيقي، الذي تسنده القوة الجماهيرية، والمؤسسات القوية والقيادة الحكيمة الشورية، وليس الحوار الذي يراد منه خداع الناس والمماطلة ريثما تخبو جذوة الحماس، وتضعف الاحتجاجات والتظاهرات، ثم يعود الحاكم من جديد، ليمارس سلطاته غير الشرعية.

السؤال: تعاني المجتمعات الإسلامية من تخلف ذريع، في جوانب كثيرة: سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها، ما هو السبب؟ وما هو الحل؟.

الجواب:

هذا السؤال أيضاً مهم جداً، واستراتيجي وحساس، وإن الحديث عن أسباب تخلف هذه الأمة، من أين نشأ، ولِمَ استمر؟ وما هو الحل؟ حديث طويل يحتاج إلى تفصيل.

وإن الكثير من العلماء والمفكرين، كتبوا العديد من الكتب حول هذا الموضوع، منها: كتاب "الصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام"، وكتاب "السبيل إلى إنهاض المسلمين"، وكتاب "ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين"، وهذه الثلاثة للسيد الوالد (رحمة الله تعالى عليه)، وكتاب "طبيعة الاستبداد" للكواكبي وغيره.

وأشير باختصار: إن أول منشأ للتخلف هو (الجهل)، فالإنسان الجاهل بطبيعته متخلف، والإنسان العالم علمه نور، وهذا النور يرشده إلى سبل التقدم والازدهار، ولذلك كان السيد الوالد (رحمة الله تعالى عليه) كثيراً ما يستشهد بهذه الآية الشريفة: [وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ][14]، والرشد الفكري هو من مصاديق الرشد.

والملفت في الأمر أن الله تعالى يذكر (الرشد) كعطية عظيمة أعطاها لواحد من أعظم أنبيائه، ويصرح بأنه تعالى آتى إبراهيم رشده، فدل ذلك على أن (الرشد) هو أعظم هدية إلهية تُعطى لبشر؛ فإن به قوام سائر الصفات، وهو السبب لعطائه لهم سائر العطايا.

كما أن من الملفت استخدام ضمير الجمع في [وَلَقَدْ آَتَيْنَا]، الذي يفيد التعظيم والتفخيم، إذ لم يقل الله سبحانه وتعالى: (ولقد آتيت)، مع أن الله هو الذي قد آتى، بل استخدم ضمير الجمع [آَتَيْنَا]؛ ليفيد التفخيم والتعظيم.

فهي عطية ومنحة ومنّة إلهية، تعطى درجات منها للأفضل فالأفضل، على حسب منازلهم في الفضل.

وعليه أن السبب الأول والأساس الأكبر للتخلف هو الجهل، ولذا ترون أن الاستعمار والاستبداد، يتعاضدان كلاهما على أن يبقيا الناس على جهلهم، فالإذاعات والفضائيات والصحف في البلاد الإسلامية والبلاد النامية غالباً اتجاهها اتجاه واحد، بمعنى أنّ رأي الحاكم وحزبه يسوّق للناس بأدلته وبتزويره للحقائق.

أما المعارضة فمكممة الأفواه، أما الآخرون فلا مجال لهم لكي يتحدثوا أو ينطقوا، أو يعربوا عمّا في ضميرهم، أو يكشفوا الحقائق لعامة الناس.

عليه فالمفتاح الحقيقي لزوال التخلف، هو العلم والمعرفة والتعلم، والمزيد من العلم والمعرفة والتعلم، إضافة إلى تقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن؛ لأن التقوى مفتاح اللطف الإلهي، ولذلك يقول الله تعالى: [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ][15].

وفي فصل قادم ـ بإذنه تعالى ـ سيجري البحث عن استفسار مهم وجيد، وهو: (متى تتحرر بلادنا من الاستعمار والاستبداد؟).

* الفصل الثالث من كتاب ملامح العلاقة بين الشعب والدولة
http://m-alshirazi.com
http://annabaa.org/arabic/author/10

.........................................
[1] سورة الصَّافات: 24.
[2] نهج‏ البلاغة، الخطب: رقم3 ومن خطبة له (عليه السلام) وهي المعروفة بالشقشقية.
[3] سورة المائدة:1.
[4] سيأتي تفصيل الكلام في الجزء الثاني إذا شاء الله تعالى.
[5] سورة القصص: 8.
[6] مثل: تونس ومصر.
[7] الكافي: ج1 ص368 باب كراهية التوقيت ح3.
[8] سورة الأعراف: 187.
[9] كمال الدين: ج2 ص377 ب36 ح1.
[10] مستدرك الوسائل: ج5 ص77 ب22 ح5390.
[11] سورة الرعد: 11.
(12) وهي من الروايات المتواترة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم) المعجم الأوسط للطبراني: ج2 ص99. وعن حذيفة بن اليمان (رضوان الله عليه) أن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: (والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) تذكرة الحفاظ للذهبي: ج2 ص1156. وروي أيضاً: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم، ولا يوقر كبيركم) كنز العمال للمتقي الهندي: ج3 ص687.
[13] سورة الفجر: 11-13.
[14] سورة الأنبياء: 51.
[15] سورة الأعراف: 96.

 

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي