العراق الى اين؟

حيدر الجراح

2016-01-17 03:52

كم يفصلنا عن العام 2005 والذي وضعناه خلفنا؟. عشر سنوات كاملة.

وهي نفس السنة التي تم كتابة تقرير فيها من فريق أبحاث حمل عنوان (ديناميكيات النزاع في العراق – تقييم استراتيجي)..

صحيح ان القوات الامريكية وقتها كانت موجودة، حتى وصل عددها الى (150000) مقاتل، الا ان التقرير يمتلك جدة وطزاجة وهو يتحدث عن الجوار العراقي، او العنف في داخله، وعن الصراعات التي تؤججها تدخلات ذلك الجوار وغيرها الكثير من الاطروحات.

ربما سؤال يطرح بعد هذه السنوات على صدور التقرير: هل قرأ ساسة العراق، من الشيعة والسنة والاكراد هذا التقرير بصورة متأملة، او حتى سريعة وهو يتحدث في الكثير من فقراته عن بناء الامة والدولة، او عن الامن والتنمية، او عن ايران والسعودية، وعن الاردن وسوريا، او عن الشيعة والسنة، او عن مناطق التماس او الاشتعال المحتملة؟

واقع ما آلت اليه الأمور بعد عشر سنوات تكشف ان ساسة العراق المبجلين لم يقرأوا التقرير، واذا قرأوا فانهم لم يفهموا، واذا فهم القليل منهم فانه لم يمتلك إرادة السير ببصيرة نحو افاق من الحلول الناجعة.. لانهم لا يفكرون بالمستقبل قدر تفكيرهم باللحظة الراهنة، لحظة القبض على السلطة والتمتع بمغانمها.. اليست الدولة العراقية "تسمية مجازية" غنيمة كبيرة؟

ما الذي أشار اليه التقرير وقتها؟

النزاع في العراق مدفوع بالتنافس حول توزيع الحصص والمواقع "جميع ما حدث بعد ذلك العام وحتى الان يخضع لهذا الدفع" ويرتبط هذا التنافس، سابقا ولاحقا، بعملية ثلاثية الابعاد، تتضمن إعادة بناء الامة، وتشكيل الدولة، وإرساء الاستقرار.

وهذه العملية فشل فيها ساسة العراق فشلا ذريعا، فهم لم يستطيعوا إعادة بناء الامة العراقية، نتيجة لعدم قدرتهم على تشكيل الدولة بمعناها الحديث والمفارق للتجربة السابقة على العام 2003، ولم يتمكنوا من إرساء الاستقرار، نتيجة لأخطائهم الكارثية.

اذا كان التقرير يشير الى "استمرار مواصلة المتمردين المعترضين لاستخدام العنف الأقصى، بهدف تعطيل العملية الانتقالية" فان هؤلاء المتمردين قد اكتسبوا تسميات جديدة، غير التي عهدناها في تلك الأعوام، وأصبحت داعش تتسيد التمرد الذي اكتسب طابع اعلان الخلافة على أجزاء كبيرة من العراق ناهيك عن سوريا..

اما "المافيات الاجرامية فستغتنم الفرصة السانحة، بفعل تعثر تشكيل الدولة واحلال الاستقرار، لتوسيع شبكاتها عبر فساد المؤسسات السياسية، اذا امكن، او عن طريق الاكراه العنيف عند الضرورة" وهو أيضا ما حدث طيلة السنوات التي أعقبت صدور هذا التقرير، حتى عم الفساد جميع مفاصل السلطات الثلاث، واخذت المافيات المتعددة تنوع في ازيائها ولباسها وتحت حماية من القانون.

واذا كان الفساد حسب وجهة نظر معدي التقرير، قد اصبح شاملا شمولا لم يستثن أي دائرة سياسية او اقتصادية او اجتماعية، فان هذا الفساد كان بنيويا في صميم منطق نظام صدام حسين وممارسته. ففي ظل حكمه، ارتقى الفساد الى مستوى أداة بيد الحكومة لإدارة السياسة الاقتصادية والخارجية، كما يتضح من تقارير التحقيق حول برنامج النفط مقابل الغذاء. وبعد سقوط النظام تغذى الفساد بفعل مصادر إضافية. فقد أدى انهيار سلطة الدولة وجهاز الشرطة الى نمو كافة اشكال غياب القانون والممارسات غير الشرعية.

وهذا الفساد وبعد ترسخه أصبح يطال كل مستويات النظام السياسي، وهو بهذا لا يعيق جهود إعادة الاعمار فحسب، بل يشكل خطرا امنيا حقيقيا، ناجما عن الدفاع عن المصالح القوية في استمرار انعدام القانون والتعاون الممكن بين عناصر الشرطة الفاسدة والمجموعات المسلحة. وهذا يهدد العملية السياسية عبر اضعاف سلطة الحكومة وتقويض مصداقيتها..

ولعل ما حدث في حزيران من العام 2014 وسقوط الموصل، خير دليل على هذا الفساد وهذا التحالف المافيوي للنظام السياسي ومافيات النهب المنظم للمال العام.

يرصد التقرير أيضا الموقف السعودي من التغيير الذي حدث في العراق، ودور تدخلاتها في عدم استتباب الامن فيه، فقد جاء التغيير في لحظات عصيبة كانت تمر بها السعودية: تزايد الإرهاب المحلي، وتداعيات خلافة الحكم، وضغوط الإصلاح، فضلا عن تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، وتتشابه تلك الظروف في تلك السنة مع ظروف السعودية في السنتين الأخيرتين، فالتحديات لازالت موجودة، ان لم تكن اكثر حدة وشدة من قبل. كما ان الحكومة السعودية ترى الى العملية السياسية في العراق من موشور النظرة الوهابية الى "الصحوة الشيعية" : أي بروز قوس شيعي يمتد من المنطقة الشرقية السعودية مرورا بإيران والعراق وربما العلويين في سوريا وصولا الى الشيعة في لبنان.

ما هو موقف السعودية تحديدا؟

استجابت السعودية بمزيد من الدعم للعلماء السنة والمجموعات السلفية والاخوان المسلمين والمعتدلين البعثيين، في محاولة منها للتعويض عن تهميش السنة. وهي بعكس الكويت، ترتدي مقاربة السعودية طابعا اختزاليا ذا سببية أحادية، اذ تنظر الى المشكلة كمبارزة مذهبية بين الشيعة والسنة.

بعد مرور هذه السنوات على صدور التقرير لازالت مسببات النزاع باقية على حالها، وقد ازدادت بصورة اكبر نتيجة لتطورات داخلية في دول الجوار الإقليمي، التي تجد متنفسا لمشاكلها بترحيلها الى الداخل العراقي.

العراق الى اين؟

إعادة قراءة هذا التقرير ترسم الكثير من الخطوط التي تقود الى منحدر سريع، وقد تحققت اغلب مخاوف معدي التقرير بعد صدوره، وهي نفس المخاوف مستمرة وان تغيرت في بعض عناوينها الفرعية.

ذات صلة

مصائر الظالمينترامب يصدم العالم.. صنعنا التاريخفوز ترامب.. فرح إسرائيلي وحذر إيراني وآمال فلسطينيةالنظامُ التربوي وإشكاليَّةُ الإصلاح والتجديدالتأثير البريطاني على شخصية الفرد العراقي