مستقبل العراق والتخطيط الاستراتجي الراكز
باسم حسين الزيدي
2015-01-04 12:52
في الوقت الذي تحقق فيه القوات العراقية المدعومة بالمتطوعين (من الشيعة والسنة وقوات البيشمركة) انتصارات مهمة في قتالها ضد تنظيم (الدولة الاسلامية/ داعش) بعد الانتكاسة التي منيت بها في شهر حزيران يوليو الماضي وخسرت اثرها مساحات واسعة من الاراضي شمال وغرب العراق، فلا زالت هناك الكثير من التحديات التي تعترض طريق العراق وعمل الحكومة العراقية الجديدة بعد مرور اكثر من 3 اشهر على ممارستها لمهامها التنفيذية، سيما وان العديد من المؤشرات الايجابية التي رافقت تشكيل الحكومة، اعطت المزيد من الافضلية للاستفادة من جو التوافق السياسي الحاصل بين الكتل السياسية المختلفة داخل العملية السياسية.
ولعل المشكلة الاقتصادية التي برزت كتحدٍ جديد، اثر انخفاض اسعار النفط عالميا، مع توقعات الخبراء باستمرار هذا الانخفاض خلال العام الحالي (2015)، هي الاخطر على وضع العراق كدولة يعتمد اقتصادها بشكل كبير على تصدير النفط (بنسبة 95%)، مما ادى الى ارتفاع نسبة العجز في الموازنة القادمة بمقدار 23 ترليون دينار عراقي، ومع انعدام التخطيط المستقبلي بتقليل الاعتماد على مصدر احادي الجانب في الاقتصاد العراقي، والبحث عن مصادر متنوعة للدخل القومي، قد تلجا الدولة العراقية الى حلول مؤقته (ضرائب، تقليل الرواتب، ضغط النفقات...الخ) قد تزيد من سخط الشارع العراقي الذي مل من الوعود الحكومية بتحسين الوضع المعاشي والخدمي، مع استشراء الفساد الذي انهك الميزانيات السابقة للعراق رغم كبر وضخامة المبالغ المرصودة لها.
ويرى خبراء ان هناك العديد من الملفات المؤجلة سياسيا والتي يمكن ان تحدث المزيد من الخلافات بين مختلف مكونات الشعب العراقي، وتحتاج الى حلول جذرية وناجحة بعيدا عن الحلول المؤقتة التي غالبا ما تؤدي الى المزيد من المشاكل المستقبلية.
فقد قال وزير الموارد الطبيعية بحكومة إقليم كردستان العراق أشتي هورامي إن الإقليم شبه المستقل سيحقق زيادة في صادرات النفط في الأشهر المقبلة ليقترب من الاكتفاء الذاتي اقتصاديا، وأبلغ هورامي مؤتمرا صحفيا في لندن أن خط الأنابيب الكردي الذي ينقل الخام إلى تركيا قد يتمكن من نقل 800 ألف برميل يوميا في العام المقبل منها 550 ألفا تسوقها بغداد بموجب اتفاق توصلت إليه حكومة الإقليم مع بغداد في وقت سابق من ديسمبر كانون الأول، ومن شأن زيادة صادرات النفط من الشمال (التي تبلغ حاليا نحو نصف هذه الكمية) المساهمة في زيادة تخمة المعروض التي تسببت في هبوط سعر خام برنت بنحو 45 في المئة منذ يونيو حزيران ليهوى لأقل سعر له منذ خمسة أعوام ونصف العام دون 60 دولارا للبرميل، وقال هورامي إن مشكلة حق حكومة الإقليم في تصدير نفطها بشكل مستقل لم تجد حلا بعد مع بغداد لكنه "يأمل للمرة الأولى" في إمكانية حل الخلاف الذي طال أمده.
تفاهمات وحلول وسطية
وتوصلت كردستان في قت سابق لاتفاق محدود مع بغداد حول صادرات النفط بعد أشهر من الجدل، وكانت الحكومة العراقية قررت حرمان كردستان من مخصصاته في الميزانية ردا على قرار الإقليم تصدير النفط بشكل مستقل، وقال الوزير إنه رغم الاتفاق الجديد فإن حكومة الإقليم لم تتوصل لاتفاق بعد بشأن قضايا أخرى منها حق تصدير النفط بشكل مستقل وآلية تقاسم العائدات، وأضاف هوارمي قائلا "إن حكومة كردستان ستقوم بدورها كاملا في مساعدة العراق في الوفاء بأهداف صادرات الطاقة، لكننا حددنا لأنفسنا أهدافا واضحة للاكتفاء الذاتي لذلك لن نواجه ثانية عنف التهديدات الاقتصادية والحظر على منطقتنا أبدا"، وأوضح أن صادرات الإقليم سترتفع إلى 500 ألف برميل يوميا بنهاية الربع الأول من 2015 مقارنة بالمستويات الحالية البالغة 400 ألفا، وقال هورامي إن كردستان العراق سيصبح مساهما صافيا في ميزانية العراق بنهاية العام القادم، وقال نيجيرفان برزاني رئيس وزراء الإقليم إن الاتفاق الجديد حول النفط مع حكومة بغداد لن يؤثر على علاقات حكومة كردستان مع تركيا أو شراكتها المتنامية مع إيران، وأضاف في بيان تلي على المشاركين في المؤتمر "سنستمر في تعزيز علاقتنا مع جارتنا الشرقية إيران". بحسب رويترز.
الحب القاسي
في سياق متصل وعندما سحبت الولايات المتحدة آخر مجموعة من قواتها من العراق في نهاية عام 2011 قالت كل من واشنطن وبغداد إن العراق جاهز للدفاع عن نفسه، لكن صعود تنظيم الدولة الاسلامية المتطرف أثبت خطأ هذا الاعتقاد، غير أن كبار مسؤولي البيت الابيض والبنتاجون مصممون على إظهار "صبر استراتيجي" وعدم الاستدراج الى حرب اهلية جديدة في العراق، وأرسلت واشنطن 1900 جندي الى العراق بينما قامت القوات الامريكية وحلفاؤها بأكثر من 1300 ضربة جوية ضد الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، لكن المسؤولين الامريكيين يقولون إن هدفهم هو أن يتولى العراقيون بأنفسهم حل خلافاتهم السياسية العميقة ومحاربة الدولة الاسلامية، وقال مسؤول امريكي رفيع كان جزءا من وفد عسكري امريكي زار بغداد في الاونة الاخيرة "الرسالة للعراقيين كانت يجب ان تقوموا (بهذه المهمة) بأنفسكم، لا يمكننا حلها لكم".
وقال جوناثان ستيفنسون الذي عمل في الفترة من 2011 الى 2013 مديرا للشؤون السياسية والعسكرية لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا بمجلس الامن القومي ان الايمان "بالصبر الاستراتيجي" ينبع من الرئيس باراك أوباما نفسه، وقال ستيفنسون ان قيود الميزانية وآمال البيت الابيض بشأن حدوث انفراجة (وربما اتفاق نووي محتمل) مع طهران تذكي الاسلوب البطيء، ويعتقد معظم القادة العسكريين الامريكيين الكبار ان القيام بتدخل عسكري أمريكي كبير آخر في الشرق الاوسط سيفشل على الارجح وسيفتقر للشعبية بدرجة كبيرة في الداخل، وقال ستيفنسون إن قادة الشرق الاوسط لديهم "تصور مبالغ فيه" عن الآثار التي يمكن ان تنتج عن تدخل عسكري أمريكي من أجل توحيد العراق، وهناك وسيلة لتغيير هذا الرأي بشأن القوة العسكرية الامريكية وهي "لا تستخدمها"، وقال "أعتقد ان هذه هي الوصفة التي تحاول الادارة إتباعها". وأضاف "إنها شكل من أشكال الحب القاسي" مثلما نقسو على أناس مقربين لحملهم على تغيير سلوكهم. بحسب رويترز.
انتصارات مهمة
الى ذلك أعلن العراق، عن تحقيق انتصارات مهمة في قضاء بلد، ورفع العلم العراقي في الضلوعية بعد تحريرها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" فيما أكد رئيس الوزراء العراقي خلال استقباله للسناتور الأمريكي جون ماكين أن بلاده التنظيم تلقى هزائم على يد القوات العراقية التي تحتاج إلى مزيد من الدعم بحسب ما ذكرت شبكة الإعلام العراقي، ونقلت الشبكة، عن وزير الداخلية محمد سالم الغبان، الذي قام بزيارة إلى قضاء بلد، أن "قواتنا الأمنية بمساندة الحشد الشعبي تمكنت من تحرير عدد من مناطق قضاء بلد منها البو حشمة"، مشيراً إلى أن "مقاتلينا يحققون انتصارات عظيمة في القضاء"، وأضاف الغبان في حديث لوسائل الإعلام، "نحن سنعمل على تحرير كل منطقة في القضاء من الإرهابيين الذين عملوا على تهجير الأهالي قسراً"، وقد أعلنت الوزارة عن "تطهير مطار الضلوعية ورفع العلم العراقي عليه" بحسب ما أكد المتحدث باسم الوزارة العميد سعد معن، من جانبه، أجرى رئيس الوزراء حيدر العبادي في مكتبه ببغداد، مباحثات مع السناتور الأمريكي جون ماكين، وقال بيان صادر عن مكتبه بأن "العبادي اشار خلال اللقاء الى ان عصابات داعش الارهابية، تلقت ضربات وهزائم من قبل قواتنا المرابطة في ساحات القتال ونحتاج الى مزيد من الدعم من قبل المجتمع الدولي للقضاء على خطر الارهاب. بحسب سي ان ان.
محاسبة المسؤولين عن سقوط الموصل
من جانبها أعلنت لجنة الامن والدفاع في البرلمان العراقي، والتي تحقق في اسباب سقوط مدينة الموصل ثاني اكبر المدن العراقية في قبضة تنظيم "الدولة الاسلامية" الذي يعرف باسم «داعش»، نيّتها استدعاء كبار المسؤولين في الحكومة السابقة، برئاسة نوري المالكي، وقادة قوات الأمن التي انسحبت من محافظة نينوى، واستجوبت اللجنة في السابع عشر من كانون الاول/ديسمبر معاون رئيس الأركان السابق عبود كنبر وقائد القوات البرية علي غيدان، وقائد الشرطة الاتحادية المقال اللواء محسن الكعبي، وقال عضو اللجنة النائب عمار طعمة لـ «الحياة» إن «كنبر وغيدان والكعبي برّأوا ساحتهم وحمّلوا قائد عمليات نينوى الفريق الركن مهدي الغراوي، المسؤولية إذ كان قائد العمليات في المحافظة منذ فترة طويلة، وقالوا إنهم وصلوا إلى الموصل قبل سقوطها بثلاثة أيام فقط»، وذكر أن «أحداثاً كثيرة رافقت احتلال داعش محافظة نينوى في 9 حزيران/يونيو الماضي، وما زلنا في بداية التحقيق الذي سيستغرق وقتاً أكثر من المتوقع، لأننا في صدد استدعاء الغراوي وقادة في فرق الجيش والشرطة الاتحادية لجمع أكثر ما يمكن من المعلومات»، وقال رئيس اللجنة حاكم الزاملي إنها «تعتزم استدعاء أكثر من 50 وزيراً ونائباً ومستشاراً ومديراً إلى التحقيق الذي سيشمل جميع المشتبه فيهم، من أصغر جندي إلى أعلى مسؤول في الدولة». بحسب بي بي سي.
وأكد «استدعاء محافظ نينوى أثيل النجيفي ووزير الدفاع السابق سعدون الدليمي ووكيل وزارة الداخلية السابق عدنان الأسدي، وقادة عسكريين»، منبهاً إلى أن «اللجنة تتعرض لضغوط سياسية من جهات»، لكن حتى الان لم تؤكد اللجنة عن امكانية استدعاء المالكي للتحقيق معه باعتباره كان يشغل القائد العام للقوات المسلحة عندما سقطت الموصل بيد داعش، وكان رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني قد اتهم اكثر من مرة المالكي بالمسؤولية عن سقوط الموصل وغيرها من المناطق غربي العراق، واصدر المكتب الاعلامي للبرزاني بيانا اكد فيه على البرزاني حذر المالكي من مخاطر نشوء داعش وتهديداته وتحركاته غربي العراق، ونفي المالكي تلقيه اي اتصال من البرزاني قبل هجوم داعش على الموصل لكن مكتب البرزاني اكد انه اتصل بالمالكي وعرض "مساعدة الاقليم للقوات المسلحة العراقية في عملية مشتركة للحيلولة دون تنامي وتقوية الارهابيين في المنطقة"، ونقلت صحيفة الشرق الاوسط الصادرة في 24 ديسمبر الحالي عن سياسي عراقي مطلع على عمل اللجنة ان الاخيرة تخطط لاستدعاء المالكي والبرزاني.
موازنة عام 2015
من جانب اخر وافق مجلس الوزراء العراقي على مشروع موازنة لعام 2015 بقيمة 123 تريليون دينار (103 مليارات دولار بسعر الصرف في السوق الحرة) وهو ما بات ممكنا بعد تحسن العلاقات بين بغداد ومنطقة كردستان العراق شبه المستقلة، وقال وزير المالية هوشيار زيباري إن مشروع الموازنة الذي يتوقع عجزا 23 تريليون دينار سيعرض على البرلمان بعد أن تضبط صياغته لجنة يقودها رئيس الوزراء حيدر العبادي في اجتماع متوقع، ولم يتم إقرار ميزانية للعراق في عام 2014 حيث فشلت حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في ذلك بعد تدهور علاقاتها مع السنة والأكراد، وعلى النقيض من ذلك فإن ميزانية عام 2015 رمز لتزايد النوايا الحسنة بين بغداد والمنطقة الكردية حيث يقاتلان معا تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد، وقال رافد الجبوري المتحدث باسم رئيس الوزراء بشأن خطة الانفاق "هذه انفراجة"، وقال زيباري إنه لا يوجد حتى الآن رقم محدد بشأن الانفاق الفعلي في 2014 لكن من المتوقع أن يكون أعلى من مبلغ مشروع ميزانية 2015 وهو ما يشير ضمنا إلى أن بغداد اضطرت لاتخاذ إجراءات تقشف كبيرة بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية في الشهور الأخيرة، وقال "تلقى اقتصادنا صدمتين كبيرتين في 2014: صعود تنظيم الدولة الإسلامية (الذي أدى لحدوث مواجهات عسكرية) وخسارة الزراعة والنزوح، الصدمة الثانية كانت انخفاض أسعار النفط". بحسب رويترز.
وتتمم الميزانية اتفاقا ماليا بين بغداد والمنطقة الكردية يصدر بموجبه الأكراد 300 ألف برميل يوميا من النفط الخام من كركوك و250 ألفا من حقولهم في مقابل الحصول على 17 بالمئة نصيبهم من الميزانية، وعلى خلاف الميزانيات السابقة التي أقرت خلال حكم المالكي لا يتضمن مشروع ميزانية 2015 إجراءات عقابية لخفض نصيب الأكراد إذا لم يلتزموا بحصصهم من صادرات النفط، وكانت الميزانية قد تأجلت مع استمرار انخفاض اسعار النفط وكان من المفترض في الأصل أن تتضمن سعرا للخام 70 دولارا للبرميل في العام القادم لكن جرى تخفيضه إلى 60 دولارا، ويجري تداول عقود برنت فوق 60 دولارا انخفاضا من 115 دولارا في يونيو حزيران، وقال زيباري "نواجه حقا وضعا ماليا واقتصاديا صعبا، وقال زيباري إن تلك الأولويات هي الدفاع والوقود والكهرباء والنازحون في العراق حيث فقد أكثر من مليوني شخص منازلهم في العام الماضي، واضاف "يحتاجون للعودة إلى منازلهم، يحتاجون الخدمات الأساسية، وإعادة الإعمار والأمن".
وسوف يستحوذ الدفاع وحده على 20 بالمئة من الانفاق في ميزانية 2015، وينبغي للدولة أيضا ضمان سداد أجور موظفيها العموميين البالغ عددهم أكثر من خمسة ملايين، وقال وزير المالية إن الحكومة ستمول العجز من خلال أذون خزانة وسندات حكومية والاقتراض من البنوك المحلية، وبالإضافة لذلك يخطط العراق لسحب أموال من صندوق النقد الدولي من خلال حقوق السحب الخاصة للبلاد وسوف يفرض ضرائب على السيارات المستوردة وبطاقات خطوط الهاتف المحمول والانترنت، وتحتجز الحكومة أيضا 15 بالمئة من الرواتب الكبيرة للموظفين الحكوميين وستردها عندما يصبح الوضع المالي للبلاد أكثر استقرارا، ووافقت الكويت على تأجيل تعويضات من العراق عن غزو جارته في عام 1990 وذلك لمدة عام، وقال زيباري إنه يتوقع أن ترتفع أسعار النفط في 2015 وإن أي فائض في الايرادات سينفق على مشروعات استثمارية.