أموال تتبخر مع انتهاء الحكومات… من يحاسب؟
انوار داود الخفاجي
2025-12-03 04:14
في كل دورة حكومية جديدة، تتجدد آمال العراقيين في أن تبدأ مرحلة إصلاح حقيقية، وأن تُطوى صفحات الهدر والفساد التي أنهكت البلاد وأثقلت كاهل المواطن. إلا أننا اليوم أمام ظاهرة خطيرة تتكرر بقلق لافت، وهي اختفاء الأموال في الوزارات والمؤسسات الحكومية بعد انتهاء عمر الحكومات، وكأن خزائن الدولة تُفتح عند البداية وتُغلق عند النهاية وقد نُقص منها ما لا يُحصى.
تبرز الأسئلة هنا بحدة هل سنشهد الإعلان عن ملفات فساد بملايين ومليارات مفقودة؟ ولماذا الآن فقط تظهر حقائق كان يفترض كشفها منذ وقوعها؟
تاريخياً، اعتاد العراقيون أن يسمعوا عقب كل دورة حكومية بحالات فقدان أموال في مشاريع، عقود، رواتب، إعانات، أو حتى صناديق دعم اجتماعي. الظاهرة تتكرر وكأنها أصبحت جزءاً من المشهد السياسي والاقتصادي، ما يجعلها أشبه بنزيف مستمر لا يشعر به الجسد إلا بعد أن يفقد الكثير من دمائه. وما نشهده اليوم يطرح فرضية أن كشف هذه الملفات لا يرتبط فقط بالفساد ذاته، بل أيضاً بالصراع السياسي وتبادل الأوراق بين الأطراف عند انتقال السلطة لكن أين دور الحكومة السابقة؟ وأين دور الحكومة اللاحقة؟ وما موقع هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية من كل هذا؟
المفترض أن تكون الدولة بجميع مؤسساتها الرقابية هي الحارس الأمين لأموال الشعب، لا أن تنتظر انتهاء ولاية المسؤول أو تبدل الحكومة لتبدأ رحلة البحث والتحقق. الفساد لا ينتظر نهاية دورة ليُكشف، بل يكبر بصمت إن لم يُراقَب يومياً. هنا يمكن القول إن المشكلة ليست فقط في وقوع الفساد، بل في غياب الرقابة الرادعة لحظة حدوثه.
اليوم، المواطن العراقي يتساءل بمرارة أموال من اختفت؟ وأين ذهبت؟ ومن المسؤول؟ كثير من العائلات لا تجد قوت يومها، الخريجون بانتظار التعيين، الأرامل بانتظار الرعاية، الفقراء بانتظار من ينصفهم، والبلاد مليئة بالمليارات التي تُعلن فجأة أنها ضاعت أو تبخرت . المفارقة المؤلمة أن الفساد لا يتوقف عند الفقد المادي فقط، بل يتجاوز ذلك إلى انهيار ثقة المواطن بدولته ومؤسساتها، فيتحول الشعور العام من التفاؤل إلى الإحباط، ومن المشاركة إلى اللامبالاة.
دور المواطن هنا محوري. فالرقابة الشعبية اليوم أصبحت أهم من أي وقت مضى. وعلى العراقي أن يُطالب بحقه ويصرّ على كشف الحقائق، وأن يدعم الجهات الرقابية والإعلامية التي تلاحق ملفات الفساد. فالدولة ليست ملكاً للسلطة، بل ملكٌ للشعب، وما يضيع منها يضيع من خبز الفقراء ودواء المرضى ومقاعد الطلبة.
لكن السؤال الأهم هل سنرى هذه الملفات تُفتح بجدية؟ أم ستبقى أوراقاً تُستخدم عند الحاجة السياسية؟
إن استعادة الأموال المنهوبة تتطلب إجراءات حقيقية تتجاوز التصريحات الإعلامية، وتحتاج محاكمات نزيهة وشفافة لا تُستثنى منها أي جهة مهما كان نفوذها.
ختاماً، العراق اليوم أمام مفترق مهم. إما أن نحاسب من بدد الثروة، أو نترك التاريخ يعيد نفسه دون رادع. أموال الشعب ليست موسمية تُكشف فقط عند تبدل الحكومات، بل هي أمانة يجب أن تبقى تحت عين القانون… لا تحت عين الزمن.