هل الانتخابات القادمة نزيهة؟

مصطفى ملا هذال

2025-10-12 04:26

مع اقتراب موعد الانتخابات من ساعة الصفر، يتصاعد في الشارع سؤال جوهري: هل ستكون الانتخابات القادمة نزيهة؟

 قد يبدو السؤال بسيطا في ظاهره، لكنه في الحقيقة يعكس طريقا طويلا من الشكوك، والتجارب المتراكمة، والتحديات السياسية التي مر بها العراق منذ عام 2003، فهل هذا التساؤل مشروع، أم أنه يدخل في إطار التشكيك غير المبرر الذي يضعف الثقة بالعملية الانتخابية؟

من حيث المبدأ فأن التشكيك في العملية الانتخابية، يعتبر من المسلمات او الجوانب المشروع الحديث عنها، وهذا ليس خللا في أي نظام ديمقراطي، ولكل عملية يراد لها ان تكون نزيهة، يجب أن تُبنى على منظومة من الإجراءات الرقابية والشفافية، والثقة المتبادلة بين الدولة والمجتمع. 

ففي البلدان التي ترسخت فيها الديمقراطية بشكل كبير، تُطرح هذه الأسئلة نفسها قبل كل اقتراع، وتُجرى نقاشات علنية حول مدى جهوزية المفوضيات الانتخابية، وحياد الأجهزة الأمنية، ودور الإعلام، والرقابة المحلية والدولية.

لكن في العراق الذي لا يزال يعيش في باكورة حياته الديمقراطية، لا ينفصل هذا التساؤل عن تجارب انتخابية سابقة شابتها خروقات، أبرزها ما حصل في انتخابات 2018، حين طُعنت النتائج من أكثر من جهة سياسية، وجرى إعادة العد والفرز اليدوي في بعض المناطق.

كما أن انتخابات 2021 شهدت اتهامات متبادلة بالتلاعب والضغط السياسي، وإن لم تُلغ النتائج في النهاية، هذه الوقائع جعلت الشكوك متجذرة في الوعي العام، بحيث أصبح التساؤل عن النزاهة رد فعل طبيعي، وليس مجرد مزايدة سياسية.

من جهة أخرى لا يمكن تجاهل أن التشكيك المفرط وغير المستند إلى أدلة قد ينعكس سلبا على المشاركة الشعبية، ويعزز عزوف الناخبين عن صناديق الاقتراع، هذا اذا علمنا ان المؤشرات السابقة تشير إلى أن نسبة المشاركة تتراجع كل دورة انتخابية، وهو ما يعكس تآكل ثقة المواطنين بجدوى أصواتهم.

هنا يصبح الفرق واضحا بين السؤال المشروع الذي يهدف إلى تحسين العملية الانتخابية، وبين الخطاب المسبق الذي يحكم بالفشل قبل أن تبدأ العملية، وهو خطاب تستخدمه أحيانا قوى سياسية لتبرير نتائج متوقعة أو تمهيدا للطعن بها.

لذلك فإن التحدي الحقيقي أمام الجهات المنظمة للانتخابات، وخاصة المفوضية العليا المستقلة، يتمثل في تحويل هذا التساؤل من حالة شك إلى مساحة للنقاش والرقابة، وهذا يتطلب اتخاذ خطوات عملية، مثل ضمان استقلالية المفوضية، وتوسيع المراقبة المحلية والدولية، وتفعيل الشفافية في إعلان النتائج والإجراءات، إضافة إلى محاسبة أي جهة تعبث بسير الانتخابات.

كما أن دور الإعلام والمجتمع المدني لا يقل أهمية، فهما الجسر بين الناخب وصندوق الاقتراع، فعندما يُسلط الضوء على الثغرات بموضوعية، تُدفع المؤسسات إلى الإصلاح، وعندما يُنشر التشكيك العشوائي، تُفتح الأبواب أمام الفوضى وفقدان الثقة.

في النهاية فان السؤال عن نزاهة الانتخابات القادمة ليس ترفا، بل ضرورة ديمقراطية، غير أن الإجابة عنه لا ينبغي أن تُبنى على الانطباعات المسبقة وحدها، بل على الوقائع والإجراءات والرقابة، فالنزاهة لا تُمنح، بل تُنتزع بتكاتف المجتمع والدولة، وبين الشك المشروع والتشكيك غير المبرر، تكمن مساحة الوعي والمسؤولية التي يمكن أن تصنع انتخابات أكثر شفافية ومصداقية.

ذات صلة

مركز آدم ناقش.. حماية حقوق الإنسان من مخاطر المشاريع الإنشائيةالعلامات الأربع.. التي تصنع الإنسان الصالح والمجتمع المثاليفي المراهقة: لا جدال ولا فَرْضمحرقة القرن: غزة جرح في ضمير العالم.. الدم الذي لا يُرىالثقافة مزهرة من بغداد إلى بغداد