القيم والعادات والأعراف العشائرية بين التماسك الاجتماعي وبناء الدولة

محمد عبد الجبار الشبوط

2025-10-09 03:04

تُعَدّ العشيرة في المجتمعات العربية عامة، وفي المجتمع العراقي على وجه الخصوص، إطارًا اجتماعيًا أصيلًا، لعب عبر التاريخ دورًا مهمًا في حماية الأفراد وتوفير الأمن والتكافل الاجتماعي. وقد أفرزت الأعراف والعادات العشائرية مجموعة من القيم التي ساهمت في تعزيز التضامن والكرم والشجاعة ونُصرة المظلوم، وهذه كلها جوانب إيجابية أسهمت في تقوية النسيج الاجتماعي وصيانة الروابط بين الناس.

لكن، في المقابل، فإن استمرار هذه الأعراف عندما تتعارض مع مفهوم الدولة الحديثة قد يؤدي إلى نتائج سلبية خطيرة. فبعض الممارسات العشائرية تتحول إلى عقبة أمام سيادة القانون، مثل النزاعات التي تُحلّ بطرق الثأر أو الدية بدلًا من المحاكم، أو الضغط العشائري لفرض الأعراف الخاصة على حساب النصوص القانونية والدستورية. وهنا يظهر التناقض بين منطق “الانتماء العشائري” ومنطق “المواطنة”، إذ يصبح الفرد منتميًا إلى عشيرته قبل انتمائه إلى الدولة، وهو ما يضعف فكرة المساواة أمام القانون.

إن الدولة الحضارية الحديثة تقوم على قيم عليا مثل العدالة والمساواة والحرية والمسؤولية، وهذه القيم تحتاج إلى مؤسسات قانونية راسخة، لا إلى أعراف قديمة متغيرة. ومع ذلك، يمكن تحويل القوة الكامنة في الأعراف العشائرية إلى عنصر دعم لبناء الدولة إذا جرى توجيهها نحو تعزيز قيم القانون، وتشجيع الالتزام بالعدالة الرسمية، وحصر دور العشيرة في إطار الدعم الاجتماعي والثقافي لا القضائي أو السياسي.

العادات والأعراف العشائرية ليست كلها شرًّا ولا كلها خيرًا؛ فهي تحمل في طياتها قيمًا إيجابية تعزز التضامن الاجتماعي، لكنها قد تتحول إلى عائق أمام قيام دولة المواطنة إذا لم تُضبط بعلاقة واضحة مع القانون. والمطلوب هو إعادة توظيف هذه القيم في خدمة مشروع الدولة الحضارية الحديثة، بحيث يكون الانتماء الأول للمواطن إلى القانون والدولة، بينما تظل العشيرة إطارًا اجتماعيًا مساعدًا لا بديلاً عن الدولة.

ذات صلة

خصالٌ ترتقي بالأممالقوائم الانتخابية 2025.. مؤشرات وتوقعاتالعبادي يكشف: لماذا تقع النساء في عالم المخدرات؟جيل زد 212 المغربي: نموذج الاحتجاج المعولمكيف أتعامل مع من يغار مني؟