الثورة الشبابية في تشييد دولة القيم الإنسانية

د. جمانة جاسم الاسدي

2025-10-08 02:08

لطالما كان الشباب رافعة التغيير الاجتماعي والسياسي، ومحرك النهضات الكبرى في التاريخ، فحينما تتآكل القيم في واقع مأزوم، وتُختزل الدولة إلى سلطة صمّاء بعيدة عن الإنسان، ينبثق الشباب كطاقة مقاومة تسعى إلى إعادة تعريف الدولة على أساس جديد، يمهد لدولة القيم الإنسانية، هذه الدولة لا تُبنى بالقوة العمياء ولا بالهيمنة الاقتصادية فحسب، بل بوعي جمعي ينادي بالكرامة، والعدالة، والحرية، والتكافؤ، والمشاركة الفاعلة.

الثورة الشبابية ليست مجرد هبّة احتجاجية آنية، وإنما هي فعل حضاري يعكس إعادة إنتاج للوعي الجمعي، فالشباب اليوم يتميزون بقدرتهم على كسر الحدود التقليدية، سواء عبر الفضاء الرقمي أو عبر الحركات المجتمعية، مما يجعل صوتهم أكثر حضورًا وتأثيرًا، هذه الثورة ليست بالضرورة هجومية، بل قد تكون إصلاحية سلمية، تستند إلى إبداع في الخطاب، وجرأة في المطالبة، وقدرة على رسم تصورات جديدة لمفهوم الدولة.

القيم الإنسانية ليست مجرد شعارات، بل هي مبادئ دستورية وأخلاقية تعكس إنسانية القانون والدولة، من أهم تلك القيم هي الكرامة الإنسانية التي تقتضي حماية الفرد من الإذلال والتهميش، وصون حقوقه الأساسية، والعدالة الاجتماعية باعتبارها أداة لضمان المساواة في الفرص وتوزيع الثروات، أما الحرية المسؤولة التي توازن بين الحق الفردي والمصلحة العامة، أيضًا المشاركة المجتمعية بوصفها شرطًا لتحقيق الشرعية السياسية والعدالة التمثيلية، كما لا يخفى على الجميع إن تشييد دولة القيم الإنسانية يستدعي ترجمة هذه المبادئ إلى منظومة تشريعية وسياسات عملية، تضمن تطبيقها لا مجرد التنظير لها.

الشباب لا يقتصر دورهم على الضغط الجماهيري، بل يتجلى حضورهم في ميادين متعددة منها في السياسة من خلال المشاركة في الأحزاب، والانتخابات، والمجالس المحلية، بما يضمن إدماج أصوات جديدة في صناعة القرار، وفي الاقتصاد عبر الابتكار وريادة الأعمال، كبديل عن الاعتماد الكلي على الدولة، وفي الثقافة والإعلام بتغيير الخطاب السائد، وإعادة إنتاج رواية وطنية جامعة، وفي المجتمع المدني من خلال الجمعيات والملتقيات والمبادرات التطوعية التي تعيد ربط القانون بالقيم.

لكن لا يمكن إنكار أن الثورة الشبابية تواجه عقبات جسيمة، مثل البطالة، الفساد، ضعف الثقة بالمؤسسات، والانقسامات المجتمعية، غير أن قوة الشباب تكمن في مرونتهم، وقدرتهم على استثمار التحديات كحوافز للتجديد، ومع الانفتاح الرقمي، صار بالإمكان توسيع التحالفات الشبابية على المستوى الوطني والدولي، بما يعزز التضامن في مواجهة التحديات الكونية كالتطرف، والفقر، وتغيّر المناخ.

ختامًا- إن الثورة الشبابية في تشييد دولة القيم الإنسانية ليست نزوة عابرة، بل هي مسار تاريخي يعيد تعريف دور الإنسان في الدولة الحديثة، الشباب اليوم ليسوا جيلًا ينتظر المستقبل، بل هم صانعوه، وما يميّز ثورتهم أنها لا تسعى فقط إلى تغيير السلطة، بل إلى إعادة بناء الشرعية على أساس إنساني يضمن أن تبقى الدولة خادمة للإنسان، لا العكس.

د. جمانة جاسم الاسدي، عضو ملتقى النبأ للحوار تدريسية بجامعة كربلاء

ذات صلة

الشباب والتحديات الثقافية في العصر الرقميثلاثية الارتقاءدلالات المقاطعة والمقاطعينجيل زد المغربي.. يعبر عن غضب الشباب في العالمنفط الإقليم وقوته