المغرب.. أزمة ثقة بين رجال الدولة وجيل المستقبل

نبيل خالد مخلف

2025-10-06 04:23

شهد المغرب في أواخر شهر أيلول/سبتمبر من عام 2025 مرحلة دقيقة تداخلت فيها التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، تجسدت باندلاع احتجاجات واسعة قادها شباب من الجيل الجديد تحت مسمى (Gen Z 212)، رفعوا خلالها شعارات تطالب بتحسين جودة التعليم والرعاية الصحية، ومكافحة الفساد والمحسوبية، والدعوة إلى تجديد الطبقة السياسية الحاكمة.

لم تبقَ هذه الاحتجاجات محصورة في مدينة واحدة، بل سرعان ما امتدت إلى مدن كبرى مثل الدار البيضاء والرباط وأغادير، مما زاد من حدة التوتر بين الدولة والمواطنين، خصوصاً بعد لجوء السلطات إلى أساليب القمع والاعتقال التي طالت ناشطين وشباباً في مقتبل العمر، وقد كشف ذلك عن اتساع الفجوة بين مؤسسات الحكم وتطلعات جيل جديد يسعى إلى مشاركة حقيقية في صياغة مستقبل بلاده.

خلفية اقتصادية واجتماعية متشابكة

لا يمكن فصل هذا الحراك الاجتماعي عن السياق الاقتصادي العام الذي يعيشه المغرب، إذ بالرغم من تحقيق البلاد تقدماً نسبياً في بعض القطاعات التنموية، فإنها ما تزال تواجه تحديات بنيوية عميقة، في مقدمتها أزمة المياه والجفاف المستمر الذي ضرب القطاع الزراعي، وهو “العمود الفقري للاقتصاد الوطني”، هذا التدهور الزراعي انعكس على الأوضاع المعيشية، فتراجعت فرص العمل وارتفعت كلفة المعيشة، ما جعل المطالب الاجتماعية انعكاساً مباشراً لضغوط اقتصادية متراكمة.

ويزداد المشهد تعقيداً مع تدهور الوضع البيئي، إذ يُعد المغرب من بين أكثر بلدان شمال إفريقيا تأثراً بتغير المناخ وندرة الموارد المائية، وهو ما يضع صانعي القرار أمام معادلة صعبة بين تحقيق التنمية الاقتصادية السريعة من جهة، وضمان استدامة الموارد الطبيعية من جهة أخرى.

الأزمة السياسية وأزمة الثقة

من زاوية علم السياسة، يمكن القول إن جوهر الأزمة المغربية اليوم هو أزمة ثقة مزدوجة: بين المواطن والدولة من جهة، وبين الجيل الجديد والنخب السياسية من جهة أخرى، فالتقارير الحقوقية الدولية، ولا سيما تلك الصادرة عن منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، تشير إلى استمرار التضييق على حرية التعبير واستهداف الناشطين، ما أضعف إمكانيات الحوار وبناء جسور الثقة.

إن جيل الشباب المغربي، الذي يمتلك وعياً رقمياً وثقافياً متقدماً، لم يعد يقبل بواقع الإقصاء السياسي أو غياب الشفافية، بل يسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين السلطة والمجتمع على أسس المشاركة والمساءلة والعدالة الاجتماعية، في المقابل، تبدو الطبقة الحاكمة منشغلة بإدارة الأزمات أكثر من سعيها لإصلاح المنظومة، وهو ما قد يجعل الاحتجاجات مقدمة لتحولات أعمق في بنية النظام السياسي إن لم تُواكَب بإصلاحات حقيقية وشاملة.

البعد الإقليمي والدروس المستفادة

تجارب بلدان شمال إفريقيا تؤكد أن الأزمات الاجتماعية نادراً ما تبقى محصورة داخل حدودها الجغرافية، إذ إن تشابه الظروف السياسية والاقتصادية بين دول المنطقة يجعل انتقال العدوى الاحتجاجية أمراً محتملاً، وقد أظهرت تحولات العقد الأخير أن غياب الإصلاحات العميقة يؤدي في نهاية المطاف إلى زعزعة الاستقرار السياسي، حتى في الأنظمة التي كانت تبدو مستقرة ظاهرياً.

وعليه، فإن المغرب أمام ضرورة استراتيجية لاعتماد مقاربة جديدة في إدارة التوترات الاجتماعية، تقوم على إشراك الفاعلين المحليين ومنظمات المجتمع المدني في صياغة سياسات التنمية، بدلاً من الاكتفاء بالحلول الأمنية أو التجميلية.

نحو عقد اجتماعي جديد

إن ما يشهده المغرب اليوم ليس مجرد احتجاجات مطلبية عابرة، بل تعبير عن تحول بنيوي في الوعي الجمعي لجيل جديد يشعر بأن زمن الوعود التقليدية قد انتهى.

وعليه، فإن خيار الإصلاح الشامل أصبح شرطاً وجودياً للاستقرار، وليس ترفاً سياسياً، ويتطلب هذا الإصلاح إعادة النظر في منظومة توزيع الثروة، وخلق فرص عمل مستدامة، وتعزيز الحريات العامة، مع تجديد النخبة السياسية بآليات ديمقراطية شفافة.

إن استعادة الثقة بين الدولة والمجتمع تستوجب انتقالاً تدريجياً نحو حكم يقوم على التشاركية والمساءلة، بما ينسجم مع تطلعات الشباب ويعزز موقع المغرب كدولة استقرار وتنمية في شمال إفريقيا.

خاتمة

يقف المغرب اليوم أمام مفترق طرق تاريخي؛ فإما أن يمضي في مسار الإصلاح الحقيقي والمصالحة الاجتماعية، أو أن يواجه تصاعداً في الاحتقان قد يهدد منجزات الاستقرار التي تحققت خلال العقود الماضية.

إن جيل (Gen Z 212) لا يطالب بالمستحيل، بل يسعى فقط إلى أن يكون شريكاً في رسم مستقبل البلاد، وما لم تُستوعب هذه الرسالة بجدية، فقد يتحول الصمت الاجتماعي إلى انفجار يصعب احتواؤه.

*مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001–2025 Ⓒ

http://mcsr.net

ذات صلة

آباء العِلم والعملالبوزرجية: طامعين بلا رادعالاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل خطوة نحو الاستقرار أم تسوية مؤقتة؟التغيرات المناخية والوعي البيئي في عصر الأنثروبوسينآمال ومخاوف.. هل اقتربت حرب غزة فعلا من نهايتها؟