البوزرجية: طامعين بلا رادع

مصطفى ملا هذال

2025-10-06 04:21

فَرِح ملايين العراقيين بتحديد شهر حزيران كموعد نهائي للدفع النقدي، وتحويل عملية الدفع الى الكترونية، لكن يبدو هذه الطريقة لن تلغي طمع "البوزرجية"، وهم الأشخاص العاملين في محطات التزود بالوقود، ويحاولون باستمرار استحصال مبالغ فوق المبلغ بطرق وأساليب مختلفة.

شهدت السنوات الأخيرة تصاعد ظواهر وسلوكيات غير قانونية وغير أخلاقية من قبل ما يُعرف بـ”البوزرجية” في المحطات الاهلية والحكومية، حيث تحولت هذه الفئة إلى عبء يثقل كاهل أصحاب العجلات ويضيف أعباء مالية متزايدة على قطاع النقل وأفراده.

العاملون في محطات الوقود يفترض ان يكون دورهم منظمين لعملية التزود، وحركة العجلات في المحطة، لكن الواقع تغير كثيرا، فبدلا من تقديم خدمة حقيقية مقابل أجر محدد، أصبحوا يبتكرون أساليب متعددة لفرض مبالغ إضافية غير مقررة، مستخدمين أسلوب الإكراه والضغط على السواقين.

ولكي يكون الحديث بنوع من الانصاف هنالك من يؤدي دوره ويلتزم بمهامه دون تجاوزها، ونخص بالذكر منهم العاملين في المحطات الحكومية، حتى تم تناول الامر بنوع من الفكاهة على مواقع التواصل الاجتماعي، نظرا لالتزامهم بالقيمة النهائية التي يحددها العداد الالكتروني.

في المقابل تكثر مثل هذه التصرفات، في المحطات الاهلية والتي لا تخضع الى حد ما لنوع من الرقابة، والاكتفاء بتعليق الأرقام الساخنة، والدعوة الى الاتصال ممن يقع عليهم ظلم او حيف من قبل الموظف (البوزرجي)، لكن هنالك قناعة تامة لدى أصحاب العجلات والمخالفين للتعليمات من الموظفين بعدم جدية الامر.

لذا تبقى مسألة الرقابة مجرد اجراء روتيني غير ذي أهمية على المدى القريب او البعيد، ومن ذلك يبقى السائقين في حالة من الاجبار اليومي او الدفع تحت عامل الحياء الذي يضعه في الموظف العامل في المحطة وسنذكر حالة أقرب ما يكون من المعاملة على سلعة من اجل الوصول الى سعر مقنع للطرفين.

قص لنا أحد السواق ما حصل معه من موقف حقيقي في احدى المحطات الاهلية في محافظة ما، اذ يقول بعد الانتهاء من عملية التزود، توجه اليه العامل بالسؤال: "شكد اكطع؟" ومن شدة الاستغراب ن نوع السؤال بقي السائق صامتا لا يعرف ماذا يعني وبماذا يُجيب.

وبعد تكرار السؤال، اتضح انه ينوي او يرغب بتجاوز المبلغ المقرر، لكنه يحاول وبطريقة معينة يحصل على الضوء الأخضر من السائق، ليكتسب الموضوع قدرا من الشرعية بعد انتزاع الموافقة من السائق على مضض.

وربما يعود السبب وراء هذه التصرفات، هو ضعف العنصر الرقابي من قبل الجهات المعنية بذلك، او تهاون هذه الجهات مع المخالفين، لأسباب غير مجهولة، ولا نريد الوقف عندها، لذلك تكون مثل هذه الإجراءات مجرد الهاء للجمهور المتضرر، وعدم التوصل الى معاقبة حقيقية او حلول جذرية لهذه المشكلة المتجذرة.

ومثل هذه الممارسات لا تتوقف عند كونها عبئا ماليا فحسب، بل تمتد لتؤثر على الكرامة الإنسانية وأخلاقيات التعامل في المجتمع، فالسائق الذي يكد يوميا لتأمين قوت عائلته يجد نفسه محاصرا بابتزاز متكرر يستنزف دخله المحدود، ومع مرور الوقت، يتحول الأمر إلى عبء نفسي يولّد مشاعر غضب واحتقان اجتماعي.

وما يزيد خطورة الظاهرة أنها لم تعد مقتصرة على مناطق معينة أو فترات محدودة، فقد بدأت تنتشر في جميع المناطق حتى باتت شبه مألوفة، الامر الذي جعل البوزرجية يشعرون بأنهم فوق القانون، ما شجعهم على التمادي في فرض أساليبهم الجشعة.

إن جشع هؤلاء البوزرجية لم يعد مجرد سلوك فردي، بل تحول إلى ظاهرة مقلقة تهدد النظام الاجتماعي والاقتصادي، والوقوف بوجهها يتطلب مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، حتى تُعاد هيبة القانون، ويشعر أصحاب العجلات أن جهودهم اليومية لا تضيع في جيوب طامعين بلا رادع.

ذات صلة

آباء العِلم والعملالمغرب.. أزمة ثقة بين رجال الدولة وجيل المستقبلالاتفاق النفطي بين بغداد وأربيل خطوة نحو الاستقرار أم تسوية مؤقتة؟التغيرات المناخية والوعي البيئي في عصر الأنثروبوسينآمال ومخاوف.. هل اقتربت حرب غزة فعلا من نهايتها؟