كلام أبيض
د. جليل وادي
2025-10-05 06:11
التقيتها صدفة في العاصمة مع اني أتحاشى اللقاء بالمرشحين لانتخابات مجلس النواب، ولكن بعض الأصدقاء من الأكاديميين وضعوني في احراج لم يكن بمقدوري الافلات منه، فجلست صامتا بينما دار حديث طويل، جاء بعضه كالضحك على الذقون كقولها: قدموا لي طلبات لأحصل لكم على أراضٍ سكنية، فابتسم الجميع على استحياء، ذلك ان بعضهم على وشك التقاعد من الوظيفة ولم يملكوا شبرا واحدا في بلادنا التي دافعوا عنها حتى الموت، لا في النظام السابق الذي وعدنا بالغد المشرق، ولا في النظام الجديد الذي بشرنا بالعيش الرغيد.
واسترسلت الحلوة الأمورة في حديثها وكلنا آذان صاغية: بان البلاد وصلت الى مستوى من الخراب يوجب علينا الاختيار الصحيح بين المرشحين، فرد أحدهم بالقول: ومَنْ الذي أوصلنا الى هذا الخراب غيركم، وتحديدا الأعضاء الدائمين في مجلسكم، اذ لم نسمع لك صوتا على مدى ثماني سنوات، ألم تشرعنوا المحاصصة حتى وصلت الى أبسط منصب في مؤسساتنا؟، وتم توزيعها بينكم بذريعة التوازنات، فنخرت جسد الدولة حتى بات كالجثة الهامدة، ألم يكن كلامكم مغموسا بالطائفية فأشعتم الكراهية بين الاخوان؟، وأخيرا صوتوا على سفراء أغلبهم لا يجيدون قراءة كلمة قصيرة في محفل دولي.
وطال الحديث الذي ابتغت فيه استمالتنا لانتخابها، وتبين في نهايته انها لا تمت للسياسة بصلة، ولا تملك من المهارات أدناها، وليس لها من الخصائص سوى انها حلوة أمورة، تزيدها الابتسامة حلاوة، وانتقائها للثياب رونقا، وكأنها تقول ان الجمال جواز مرور الى القلوب ومنه الى مجلس النواب.
خرجنا من الجلسة نكتم ضحكة كبيرة في صدورنا، لكنها كبكاء من غدر به الزمان، ومن نافذة السيارة تطلعت في صور المرشحين، فلم أجد بينهم مفكرا سياسا بارزا، ولا خبيرا اقتصاديا محنكا، ولا مثقفا كبيرا أغرقت مؤلفاته المكتبات، فأيقنت ان السياسة صارت مجالا منتهكا ومفتوحا يهيمن عليه المقاولون وأصحاب رؤوس الأموال من الذين رشحوا أنفسهم، او دعموا مرشحين آخرين، ليتخذوا منهم حراس بوابات لحماية مصالحهم وديمومة ثرائهم الفاحش. ولفتني في هذه الدورة والتي قبلها ان عددا من العوائل توزع أبناؤها بين مجلس النواب ومجالس المحافظات وبعض المناصب التنفيذية، كيف يحدث هذا في ديمقراطية نريدها ممرا للأكفاء وليس للعوائل المتكئة على العشيرة او الطائفة، ألم يلحظ دعاة الديمقراطية تسلل العوائل وأصحاب رؤوس الأموال الى وريد الدولة؟
أعرف أن الديمقراطية ضمانة أكيدة لتجنب الوقوع في قبضة الدكتاتورية، لكن التجربة أفادت بأننا سنقع تحت رحمة دكتاتورية العوائل المتنفذة والأثرياء الكبار، لذا اقترح عدم ترشح أكثر من شخص من العائلة نفسها وحتى درجة معينة من القرابة، لكي لا يوظف القرار الديمقراطي لخدمة المصالح الخاصة على حساب المصلحة الوطنية.
أتطلع بالصور البراقة التي تكتظ بها جوانب الشوارع وجزراتها الوسطية، فأرى دعاية ضخمة لبعض المرشحين، ووصل الأمر ان تغطي صورة واحدة لمرشح بناية من عدة طوابق، ما يستدعي التقصي عن مصادر الأموال الموظفة في الدعاية الانتخابية، بالمقابل هناك دعايات فقيرة جدا، وهذا يعني ان الفرص غير متكافئة بين المرشحين، ما يولد قناعة لدى المرشح المستقل بأن فوزه لن يتحقق مالم ينضوي تحت ابط أحد الأحزاب او أحد الأثرياء الطامحين للتحكم في الشأن العام حماية لأمواله وتجارته، فالأموال وحدها باتت لا تحمي نفسها في بلادنا ان لم يكن لها نفوذ سياسي، لذلك هرب غير المنتمين لأحزاب السلطة لاستثمار أموالهم في دول الجوار، لذا اقترح الاكتفاء بمساحة زمنية متساوية لكل مرشح عبر الاذاعة والتلفزيون الرسمي، وصور ورقية بقياسات محددة فقط في الدورات القادمة.
أضحكني ذلك المرشح الذي وصف نفسه بالشيخ مرة وبالاستاذ مرة أخرى، وذاك الذي وصفه المدعومين منه بزعيم المرحلة، بينما لا يجيد ارتجال عبارة واحدة، والذين أعرفهم عن قرب وليس لهم من الثقافة شيئا، ومع ذلك سيفوز هؤلاء وفي مقدمتهم الحلوة الأمورة.