خطاب نتنياهو وعزلة إسرائيل.. هل تفرض انهاء الحرب على غزة؟
ميثاق مناحي العيسى
2025-10-02 01:38
شهد خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، موجة من الانتقادات داخل إسرائيل، اعتبرت أدائه وخطابه ضعيفين ومرتبكين. وألقى نتنياهو خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، إذ كانت القاعة شبه فارغة، بعدما انسحب عدد كبير من الوفود احتجاجًا على سياساته، ولاسيما على الحرب المستمرة في قطاع غزة، منذ ما يقارب الثلاث سنوات.
وسلطت وسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء على استخدام نتنياهو وأعضاء وفده رموز "كيو آر" (QR) الملصقة على معاطفهم، مشيرًا للحضور إلى إمكانية مسح الرمز باستخدام هواتفهم الذكية للوصول إلى ملفات خاصة بأحداث السابع من أكتوبر 2023، بهدف دعم الرواية الإسرائيلية. بموازاة ذلك، تناولت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، تغطية الاحتجاجات المؤيدة للقضية الفلسطينية، التي شهدها ميدان تايمز سكوير، بالقرب من مقر الأمم المتحدة.
وتزامنت هذه الاحتجاجات مع مظاهرة حاشدة شارك فيها آلاف المتظاهرين القادمين من مختلف الولايات الأمريكية، إذ رفعوا شعارات تندد بظهور نتنياهو على منبر الأمم المتحدة، متهمين إياه بتنفيذ أعمال إبادة جماعية بحق سكان غزة. فيما أشارت القناة الـ 12 إلى أن مغادرة عشرات الحاضرين قاعة الجمعية للأمم المتحدة لحظة بدء كلمة نتنياهو "هو إثبات لنظرة العالم لإسرائيل". أما مراسلة القناة الـ 13 فعلقت "عندما يغادر الدبلوماسيون الأجانب القاعة واحدًا تلو الآخر، فور بدء خطاب نتنياهو، فإنهم لا يبصقون في وجه نتنياهو، بل يبصقون في وجه إسرائيل". وهذه ربما تكون سابقة خطيرة في مواقف الدول الاخرى من إسرائيل، فلم يسبق أن تعرضت الاخيرة لهذا الموقف والادانة في الجمعية العامة، ولا في المحافل الدولية الاخرى؛ الأمر الذي بدأ بالفعل يقلق الحكومة الإسرائيلية والداعمين لها، والخشية من العزلة الدولية. فكيف أثرت هذه المواقف على خطاب نتنياهو، وكيف ستؤثر في الحرب على قطاع غزة؟
ما حدث يوم الجمعة، مع نتنياهو في الأمم المتحدة، دفع زعيم المعارضة الإسرائيلية» يائير لبيد «للتعليق بأن العالم شهد اليوم رئيس وزراء إسرائيلي مرهقًا ومتذمرًا، قدم خطابًا مليئًا بالخدع المألوفة. إذ لم يقدم نتنياهو "خطته لإعادة المخطوفين، ولم يقدم حلا لإنهاء الحرب، ولم يفسر لماذا لم تُهزم حماس بعد عامين". وتعليقًا على الخطاب، ذكر مراسل القناة الـ 12 أنه يتابع "كل خطابات نتنياهو في المحافل الدولية منذ عقدين، لا أذكر خطابًا أسوأ وأفشل من هذا، حتى على صعيد تلعثمه وعدم سلاسة إلقائه". وعلى الرغم من أن أقطاب اليمين المتطرف، احتفت بالخطاب، إلا أن ردود الفعل المناوئة والمنتقدة له، كانت أقوى بكثير، ولاسيما في وسائل الإعلام الإسرائيلي، وقد هاجمته المعارضة بشراسة. ووصف زعيم المعارضة الإسرائيلية خطاب نتنياهو بأنه زاد "اليوم من تدهور وضع إسرائيل".
هذا التدهور لم يكن على المستوى المحلي فقط، بقدر ما يكون على المستوى الدولي، وانكشاف عدوانية الحكومية الإسرائيلية برئاسة نتنياهو، حيال الفلسطينيين وشعوب المنطقة بشكل عام، ولاسيما بعد تهديداته بتوسيع دائرة الصراع في العراق واليمن وإيران، فضلًا عن الضربات الجوية السابقة على قطر وسوريا ولبنان، وتهديده بالقضاء الكامل على حماس؛ الأمر الذي ينذر باستمرار الحرب على قطاع غزة، وتهديد أمن المنطقة برمتها. فعلى الرغم من اعتراف اغلب دول العالم بالدولة الفلسطينية، بعد المبادرة السعودية–الفرنسية الاخيرة، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي توّعد بخطابه، بعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية.
مشيرًا إلى أن الجيش يعمل الآن على محو حماس في مدينة غزة. كما أشار إلى أن إيران تشكل هلالًا إرهابيًا يهدد سلام العالم ووجود إسرائيل، متهمًا طهران بتطوير برنامج نووي وصواريخ باليستية، لتهديد المنطقة والولايات المتحدة. على الرغم من اعترافه بأن إسرائيل دمرت هذا البرنامج وأضعفت حماس وحزب الله، داعيًا مجلس الأمن إلى تجديد العقوبات على إيران. وعلى ما يبدو أن الحكومة الإسرائيلية ماضية في الابادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة، وتوسيع دائرة الصراع في المنطقة، بالرغم من الادانات الدولية، التي اخذت تثير مخاوف إسرائيل من عزلة دبلوماسية دولية، وهو ما بانت ملامحه من خلال انسحاب الوفود من مقر الجمعية العامة بالأمم المتحدة، مع ارتقاء نتنياهو المنصة وبدأ خطابه.
إذ يعتقد بعض المحللين، ومنهم المدير التنفيذي لـ “سيغال" في معهد واشنطن منذ عام 1993، (روبرت ساتلوف)، أن أنماط التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يسلط الضوء على تفاقم العزلة الدولية لإسرائيل، إذ تخلى عنها حتى بعض المدافعين الذين ناصروها منذ فترة طويلة. وكان الاسبوع الذي أعقب الضربة الإسرائيلية، التي استهدفت قادة حماس في الدوحة، من أسوء الأسابيع التي مرت على الدبلوماسية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة –حسب تعبيره– فقد أثارت تلك الضربة، إدانة صريحة من الرئيس ترامب. وبعدها بيومين، أصدر مجلس الأمن الدولي، بيانًا يدعم قطر ويدين الضربة، وذلك بإجماع الأعضاء، في خطوة نادرة منذ غزو روسيا لأوكرانيا.
ورغم أن واشنطن حالت دون الإشارة إلى إسرائيل بالاسم في البيان، إلا أن رسالة الغضب الجماعي كانت واضحة. وبعدها بيوم واحد فقط، صوتت 142 دولة من أصل 164 في الجمعية العامة لصالح مبادرة فرنسية-سعودية لإنشاء دولة فلسطينية، وذلك رغم اعتراضات إسرائيل والولايات المتحدة. فضلًا عما حدث يوم الجمعة الماضي في قاعة الجمعية العامة بالأمم المتحدة، وما رافقها من مواقف وادانات وانسحابات من القاعة، بالإضافة إلى، مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الداعمة إلى أنهاء الحرب، إذ تُضغط إدارته باتجاه إنهاء الصراع، واقترح مبعوثون أمريكيون –خلال هذا الاسبوع– على القادة العرب خطة سلام من 21 نقطة لإنهاء الحرب في غزة.
بموازاة ذلك، أعرب ترامب عن استيائه من حكومة نتنياهو، ففي حديث له يوم الخميس الماضي، في المكتب البيضاوي، قال إنه (لن يسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية المحتلة، راسمًا بذلك خطًا أحمر نادرًا على أفعال إسرائيل في الأراضي الفلسطينية). وقال معترفًا بأنه تحدث إلى نتنياهو حول هذا الموضوع قائلًا: "لن أسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية. كلا، لن أسمح بذلك، ولن يحدث ذلك، حان الوقت للتوقف الآن". الأمر الذي من شأنه أن يكو ضاغطًا على رئيس الوزراء الإسرائيلي وحكومته، وقد يفضي إلى تغيير في مواقفه ازاء الحرب في غزة، ولاسيما في ظل الضغط الدولي والاممي، والعزلة التي تتعرض لها إسرائيل دبلوماسيًا وسياسيًا.