لغز صعود المرشحين الجدد: مهارة الخطاب أم هشاشة الوعي
مصطفى ملا هذال
2025-09-30 01:52
تثير ظاهرة صعود المرشحين الجدد في المشهد الانتخابي، على الرغم من قلة خبرتهم السياسية والإدارية، تساؤلات متكررة حول سر قدرتهم على إقناع شريحة واسعة من الجمهور.
فكيف لشخص يفتقر إلى تراكم الخبرة أن يجذب أصوات الناخبين بسهولة؟ وهل يعود السبب إلى نقص في وعي الناخبين، أم إلى مهارة خاصة في خطاب هؤلاء المرشحين وقدرتهم على اللعب على أوتار الحساسية الشعبية؟
وربما من الأسباب الرئيسة في عملية الاقناع السريعة هي هشاشة الوعي الجماهيري، فمن غير الممكن إغفال أن قطاعات واسعة من المجتمعات، خصوصاً في البيئات التي عانت من أزمات اقتصادية أو صراعات سياسية متكررة، تعيش حالة من العطش للتغيير.
وفي مثل هذه الحالات يصبح الناخب أقل تمسكا بالمعايير التقليدية مثل الخبرة أو السجل المهني، وأكثر انجذابا إلى الشعارات المبسطة التي تعد بالإنقاذ السريع، وهذا ما يجعل الجمهور مستعدا لتصديق أي خطاب يمنحه الأمل، حتى لو كان قادما من شخصية جديدة لا تملك رصيدا عمليا.
إضافة إلى ذلك، فإن ضعف الثقافة السياسية لدى شرائح واسعة من المجتمع يجعل الناخبين عرضة للتأثر بالخطاب العاطفي، ولهذا يشاع او يكثر الاعتقاد بالنظر الى السياسية على الفن المباشر او الخبرة الوقتية وليست عملية معقدة تتطلب خبرة تراكمية.
وحين يغيب الوعي النقدي، تتراجع أهمية طرح الأسئلة المعلقة بكيفية تنفيذ هذه البرامج والوعود من قبل المرشحين؟
ومع انخفاض نسبة الوعي، نشط لدى المرشحين مهارة تسويق الذات، في الوقت الذي لا يمكن إغفال قدرات المرشحين الجدد في صياغة خطابهم، فهم غالبا ما يقدمون أنفسهم كـضحايا المنظومة القديمة، ويستثمرون في لغة قريبة من الشارع، خالية من التعقيدات السياسية.
وهذا الأسلوب بالطبع يجعل خطابهم أقرب إلى لغة الناخب العادي، بخلاف السياسيين المخضرمين الذين يميلون إلى استخدام مفردات بيروقراطية أو أكاديمية.
كما اود الإشارة هنا الى اعتماد المرشحون الجدد على الرموز والشعارات البسيطة، كالصورة او الجمل القصيرة كذلك اتخاذ موقف علني ضد "الفساد" أو "الاحتكار السياسي"، بحيث يمكن لهذه الأدوات البصرية واللغوية السهلة الانتشار في وسائل التواصل الاجتماعي ان تمنحهم قدرة مضاعفة على التأثير، حتى وإن لم تحمل برامجهم عمقا حقيقيا، ولم يقف الامر عند هذا الحد.
بل ان بعض المرشحين الجدد يتقنون التسويق الشخصي عبر الإعلام الرقمي، فيظهرون بمظهر الشاب القريب من الناس، أو المرأة التي تمثل صوت التغيير، أو الأكاديمي الذي جزع من التنظير ويريد التطبيق، فهذه الصور الجاهزة تعمل بقوة على تشكيل الانطباع الأولي لدى الناخب، وهو انطباع بالغ الأهمية في الحملات الانتخابية.
ومن العوامل المساعدة أيضا أن الجمهور بات يشعر بنفور عميق من الطبقة السياسية التقليدية، فالأخيرة غالبا ما ارتبطت في ذهن الناس بالفساد، والعجز عن تقديم الخدمات، والتورط في صراعات لا نهاية لها، في هذه الآونة، يظهر المرشح الجديد بمثابة النقيض او البديل الذي لا يزال بريئا من التجربة الملوثة.
وعليه فإن الإقناع هنا لا يقوم على قوة البرنامج السياسي بقدر ما يقوم على مقارنة سلبية مع خصومه المخضرمين، أي أن المرشح الجديد لا يحتاج إلى إثبات نفسه بقدر ما يحتاج إلى التذكير المستمر بفشل الآخرين.
وعند محاولة الفصل بين ضعف الوعي الجماهيري ومهارة المرشحين الجدد، يبدو أن كلا العاملين يتداخلان بشكل معقد، فغياب الثقافة النقدية لدى الناخبين يجعلهم أكثر عرضة للانبهار بالخطاب العاطفي، في حين أن قدرة المرشحين الجدد على استخدام أدوات التواصل الحديثة والشعارات البسيطة تضاعف هذا التأثير.
وبالتالي فإن المشكلة لا تكمن حصرا في الجمهور ولا في المرشحين، بل في التفاعل بين الاثنين، جمهور يبحث عن الخلاص بأي صيغة، ومرشحون يجيدون تسويق أنفسهم كرموز لذلك الخلاص.
وإذا كان الهدف هو الخروج من هذه الحلقة، فلا بد من الاستثمار في تعزيز الثقافة السياسية عبر الإعلام، والمناهج التعليمية، ومنظمات المجتمع المدني، في المقابل فإن على المرشحين أنفسهم أن يدركوا أن الخطاب العاطفي قصير المدى، فالجمهور الذي يُقنع بسهولة يمكن أن ينقلب بسهولة أيضا، إذا لم تُترجم الوعود إلى أفعال.
سهولة إقناع الجمهور من قبل المرشحين الجدد ليست لغزا غامضا، بل نتيجة طبيعية لتقاطع عاملين، هشاشة الوعي الجماهيري، ومهارة الخطاب المبسط لدى هؤلاء المرشحين، وبينما يوفر ذلك فرصا لهم للصعود السريع، إلا أن استدامة حضورهم السياسي ستظل مرهونة بقدرتهم على التحول من شعارات سهلة إلى أفعال ملموسة.