التجربة العراقية الأخيرة

مصطفى ملا هذال

2025-09-20 05:08

قبل ايام انتشرت صور للسادة الذين تم ترشيحهم لمنصب سفراء العراق لدى الدول، خلال مراسم تأدية القسم، الامر الذي ولد لديّ العديد من الأسئلة حول الشخصيات المرشحة.

لماذا اغلب الشخصيات من الشباب الذين لا يمتلكون خبرة سياسية؟

ولماذا معظم الذين وقع عليهم الاختيار لم يكونوا من الأشخاص المعروفين بحنكتهم السياسية.

هذه وغيرها من الأسئلة يصعب على المواطن البسيط الحصول على اجاباتها او تفكيك شفراتها، بينما من لديه مراقبة للوضع السياسي القائم في البلد يمكن معرفة المعيار الذي تمت العملية وفقه.

ما هو المعيار إذا؟

من يقرأ الأسماء التي أعلنتها وزارة الخارجية لتمثيل العراق دبلوماسيا، يجدها جميعها تعود لشخصيات مسيطرة على المشهد السياسي او شريكة في إدارة اللعبة السياسية منذ تغيير النظام الى يومنا هذا، ومن المؤكد ان ذلك فيه الكثير من المخالفات والتداعيات الخطيرة على مستقبل البلد من الناحية الدبلوماسية والتأثير الإقليمي والدولي.

ولهذا القول أسبابه؛ ذلك ان التمثيل الدبلوماسي يمثل الواجهة الرسمية للدول في الخارج، ومن هذا لا يُنظر إلى السفير باعتباره موظفا إداريا عاديا، بل باعتباره مرآة سياسية وثقافية واقتصادية تعكس صورة وطنه أمام العالم.

ومن هذه الأهمية فإن عملية اختيار السفراء لا تقل أهمية عن رسم السياسات الداخلية والخارجية، بل تعد امتداداً طبيعياً لها، لكن وربما لوضع البلد الحالي الذي يعيش حالة ربما استثنائية من الناحية السياسية والإدارية، فأن الاختيار شابه الكثير من الملاحظات الجماهيرية.

فكانت الاعتراضات تتمحور حول آلية الاختيار، وعدم شفافية العلمية برمتها، فما بالك إذا عندما تكون الأسماء هي أبناء سياسيين حاليين واقارب من لديهم سطوة في العملية السياسية، اذ يكرس ذلك حالة الشك والطرح المتكرر عن الطريقة التي تُدار فيها القضايا الحساسة في البلد.

أهمية اختيار السفير الذي يمثل العراق، تأتي من اهمية هذه الشخصية التي ستكون أداة دبلوماسية لا تقل وزناً عن الوزير أو المفاوض السياسي؛ ذلك ان نجاحها سينعكس مباشرة على استقرار وتقدم الدولة في محيطها الإقليمي والدولي.

وعليه يجب ان يكون الاختيار مبني على قواعد رصينة ومعايير لا يمكن تجاوزها، ومن أهمها ان يتمتع السفير بالكفاءة والخبرة والمعرفة العميقة بالعلاقات الدولية، ليكون الوسيط الذي من خلاله تفتح الدولة أبوابا واسعة للتعاون والتأثير الإقليمي بالدرجة الأولى والدولي بالدرجة الثانية.

فالعراق لا يزال متعثرا في موضوعة اختيار الممثلين الخارجيين، ومصداق ذلك هو عدم التواصل الى اتفاق او حلول ناجعة ودائمة في اغلب الملفات الحساسة والمهمة، فلا يزال ملف المياه معلق مع الجانب التركي، الذي يفرض في كل جلسة تفاوضية شروط قاسية على العراق، ذلك كون الأخير لم يسند هذه المهمة الى شخصيات كفوءة تعرف من اين تؤكل الكتف.

ولم يتمكن سفراء العراق من تحسين الصورة العامة المأخوذة عن البلد في الخارج، ودليل ذلك عدم استقطاب الشركات التجارية، سوى الشركات التابعة لبلدان مشاركة بصورة مباشرة في عملية اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي ورسم السياسات المالية والتنموية.

فالسفير النجاح هو من يسهم في تعزيز العلاقات الثنائية وردم الهواة التي تُحدثها المواقف السياسية بين الحكومات، في المقابل حين يُبنى الاختيار على أسس سلبية مثل المحسوبية أو القرابة أو الولاءات الحزبية، فإن الخسائر تكون مضاعفة، فعلى المستوى تسهم في إضعاف ثقة الشعب بالدولة ومؤسساتها، وتكريس الشعور بعدم العدالة.

 اما على المستوى الخارجي، فيتمثل بفقدان الاحترام والجدية من قبل الدول الأخرى، ما يضعف مكانة العراق أو أي دولة أخرى في المحافل الدولية، بينما على المستوى العملي، يكون السفير غير المؤهل عاجز عن إدارة ملفات حساسة، ما يؤدي إلى تعطيل مشاريع أو إهدار فرص استراتيجية.

التجربة العراقية الأخيرة، لا تُقرأ في الداخل على أنها مجرد خلل إداري، بل كجزء من منظومة أوسع تفتقر إلى الإصلاح الجذري، أما في الخارج، فالصورة أكثر خطورة، فكيف يمكن لدولة أن تُقنع الآخرين بجدية خطابها الدبلوماسي إذا كان ممثلها الأول يفتقد للخبرة أو تم اختياره لاعتبارات عائلية بحتة؟

السفير ليس مجرد منصب تشريفي أو وظيفة تمنح لمكافأة المقربين، بل هو خط الدفاع الأول عن سمعة الدولة ومصالحها، وإذا استمر التعامل مع هذا الموقع الحساس بعقلية الغنائم السياسية والعائلية، فإن النتائج ستكون مزيداً من التراجع في ثقة الداخل، ومزيداً من التهميش في الخارج، أما إذا جرى التعامل معه بمهنية واستقلالية، فإنه سيكون أحد أهم أدوات بناء الدولة وتعزيز مكانتها الدولية

ذات صلة

هل نصدّق الكرامات المتداولة.. وهل نصدّق الوعود الانتخابية؟أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وأثرها في صيانة وتعزيز الحقوق والحرياتالعدالة الاقتصادية والرحمة الاجتماعية في فكر الإمام الصادق (ع)في الحياة الزوجية: ماذا يجب على الزوجة تجنبه؟مظلة باكستان النووية.. هل تحقق توازن الردع للسعودية في المنطقة؟